ما بعد هزيمة "داعش" في معركة سرت
27 ربيع الأول 1438
علاء الدين البطة

مدينة سرت هي مدينة ساحلية ليبية تمتاز بموقعها الجغرافي المهم الذي يتوسط شرق البلاد وغربها. وتنبع أهميتها من كونها بوابة استراتيجية مهمة لمنابع النفط ولخطوط وموانئ تصدير النفط الليبي للأسواق الخارجية. وكون المدينة كانت مسقط رأس الزعيم الليبي السابق العقيد القذافي ومعقلاً مهماً وموالياً له؛ فقد تعرضت للحرب والدمار الشديدين خلال الثورة الليبية التي انطلقت في فبراير 2011.

 

 

وبعد نجاح الثورة وتشكل الدولة الجديدة بقيادة الثوار؛ تعرضت المدينة للتهميش "المقصود" وتعرض سكانها "للتنكيل والانتقام" من بعض القوى الليبية، ما جعل منها بيئةً مناسبةً وحاضنة لأي من حركات المعارضة أو المعادية للثورة الوليدة في العاصمة طرابلس.

 

 

الحديث كان يدور عن اتصالات ومحادثات تمت بين قبائل المدينة للتحالف مع تنظيم داعش، وتوفير ملاذٍ آمنٍ وإمكانات لهم مقابل محاربة حكومة طرابلس. وهذا بالفعل ما تم حيث أنه وفى فبراير 2015 استفاق الليبيون والعالم على مفاجأة غير جميلة، وهي سيطرة أو "وصول" بضع مئات من قوات تنظيم داعش إلى هذه المنطقة المهمة والاستراتيجية، واحتلال المدينة دون أية مقاومة تذكر، حيث تمكن التنظيم وبسرعة كبيرة من بسط السيطرة على المدينة، بل ومد نفوذه إلى العديد من المدن والبلدات الليبية المحيطة الصغيرة والمجاورة، التي آثرت أن تتجنب قتالاً دموياً مع تنظيم داعش بالاستسلام من خلال عقد اتفاق معه.

 

 

وفي وقتٍ لاحقٍ، نما التنظيم وتمدد حتى وصل نفوذه إلى الساحل الأوسط من منطقة بن جواد شرقاً، والتي تبعد 600 كيلومتر عن العاصمة طرابلس، إلى منطقة السدادة غرباً والتي لا تبعد عن شرق مدينة مصراتة سوى بـ90 كيلومتراً. هذا عدا الخبرة الكبيرة التي اكتسبها تنظيم داعش بعد سيطرته على سرت من خلال:

 

 

• التحاق مقاتلين جدد بالتنظيم، خاصة بعد أن عززوا صفوفهم باستقدام أعداد هائلة من المسلحين الأجانب من جنسيات مختلفة، خاصة من تونس والسودان المجاورتين.

 

 

• التحاق أعداد كبيرة من الإداريين الأكثر خبرة والذين وصلوا من سوريا والعراق، بعد تشديد الخناق عليهم نتيجة غارات التحالف الدولي. وهكذا تضخم التنظيم وتضاعفت أعداده من خمس مئة مقاتل في فبراير 2015 إلى عشرة آلاف مقاتل في منتصف 2016، حسب مصادر المخابرات الفرنسية، وقد شكل ذلك عاملاً محفزاً للتنظيم للبدء في تطبيق نظامه الوحشي، مثل الإعدامات العامة، والرجم، وبتر الأطراف.

 

 

هذا عدا عن انطلاق حرب الأخوة الأعداء بين حكومتي المؤتمر الوطني في طرابلس وحكومة برلمان طبرق في الشرق، والذين كانوا منهمكين في صراع سياسي وعسكري دموي وتحديداً منذ إعلان رئيس الأركان السابق خليفة حفتر انطلاق عملية " الكرامة" في مايو 2014، الأمر الذى أبقى تنظيم داعش في الظل يتجهز ويتمدد ويسيطر على المزيد من مؤسسات الدولة التي رفعوا أعلامهم عليها، بل ويهدد - تنظيم داعش - بالتقدم باتجاه مدينة مصراتة رمز وحاضنة الثورة وخزانها العسكري والبشري.

