قضية فلسطين ....وخذلان عربي مشين
25 ربيع الأول 1438
د. زياد الشامي

لم يكن ما حدث في اليومين الماضيين في أروقة مجلس الأمن الدولي فيما يخص جانبا من جوانب القضية الفلسطينية بالحدث العادي أو العابر , فما جرى أشار بشكل واضح إلى خذلان مشين ومخز من بعض الدول العربية للقضية الفلسطينية , وأثار الكثير من التساؤلات حول مستقبل هذه القضية إن استمر ما هو أدهى وأمر من عبارة "خذلان" حسب ما يشير إليه واقع الحال !!

 

 

الحدث هو : تبنى مجلس الأمن الدولي أول قرار من نوعه منذ 36 عاما يطالب فيه الكيان الصهيوني بوقف بناء المستوطنات "الإسرائيلية" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث حظي القرار بموافقة 14 دولة و امتناع الولايات المتحدة عن التصويت لأول مرة منذ عقود .

 

 

ومكمن الغرابة والعجب في تبني القرار ليس في امتناع الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام حق النقض الفيتو لمثل هذه القرارات كما جرت العادة سابقا فحسب , بل في تراجع دولة عربية كبرى وذات صلة وثيقة بالقضية الفلسطينية منذ نشوئها عن تبني القرار وسحبه نهائيا من التصويت الذي كان متوقعا بعد ظهر الخميس الماضي .

 

 

نعم .... لقد سحبت مصر - العضو في مجلس الأمن – مشروع القرار الذي عملت على إعداده مع الفلسطينيين- بعد أن  وزعته على الدول الأعضاء بمجلس الأمن الأربعاء ليصار للتصويت عليه بذريعة إتاحة الوقت لإجراء مشاورات حول مشروع القرار من دون تحديد موعد جديد للتصويت , وهو ما دفع الدول الأربعة التي تبنت القرار مع مصر والسلطة الفلسطينية - نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال – لإمهال مصر وقتا قصيرا لتوضيح موقفها أو التحرك لطرح القرار مجددا للتصويت عليه مجددا , وهو ما حصل بالفعل بالأمس حيث تم تبني القرار بأغالبية ساحقة .

 

 

ولعل ما زاد الطين بلة - كما يقال – هو انكشاف أسباب التراجع المصري عن تبني القرار ضد الكيان الصهيوني , حيث أكدت الأنباء المتواترة أن اتصالا من الرئيس الأمريكي المنتخب "ترمب" برأس النظام المصري "السيسي" وضغوط صهيونية كان وراء سحب مصر لقرار وقف الكيان الصهيوني للاستيطان .

 

 

فقد كشف مسؤول في إدارة ترامب الانتقالية عن اتصال هاتفي جرى بين ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تناول مشروع القرار , كما أعلنت الرئاسة المصرية الجمعة أن مصر وافقت على تأجيل التصويت على مشروع قرار ضد الاستيطان في مجلس الأمن الدولي بعد اتصال تلقاه عبد الفتاح السيسي من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب" , مؤكدة أنهما اتفقا على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأميركية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية" على حد وصف البيان .

 

 

لعل خطورة ما جرى بالأمس لا يتمثل في تراجع دور دولة عربية كبرى بحجم مصر إلى هذا الحد المخزي عن نصرة القضية الفلسطينية ودعمها بكل السبل الممكنة ضد ممارسات الاحتلال الصهيوني الإجرامية فحسب , بل في الخروج عن الصف العربي المؤيد للقضية الفلسطينية بحده الأدنى , والتماهي مع الإملاءات الخارجية – وخصوصا الأمريكية – وتجاوز جميع الخطوط الحمر في العلاقة مع الكيان الصهيوني .

 

 

لقد أظهر ما جرى في مجلس الأمن بالأمس مدى هشاشة موقف بعض الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية , وأبرز دور دول غير عربية – إسلامية وغير إسلامية - في تبني مواقف أكثر دعما وتأييدا للفسطينيين من بني جلدتهم , وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول إمكانية حدوث تحول في تبني القضية الفلسطينية وانتقالها إلى غير العرب عموما .

 

 

لم يكن رد فعل ساسة الكيان الصهيوني على القرار مفاجئا ,  قد عبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن رفضه وغضبه من القرار , و وصفه بـ"الحقير" و"المخزي" و"السخيف" , وأعلن بكل وقاحة وتحد للمجتمع الدولي من خلال بيان صدر عن مكتبه بأن حكومته : "لن تخضع لهذا القرار، وهو غير ملزم لنا" .

 

 

بل وصل الأمر برئيس حكومة الاحتلال لاستغلال ما يجري في سورية للطعن بالقرار وتفريغه من أهميته حيث قال : "مجلس الأمن لا يعير اهتماما لوقف المجازر في سوريا التي تطال أكثر من نصف مليون سوري" !! وكأن ما يجري بسورية من مجازر على يد طاغية الشام وحلفائه من الروس والرافضة لم يكن بمباركة وتنسيق وتصفيق صهيوني مفضوح ومكشوف !!

 

 

أما حكومة مصر فقد كانت في موقف لا يحسد عليه , فلا هي بقيت على تبني القرار وفازت بقدم السبق في إقرار مشروع كهذا للتغطية على مواقفها البعيدة كل البعد عن التوافق العربي - الخليجي على الأقل – في الملف السوري واليمني والموقف من المشروع الصفوي في المنطقة ...... ولا هي منعت مشروع القرار من التصويت عليه في نهاية المطاف كما طلبت إدارة ترمب والكيان الصهيوني .

 

 

ومن هنا يمكن فهم ردة الفعل الغاضبة من قبل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من موقف النظام المصري الحالي تجاه سحب مشروع القرار الذي يدعو لوقف الاستيطان , حيث عبروا عن استيائهم الشديد من موقف مصر المخزي والمهين , وحزنهم وألمهم الكبير من هذا التدني الخطير في دعم قضية فلسطين .

 

 

ويكفي في هذا المقام الإشارة إلى تغريدة الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة الذي قال : "أمسينا مع فضيحة في مجلس الأمن، ونصبح عليها. قصة تستدعي الحزن أكثر من أي شيء آخر. فالأمة بدون مصر تسير مثقلة وتواجه متعبة" .