أحزان الحظيرة في عزاء الإعلامي المستعار
11 ربيع الثاني 1438
منذر الأسعد

نام الإعلامي "الكبير" في أحسن حال وأرغد عيش وأجمل أحلام؛ لكنه فوجئ في الصباح بطرده من منبر الردح الرديء الذي تربع على عرشه، يشتم من شاء الحاكم بأمره أن يشتمه، وبوقف الملايين التي "يهبشها" كل شهر، في بلد لا يتجاوز معدل الرواتب فيه 1000 "لحلوح" لا تكفي ثمناً لطعام بائس يتلخص في رغيف عيش وطبق عدس كل يوم!

 

هاج الزملاء وماجوا، وندبوا ولطموا الخدود وشَقُّوا الجيوب، حزناً على حرية الرأي التي اغتيلت بطرد أبي الحمالات ملك البذاءة وسلطان الشتم ومقاول الطعن في مقدسات الأمة.. بعضهم-كما يؤكد العالمون ببواطن الأمور- يمقتونه ويحسدونه، لأنه كان أقربهم إلى أهل السلطة وما حولهم.. لكن المشاركة الوجدانية من ضروريات الشغل!! بعضهم الآخرين صادق في حزنه ولكن ليس على الثور المطاح وإنما استشعاراً منه، بالخوف من أن يلحق به في أول عاصفة غضب تنتاب فرعون أو أحد كبار الكهنة.. وكأنهم –مع مراعاة الفرق الشاسع – مثل ذاك الزاهد الذي حضرته الوفاة فجلس أهله يبكون حوله فقال لهم أجلسوني، فأجلسوه فأقبل عليهم وقال لأبيه: يا أبت ما الذي أبكاك؟ قال: يا بني ذكرت فقدك وانفرادي بعدك... فالتفت إلى أمه، وقال: يا أماه ما الذي أبكاك؟ قالت: لتجرعي مرارة ثكلك... فالتفت إلى الزوجة، وقال: ما الذي أبكاك؟ قالت: لفقد برك وحاجتي لغيرك...

فالتفت إلى أولاده، وقال: ما الذي أبكاكم؟ قالوا: لذل اليتم والهوان من بعدك... عند ذلك نظر إليهم وبكى! فقالوا له: ما يبكيك أنت؟ قال: أبكي لأني رأيت كلا منكم يبكى لنفسه وليس لي!

 

فأما حرية الرأي التي يبكيها أهل العزاء على الثور الضحية، فهم دفنوها بمشاركته معهم، وكلهم أهالوا عليها التراب، ثم صبوا فوق التراب خلطة إسمنتية ممزوجة بمانع للتسرب، ثم جلبوا رخاماً سميكاً فثبتوه فوق الإسمنت، لئلا يتركوا للفقيدة أدنى احتمال بالتنفس، فضلاً عن إمكان النهوض ومغادرة مرقدها!

 

ليس هذا أول ثور يُقصى من الحظيرة وإن أكبر الثيران حتى الآن.. ولذلك كان التخلص منه هو الدرس الأقسى لسائر ساكنيها: أرأيتم ما فعلناه بكبيركم الذي علَّمكم السِّحْر والانتقال من حضن راعٍ إلى حضن آخر؟ أرأيتم كيف جعلناه يغلق فمه حتى عند طبيب الأسنان؟ أرأيتم كيف خرج من "جنتنا" مخذولاً مقهوراً، وكتب يواري سوءة نهايته، بأنه سيتفرغ لمؤلفاته! (ضحكة كبيرة تفتح عليها الكاميرة بزوم واسع بلقطة خاطفة ثم عودة إلى المقبرة، يصاحبها صوت محمد رفعت يتلو: يا أيتها النفس المطمئنة...)!

 

قال أقلهم حماقةً: أنا وعيت العظة وكتابي جاهز، يصحبني في مكتبي ومنزلي وتنقلاتي.. فالذي لا يحسب لا يَسْلَم!
قيل فما السبب الذي اختلقتَه لتبرير طردك قال: أريد العودة إلى أولادي!

 

وقال قائل منهم: كم نلبث بعد كبيرنا المغدور به؟ قال آخر: علم ذلك عند ربي.. لكل منا موعد للمغادرة يأتينا بغتة فلا نملك أمامه إلا الاستسلام حتى الخوار الغاضب ممنوع، لئلا ننتقل من محنة الطرد وقطع العلف، إلى قطع الرقبة.. عندها سنقضي غير مأسوف علينا، فالناس يعتبرون لحومنا نجسة.. والأدهى أن صاحب الساطور سيعلن أننا انتحرنا بلعابنا! وصدق من قال: "قضا أهون من قضا"!

(ستارة)!