ثورة الشام التي قتلت شعارات وقيم أميركا الحقوقية والديمقراطية؟!
11 ربيع الثاني 1438
دـ أحمد موفق زيدان

إن كانت حرب فيتنام قد قتلت الثقة بين الشعب الأميركي وجيشه، وقتلت معه الثقة بين الشعب ورئيسه وإدارته، كما يُقال، وهو ما تسبب لاحقاً  في أزمة وعجز ثقة بين الطرفين، وولّدت ما عُرف بمتلازمة فيتنام طاردت أميركا وإدارتها لعقود ولا تزال، فإن الثورة السورية والحرب في الشام ستُسجل على أنها الحرب التي قتلت كل الشعارات والمبادئ الأخلاقية التي قامت عليها أميركا منذ عهد ويلسون وحتى الآن..

 

 

الشعارات التي أعلنت أميركا العداء اللفظي على ما يبدو للصين وروسيا أيام الشيوعية وحتى الآن، وكانت تضع حقوق الانسان والديمقراطية على سُلّم أولوياتها خلال أي تطبيع في العلاقة بين الطرفين، وكذلك في أي انفراج بينهما، وكانت تقاريرها الدولية تنضح وتطفح بكل انتهاك حقوقي ولو كان لحيوان من أجل تسجيل نقاط ضد هذا النظام أو ذاك، لكن كل هذا تم ابتلاعه وتم مسحه وتم نسيانه مع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، وربما جرائم يمكن توزيعها على الإنسانية لعقود ماضية وعقود قادمة، شهد فيها البشر استخدام كل أنواع الجرائم والأسلحة الفتاكة ضد الشعب السوري، مدعوماً بقوى الاحتلال الخارجي والحثالات المليشياوية الطائفية من كل أصقاع الأرض وسط صمت وتواطؤ أميركي غير مسبوق..

 

 

أميركا وآلتها الإعلامية الضخمة التي وقفت مع التغيير في روسيا فكانت إلى صف يلتسين بمواجهة الانقلابيين، ودعمت بيروسترويكا غوبارتشوف هي نفسها أميركا التي وقفت إلى جانب المتظاهرين بقوة في ساحة تيانمين الصينية، ولكنها هي نفسها أميركا التي سحقت الربيع الإيراني عام 2009 ووقف أوباما إلى جانب الملالي لسحق الربيع الإيراني، ومن هنا وضع مداميك وقوفها إلى جانب الاستبداد والوحشية والتي تجلت في دول الربيع العربي ..

 

 

مسحت الإدارات الأميركية كل خطوطها الحمراء خلال ست سنوات من عمر الثورة السورية، وحرمت الشعب السوري من أبسط حقوقه في حماية نفسها من آلة البطش الرهيبة التي تراوحت بين البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والبيولوجية والصواريخ البالستية والطيران وتفخيخ البيوت والتجويع والحصار والتشريد والتعذيب الممنهج وتفريغ الأرض من سكانها، وتغيير الديمغرافيا، وغيره من أساليب حقيرة كانت كلها تسجل بالصوت والصورة، ولكن النعامة الأميركية أصرّت على تجاهل ذلك كله، ومطالبة كل من يريد مساندة الشعب السوري، التهديد بمعاقبته إن هو فكر بدعمه وتسليحه بأسلحة نوعية تقيه طائرات الطائفيين والمحتلين الغزاة..

 

 

هنا في الشام داست أميركا على كل القيم والشعارات التي رفعتها لعقود، ولا أعتقد أن بمقدور أميركا أن ترفع شعاراً من هذه الشعارات بعد اليوم، ولذا فإن الشرعية التي قامت على أساسها أميركا منذ اليوم الأول وهي الحقوق الفردية وحقوق الانسان والديمقراطية والشعارات التي تبين زيفها وبطلانها  غير قادرة اليوم أن تكون شعارات، وقيم أميركية، فلا المواطن الأميركي سيشتري هذا كله، ولا المواطن العالمي سيقتنع بعد هذا كله بهذه الشعارات الزائفة، وهو يرى اصطفافها مع الاستبداد، ضد طموحات تحقيق الشعوب بالحرية والعدالة والديمقراطية القيم التي هي محرمة على الشعوب ولكنها فقط للرجل الأبيض الأميركي..

 

 

الأغرب من ذلك كله أن تنقلب أميركا على كل شعاراتها الزائفة بالحوكمة الرشيدة وبالوقوف مع الديمقراطية وحقوق الانسان، فنراها تمهد الطريق لكل حثالات الأرض وشذاذ أفاقها، وتمهد الطريق لمن صنفتهم على مدى عقود بالملالي، تمهد لهم الطريق سهلاً ممهداً بطائراتها وبصمتها وبتواطئها إن كان في المحافل الدولية أو على الأرض في العراق وأفغانستان والشام، وتهدد وتتوعد أي شاب يهب وينفر للشام وغيرها ما دام سنياً، بينما تُسكت كل من يطالب المليشيات الطائفية المجرمة بمغادرة الشام والعراق..

 

 

سيذكر التاريخ تماماً أن الشام هي من دفنت كل هذه الشعارات، وحين تتخلى أمة أو دولة عن شعاراتها، فاعلم أن نهايتها قريبة، فانهيار الأمم والدول لا يكون مادياً فقط، وإنما يسبق الانهيار المادي الجسدي انهيار أخلاقي، والانهيار الأخلاقي قد وقع لأميركا بعد أن داست على كل قيمها وشعاراتها في الشام والعراق واليمن..