إعلامنا ... واستهداف العلماء !!
5 ربيع الأول 1438
تقرير إخباري - محمد الشاعر

إذا كان احترام العلماء والمفكرين وأصحاب الفكر والقلم والمعرفة و المعلمين هو الشرط الأهم في نهوض أي أمة وتقدمها على جميع المسارات والأصعدة , فإن العمل على عكس ذلك سواء بالتقليل من منزلة العلماء ومكانتهم في المجتمع , أو جعلهم محل تندر واستهزاء على وسائل الإعلام , أو شن حملة عليهم و مهاجمتهم وملاحقتهم والإساءة إليهم ...... هو العامل الأول في المزيد من تراجع أي أمة وتقهقرها وانحدارها في ظلمات الجهل والتخلف والرجعية .

 

 

ومع التأكيد على أن الاستهزاء بالعلماء أو النيل من مكانتهم في المجتمع يشمل بلا شك علماء الدين والدنيا معا , إلا أن الأخطر بلا ريب هو المساس بعلماء العقيدة والشريعة والدين , فمن المعلوم أن الغاية الأولى من العلم معرفة الله تعالى وعبادته بشكل صحيح كما أمر , فما فائدة علوم الدنيا إذا لم تكن وسيلة للوصول إلى اليقين بوجود الله تعالى وعبادته ؟!

 

 

لقد أمر الله تعالى باحترام العلماء وتوقيرهم , وأوجب طاعتهم بالمعروف بعد طاعة الله تعالى ورسوله فقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .... } النساء/ 59 , وقد أكد معظم علماء التفسير أن المقصود بأولي الأمر في الآية : الأمراء والعلماء , قال ابن كثير : قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ } يعني : أهل الفقه والدين , وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية : { وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ } يعني : العلماء . والظاهر -والله أعلم- أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء . 2/345

 

 

واعتبر النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء , وأمر باحترامهم وتوقيرهم , ففي الحديث عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ بإسناد حسن أن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال : ( إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِى فِيهِ وَالْجَافِى عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِى السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ) سنن أبي داود برقم/4845

 

 

وحذر النبي صلى الله عليه من استهداف العلماء والنيل منهم والتعرض لهم بشر وسوء , ففي الحديث عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ ) مسند الإمام أحمد والطبراني في الكبير بإسناد حسن .

 

 

ليس العجب أن يستهدف أعداء الأمة علماءها وفقهاءها - وعلى رأسهم أصحاب العمائم وخطباء المنابر و من يعلمون الناس أمور دينهم – فهذا دأبهم وديدنهم منذ بزوغ فجر الإسلام وحتى الآن ... ولكن العجب كل العجب أن يتم استهداف علماء الأمة من قبل بني جلدتهم وداخل بلدانهم الإسلامية و على وسائل الإعلام العربية , بل ومن صحيفة تحمل اسم أقدس بقاع الأرض قاطبة .

 

 

ومن هنا يمكن فهم ردود الأفعال الغاضبة على الكاريكاتير الذي صدر عن صحيفة مكة السعودية يوم الأربعاء الماضي , والذي اعتبره الكثير من المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" إساءة لشعيرة من شعائر الإسلام , واستهدافا لعلماء الأمة ممن يعتلون المنابر ويعلمون الناس من خلاله أمور دينهم .

 

 

وقد أطلق الناشطون بعد ظهور الكاريكاتير وسما على تويتر حمل عنوان : #صحيفة_مكة_تهين_المساجد , عبروا فيه عن استيائهم واستهجانهم من هذا الرسم , وطالبوا الجهات المسؤولة باتخاذ التدابير اللازمة لردع وسائل الإعلام التي تستهدف العلماء وتنال من شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام .

 

 

د . محمد البراك عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى وعضو رابطة علماء المسلمين غرد على حسابه على تويتر قائلا : #صحيفة_مكة_تهين_المساجد ..........لو نشر هذا الاستهزاء في صحيفة في دولة غير مسلمة لطالب المسلمون بمعاقبة الصحيفة فكيف تنشره صحيفة تحمل اسم مكة !!

وأضاف : غير بعيدأن قوله تعالى : "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" .... يتناول أمثالهم .

 

 

من جهته غرد عبدالعزيز آل عبداللطيف الأستاذ المشارك في قسم العقيدة بجامعة الإمام - سابقاً- وعضو هيئة التحرير بمجلة البيان على حسابه على تويتر : السخرية بالدعاة والصالحين سبيل قديم  للمنافقين والكافرين , وهم"سوقية" فكل إناء بالذي فيه ينضح!!  والتهكم مؤهل المفلسين .

 

 

وأعرب صاحب حساب "سعد بن غنيم" عن استغرابه من صدور مثل هذا الرسم المسيء على صفحات صحيفة عربية مسلمة وتحمل اسم مكة قائلا : ليست شارلي إيبدو ولا من الدانمارك ولكنها وللأسف في مكة وتحمل أسم قبلة المسلمين  #صحيفة_مكة_تهين_المساجد والخطباء والمستمعين للخطبة .... فمن بقي ؟!

 

 

بينا اعتبر وليد الهويريني أن : "التدمير الممنهج لمكانة الخطيب والمنبر في المجتمع يؤدي لاهدار دوره وغياب فاعليته عندما يدق الأعداء أسوار بلدك" .

 

 

والحقيقة أنه وبعيدا عن حكم الشريعة في مثل هذا الرسم المسيء للمساجد وشعيرة من شعائر الإسلام كما أكد الكثير من المستنكرين له .... فإن الرسم فيه إساءة واضحة للعلماء وخطباء المساجد , وفيه استهداف للدور الكبير والخطير المنوط بالدعاة إلى الله تعالى , والذي يبدو أن تزامن رمي بعض وسائل الإعلام العربية والإسلامية سهامها المسمومة تجاه هذه الفئة بشكل خاص ليس مصادفة .

 

 

فمن يستعرض ما يبث على كثير من الفضائيات العربية , وما ينشر في صحفها المكتوبة وبرامجها الإذاعية المسموعة , يمكنه أن يلاحظ أن هناك حملة ممنهجة للنيل من العلماء والدعاة , واستهداف مباشر لمكانتهم ومنزلتهم في المجتمع , ولعل من يتابع ما يبث وينشر على وسائل الإعلام في مصر وتونس ....وغيرها يمكنه أن يؤكد هذا الأمر .

 

 

وإذا كان استهداف الإعلام العربي والإسلامي لعلماء الأمة ودعاتها من الخطورة بمكان , فإن خطر استهداف بعض وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية لدور العلماء والدعاة أشد , نظرا للمكانة المرموقة التي يتمتع بها علماء بلاد الحرمين , و الكلمة المسموعة لهم عند الحكومة والعامة والخاصة , بل والثقة التي نالوها بجدارة من شعوب الدول العربية والإسلامية .

 

 

ومن هنا فإن أخذ مطالب عموم المنتقدين للرسم الكاريكاتيري بعين الاعتبار من قبل الجهات المسؤولة في المملكة , و إيلاء مسألة تأكيدهم على وجوب محاسبة السؤولين عن ذلك الرسم المسيء مزيدا من الجدية والاهتمام هو أمر في غاية الأهمية , خصوصا في هذا الوقت الذي تواجه المملكة فيه مشروعا صفويا خطيرا , وتحتاج فيه بلا شك لجهود جميع أبناء المجتمع وعلى رأسهم العلماء والدعاة .