الحاجة إلى التعجيل بالاستفتاء التركي
9 ربيع الثاني 1438
أمير سعيد

مرة ثالثة يجدر أن يتكرر التحذير بأن الأعمال الإرهابية في تركيا كلها تستهدف بالأساس مشروع تغيير الدستور التركي، تعمل على عرقلته بغرض إيقاف مسار ومسيرة تركيا نحو تحقيق الهوية ونيل الاستقلال.

 

ولإطاحة النظام القائم هناك حلول يعرفها جيداً أعداؤه، وهي ليست جديدة وجربت في دول كثيرة، وما أُخفِق في تنفيذه من قبل عُمِد إلى غيره:
-    انقلاب
-    إفشال قبل انتخابات
-    استنزاف حرب

 

وفي السياق، يُمر بعدة آليات: تسميم وضع أمني، إفشال اقتصادي، إفشال للمدنيين عموماً بحكم البلاد، دعاية سوداء، أزمات خارجية، توريط بحروب، تشجيع للانفصاليين.

 

في السياق الأوضح، إرباك الخصم وتعجيزه عن تحقيق أي إنجازات مرحلية.. الدستور هو أحد أبرز تلك الإنجازات، فبخلاف ما سننظر له كثير منا وله الحق في ذلك من أنه ليس دستوراً "إسلامياً"، إلا أن عين الغرب لا تراه هكذا؛ فكل ما يقوي "روح الإسلام" في نظرها هو "إسلامي" بالضرورة، وروح الإسلام هنا في تقديرها هو امتلاك ناصية الهوية، وانتزاع الاستقلال، وهو الإرادة القوية التي لا تقع تحت رحمة الحكومات الائتلافية الضعيفة التي تحكم بيد مرتعشة وإرادة واهنة.

 

تغيير الدستور التركي يعني عند تل أبيب، واشنطن، بروكسل أن السهم قد غادر القوس، وسيعني أن 2023 وهو العام الذي اختاره الرئيس أردوغان ليكون بمثابة إنهاء اغتراب الأمة عن جذورها، وتعرفها أكثر إلى هويتها، ضمان اقتصادها، غذاءها، دواءها، سلاحها، وهذا ما ترنو إليه الاستراتيجية التركية؛ فبعد عامين ونيف تخطط أنقرة لأن تصنع أكثر أسلحتها تطوراً، وتبقى مشكلتها في حدود الدرع الصاروخي الذي قد تتمكن من تحقيق صفقة مناسبة له يمنح ضباطاً فرصة للإشراف عليه (كمثل الصفقة الصينية الملغاة).. سيعني تغيير الدستور أن سكان الأناضول وما حولها سيتمكنون من العيش تحت حكم إدارة قوية يوفر دستورها حدوداً صارمة وواضحة للفصل بين السلطات وسيمنح الرئيس – أي رئيس – سلطة حقيقية على الجيش والأجهزة الأمنية بخلاف ما هو حاصل ضمن أطر النظم الدستورية الحالية. أما بالنسبة لأردوغان فسيصبح – بموجب الدستور الجديد – "سلطاناً" حقيقياً على النحو الذي تخوف منه أعداؤه.. يعني الدستور الجديد أن خط الهيمنة الأتاتوركية على النظام السياسي ستتراجع خطوات، سنرى الخط الذي سار عليه قطار التغريب قد انعكس سهمه.. هذا ليس هيناً بالمرة، هذا ما يزعج الغرب بشكل لم يسبق له مثيل منذ نحو قرن، لهذا يمضي الإرباك والإنهاك والاستنزاف والإضعاف في طريق تركيع تركيا.

 

كان التوقع أن تزداد الأعمال الإرهابية ضراوة وضخامة كلما اقتربنا من موعد الاستفتاء على الدستور التركي، وها هي لا تكذّب حدساً، فالوتيرة – كما ترون – تزداد تصاعداً، والأهداف تتنوع، وإيقاع الأجهزة الأمنية في حبائل الأجهزة المضادة التي تحركت في كل اتجاه وجربت كل لون يمضي مثلما هو مرسوم له.

 

تعديل الدستور يحتاج إلى تجاوز نسبة ثلثي أعضاء البرلمان التركي (367 نائباً أو أكثر)، فيصبح على الفور نافذاً بعد العرض على رئيس البلاد لإقراره، وهي نسبة لا يوفرها التوافق بين حزبي العدالة والتنمية، والحركة القومية على ذلك حيث يتوفر الأول على 317 عضواً بينهم 316 نائباً يحق لهم التصويت (رئيس البرلمان المنتمي للحزب لا يحق له التصويت) علاوة على أعضاء حزب الحركة القومية البالغ عددهم 40 نائباً الذين أبدوا تأييدهم لتعديل الدستور (المجموع 356 عضواً هم أقل من المطلوب ولا يتوقع أن ينضم إليهم آخرون)، بينما عرض التعديل على الاستفتاء يلزمه موافقة 330 عضواً عليه (60%) قبل العرض على رئيس البلاد، وهي متوفرة للحزبين المؤيدين لإقراره..

 

ويتوقع أن يعرض المشروع على الشعب للاستفتاء في شهر إبريل القادم، وهو موعد لا يعد مبكراً إلا عند النظر إليه من زاوية الفاتورة التي يتعين على الحكومة والشعب التركيين دفعها لإقراره، وهي فاتورة الدم التي يصدرها مصاصو الدماء من الدولة العميقة الذين لا يرغبون في إقرار دستور يخالف أبجديات أتاتورك وليس في وئام تام معها.

 

وإلى حين يتم عرض التعديلات الدستورية في استفتاء شعبي؛ فإن كل الأدوات الإرهابية وأساليب عرقلة مسيرة النهضة التركية ستستخدم، وستزداد وتيرة التحديات ضراوة، وستشتعل الحملة التي بدأتها ديلي تليجراف بوصف تركيا بالرجل المريض مرة أخرى تمهيداً وتبريراً للإجهاز عليه، لهذا ربما كانت الحاجة ملحة لكسر الروتين الاعتيادي للتحضير للاستفتاء واختزال هذه الفترة بأقصى قدر ممكن لتجنب مزيد من إراقة الدماء.. صحيح أن نزيف الدم لن يتوقف ما دام ثمة حكومة تركية لا ترضي الغرب وإيران، لكن التعجيل بالاستفتاء يغير قواعد اللعبة من جديد، ويفتح طريقاً أقصر للانعتاق من ربقة السيطرة العالمية على واحدة من أهم الدول الإسلامية قاطبة.