لم تهزم حلب .. بل الثورة تصحح مسارها
18 ربيع الأول 1438
طلعت رميح

كان المشهد داميا بغزارة السيل الجارف،وكل الآلام احتشدت في حلب لتنهك النفوس وتدميها بكاء وحسرة .هناك حشد الروس والإيرانيين ومن خلفهم الأمريكان والأوروبيون، كل طاقاتهم تحت غطاء الأسد والإرهابيين المصنعين لديهم.وهناك ارتكبوا كل أنواع البشائع التي ابتكرها القتلة عبر تاريخ البشرية وكل أشكال الخداع والفتنة التى عرفها التاريخ. لكن حلب لم تهزم،وثوارها لم يهزموا، بل هى صمدت وهم صمدوا،ضد كل هذا الحشد.وخلال صمودهم وصبرهم وتضحياتهم توصلوا لنظرية الثورة السورية، وفى ذلك لم يخرج ما جرى على كل ما جرى في كل الثورات عبر التاريخ الإنسانى. لقد حدث التغيير المؤهل لتحقيق الانتصار، والآن يمكن القول بان الثورة السورية فى طريقها للانتصار.لا نقصد هنا كلاما لرفع المعنويات أو منحا للأمل فى لحظة استعصاء الألم .فذاك هو قانون وخط سير الثورات،جميعها ودون استثناء.

 

 

لقد هزم الثوار الكوبيون فى مطلع أيام ثورتهم وكادوا يقتلون جميعا،وقبلها حاول كاسترو إحداث التغيير فانتهى أمره إلى السجن.وهزمت محاولة هوجو شافيز الأولى للوصول للحكم، وقبض عليه وسجن.بل جرى الانقلاب عليه واعتقاله وهو رئيس.وهزم بل تعرض ثوار الحزب الشيوعى الصينى للإبادة حتى لم يبق منهم سوى عدة مئات-فى بلد المليار وربع-لكن الهزيمة كانت البداية للمسيرة التحررية العظمى التي تواصلت لأكثر من 15 عاما ،قطع الثوار خلالها الف ميل-بدات بخطوة واحدة-وعندها كانت بداية انتصار الثورة. وهزمت ثورة روسيا الاولى والثانية وهرب الثوار الى خارج روسيا منفيين او مطاردين لنحو 12 عاما.كما ليست مصادفة أن تعرضت ثورات الربيع العربى لمثل تلك الحالة ..جميعها.

 

 

الثورات لا تُعلَّم بالمدارس ولا في الجامعات،ولا تخطيط استباقيا لها،وإلا لما كانت ثورة شعب.والثورات ليس لها وصفة جاهزة لتحقيق الانتصار. والثورات يجرى تعلم قانونها الخاص بكل بلد فى الميدان.وكل ثورة تتعرض –بلا استثناء-لمرحلة أولى عفوية تقلد فيها غيرها فتفشل وتتعرض لهزائم قاسية ومرة ومريرة،ومن الهزائم يصل الثوار "للشفرة الجينية الخاصة للثورة ببلدهم" والتى لا يصلح غيرها. لقد حاول البعض في الصين تكرار تجربة لينين في روسيا، فهزموا شر هزيمة. وحاول ثوار أمريكا الجنوبية –جميعهم تقريبا-تكرار تجربة كاسترو ففشلوا جميعا...إلخ. وكذا خاض الفلسطينيون تجربتهم الأولى فى الأردن وحققوا انتصارات لكنهم أخرجوا وتشتتوا،ومن بعدها تكرر المشهد في لبنان،وحين رست سفينتهم على أرض فلسطين كانت البداية الحقيقية.

 

 

الثورات والمقاومات وكل فعل أو عمل شعبى، هذا طابعه وتلك وقائع الدنيا والحياةأو تلك طبيعة التغيير.القانون الخاص للثورة أو النظرية المحددة والمؤهله للنجاح بكل ثورة-للأسف- هى حالة خاصه بها ولا تنطبق على غيرها ،ولا تكتسب ولا يتم الوصول إليها،إلا بالخبرة والتجربة. فالثوار لا يولدون ثوارا، وهم لم يكونوا حكاما ليدركوا توازنات إدارة الدول والأقاليم والعالم.وجهدهم وخبرتهم لا بتلك المتوفرة لإدارات الدول والجيوش التى يواجهونها. والثوار في موضع الرفض والمواجهة دوما ممن يحكمون الدنيا،فهؤلاء يخافون كل تغيير قادم.والثوار أبدا لا يكونون على مستوى محدد وناجح في تنظيم أعمالهم ودورهم وعلاقاتهم بالجمهور العام إلا عبر التجربة خلال ثورتهم.

 

 

ولذا لم تهزم حلب ولا ثوارها،وهم لاشك قد تحرروا الآن من أخطائهم الاستراتيجية التى علقت بتجربتهم، مثلهم مثل كل الثوار فى الدنيا.وثورة سوريا انفتح أمامها الطريق لمعرفة الشفرة الجينية للنجاح عبر تجربتهم هم .

 

 

المصدر/ الشرق