من القلق .. إلى السكينة
8 ربيع الثاني 1438
د. خالد رُوشه

كثيرون هم الذين يعيشون في قلق يومي من تقلبات الحياة ، فيحملون الهموم مع كل تغير ، ويتابعون الأخبار بدقة ، فتخفق قلوبهم مع كل خبر، وتدور عيونهم مع كل حركة دابة من حولهم ..

 

كثيرون هم الذين يعيشون ي قلق بالغ لى أموالهم ، أن تنقص ، وعلى أعمالهم ، أن تتراجع ، وعلى أولادهم ، أن يصيبهم الأذى ، ولى صحتهم ، أن تمرض ، وعلى مستقبلهم أن يكون أليما ..!

 

حادثني أحد الأصدقاء الميسرين ماليا ، أنه يخاف من المستقبل ، فلما تعجبت منه وقلت له : ومم تخاف ؟! قال : الفقر !

 

قلت كيف وأنت قد أغناك الله غنى فاق غالب من حولك ، ولديك من المال مالو حاولت إنفاقه ي سنين لم تستطع !

 

قال : لا ادري هو شعور لدي ، ولدى كثيرين من رجال الأعمال من أصدقائي !

 

هكذا يخاف صاحبنا الغني من الفقر ، وهكذا وبنفس الطريقة يخاف صاحبنا الشاب الفتي مفتول العضلات من الأورام الخبيثة ، ويقلق صاحبنا ذي المركز المرموق من التحركات الإدارية الجديدة أن تسلبه مكانته !

 

إنها حياة صعبة مؤلمة ، تلك التي تعيشها بين خوف وقلق وترقب ، وكأنك ممسك بشىء ثمين بين يديك وتسير في طريق يكتنفه اللصوص على الجانبين ، وأنت تسير قلقا مهزوزا ، مترقبا ، غير واثق ، ينخلع قلبك مع كل صيحة ، ويتزلزل صدرك مع كل هبة ريحح ،، قد فقدت السكينة ، وفارقتك الطمأنينة ، وغاب عنك الهدوء وراحة البال !

 

منهجنا الإيماني الرائع يدعونا لشىء آخر ، وصفة مغايرة ، نتخلى فيها عن الفزع والقلق ، والخوف من تقلبات أحوال الحياة .

 

إنه يدعونا إلى السكينة والطمأنينة ، وهما نعمتان ينعم بهما الله سبحانه على أحبائه الذين آمنوا.

 

فأما الطمأنينة: فهي سكون القلب المؤمن وهدوؤه ، قال الله سبحانه: " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب "

 

والطمأنينة إذا سكنت في القلب فاضت على نفس المؤمن الصالح وعمتها جميعها، فأدبتها وهذبتها ورققتها، فصارت نفسه نفسًا مطمئنة.

 

وأما السكينة: فهي ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه، وهي نعمة ينعم الله بها على عباده عند الخوف والمصائب والبلايا ، ورداء ينزل فيثبِّت القلوب المترددة ، ويهدِّئ الانفعالات المتوترة ،

 

قال الله تعالى: " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها.."

 

وقال تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها .."

 

وقال الإمام ابن القيم: "وكان شيخ الإسلام إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وقد جربت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكون القلب وطمانينته" المدارج

 

وقد تجتمع السكينة والطمأنينة في قلب المؤمن الصالح، فيالها من ساعة تمر على المؤمن، فلا خوف ولا قلق ولا انزعاج ولا ضجر، ولكن برد وسلام وإن تزلزت الدنيا بأهلها وتهدمت القصور بأصحابها..

 

 فهو ساكن مطمئن مع ربه جل جلاله، لا يخاف قلبه بل لا تهتز شعرة منه ، وكيف لا وهو مطمئن بربه سبحانه معتمد عليه ساكن إليه، فإذا تعرض للابتلاء والاختبار وهو ساكن مطمئن، مر عليه بلاؤه وثبت فيه واستشعر حلاوة الطاعة فيه ورآه نعمة من ربه.

 

فعلينا رفع الأكف إلى الله سبحانه ندعوه ونرجوه أن ينعم علينا بنعمة السكينة والطمأنينة، وأن يُقر أعيننا بهما، ويثبت قلوبنا بهما، وأن يجعلهما لنا دافعًا على العمل لدينه ليل نهار.