 

 

وفى ديسمبر 2015 جاء اتفاق "الصخيرات" بين الفرقاء الليبيين مفاجئاً للجميع، بما فيهم داعش، والذى مكن لحكومة الوفاق الوطني من الوصول إلى طرابلس وممارسة عملها من العاصمة الليبية في مارس 2016 . وفى محاولة لبسط سيطرة الحكومة الجديدة على الأراضي الليبية، وكسب المزيد من الدعم والتأييد الدوليين في التصدي لخطر تمدد تنظيم داعش، الذي أصبح يهدد المدن المجاورة. أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس عن إطلاق عملية عسكرية لتحرير مدينة سرت من قبضة داعش، تحت اسم "البنيان المرصوص" في 12 مايو 2016.

 

 

وقد انطلقت عملية تحرير سرت بدعم جوى أمريكي وغربي وصل إلى ما يزيد على 350 ضربة جوية، منذ مايو وحتى بداية ديسمبر الحالي، وذلك بالتزامن مع تحرك سريع لقوات الحكومة الجديدة على الأرض؛ الأمر الذي مكنها وخلال عدة أسابيع فقط من تحقيق سيطرة سريعة على مدينة سرت والوصول إلى قلب المدينة، باستثناء حي واحد فقط يُسمى "حي الجيزة البحرية"، والذي تحصن فيه ما يقارب من 200 مقاتل ممّن تبقى من مقاتلي داعش الليبيين والأجانب، والذين قاتلوا فيه باستماته لعدة أسابيع حتى سقط هذا الملاذ الأخير لهم في بداية ديسمبر الحالى.

 

 

لقد كان موضوع طرد التنظيم بالكامل من مدينة سرت بالفعل مسألة وقت فقط، كما صرح العديد من قادة قوات "البنيان المرصوص"، ولكنها كانت مكلفة حيث أن من تبقى من قوات داعش رفض الاستسلام وأصر على القتال حتى الموت، مكبدين قوات حكومة الوفاق الوطنى الليبية خسائر بشرية فادحة.

 

 

نستطيع القول إن خطر تنظيم داعش قد انحسر في المدن الرئيسة فى ليبيا وخصوصاً في ظل عدم وجود حاضنة شعبية له، عدا عن تصرفاته الإجرامية ضد السكان، إلا أن وجود هذا التنظيم لن ينتهي في القريب العاجل خصوصاً: - في ظل فرار المئات من عناصره إلى داخل الصحراء الليبية الواسعة، حيث من المرجح –وبحسب تقارير غربية متعددة – أن تكون المنطقة الرخوة في الجنوب الغربي من الصحراء الليبية والمحاذية لحدود النيجر والجزائر، والقريبة من شمالي مالي مكاناً آمناً لعناصر داعش الهاربة من معركة سرت، حيث ستقترب من مجموعة من التنظيمات المسلحة المشابهة والتي من أبرزها تنظيم "بوكو حرام " في نيجيريا، وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وبالتالي سيكون التنظيم قادراً على زعزعة استقرار ليبيا بل ومواصلة هجماته الإرهابية في تونس والجزائر وعديد الدول الأفريقية.

 

 

وأيضاً يقترب التنظيم أكثر من منطقة تشهد نشاطاً واسعاً للمهربين والجماعات "الإرهابية"، بل وتتنازع قبائل ليبية في الجنوب الغربي على السيطرة على طرق التجارة غير المشروعة، وطرق التهريب التي تقطع الصحراء الليبية، والتي تربط بين جميع أنحاء القارة الأفريقية وتدر عليهم أموالاً طائلة، وهذا ما قد يشكل بيئة مناسبة جديدة للتخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية قاسية تهدد المنطقة بالكامل.

 

 

المصدر/ الخليج أونلاين