الحب الغائب
16 جمادى الأول 1438
د. خالد رُوشه

الحب الخالص معنى لا تدركه النفوس الشوهاء ، إنها لا تفكر إلا في ذاتها ومصلحتها ومنافعها الخاصة ، ومعاني المحبة عندها تعني كم المنافع المحصلة من المعرفة او العلاقة .. !

 

 

وفي ايام اغترب فيها الحب الخالص في الله ، نحتاج للذكير بمعانيه وفضائله ، فهو كالماء البارد للعطشان الملهوف  ..!

 

 

 

قال تعالى : " و ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ الله ألّف بينهم " ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : هم المتحابون في الله  ..

 

 

بل إن هناك فضيلة عظمى للمحبة في الله ، فعن معاذ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "قال الله تبارك و تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، و المتجالسين فيّ و المتزاورين فيّ ، و المتباذلين فيّ " أخرجه في الموطأ

 

 

بل إن في الأمر لتفصيلا أكثر وترغيبا أشد ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال :" ما من رجلين تحابا في الله إلا كان أحبّهما إلى الله أشدّهما حبا لصاحبه " الطبراني

 

 

إنهم ليعرفون يوم المشهد الأعظم ، بصفة الحب النقي الخالص ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ( رواه مسلم) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" فقوله : أين المتحابون بجلال الله ؟ تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله و تعظيمه مع التحاب فيه ، و بذلك يكونون حافظين لحدوده، دون الذين لا يحفظون حدوده لضعف الإيمان في قلوبهم "

 

 

و عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " سبعة يظلهم الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظله : ....، و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرّقا عليه …" متفق عليه

 

 

 إن طعما للإيمان لايعرفه المنافقون ولا المتلونون ، ويعرفه الصادقون المخلصون ، فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما ، و أن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله ، و أن يكره أ يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار " (متفق عليه)

 

 

قال شيخ الإسلام :" أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أنّ هذه الثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، لأنّ وجد الحلاوة بالشيء يتبع المحبة له ، فمن أحبّ شيئا أو اشتهاه ، إذا حصل له مراده،فإنه يجد الحلاوة و اللذة و السرور بذلك و اللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى … فحلاوة الإيمان ، تتبع كمال محبة العبد لله ، و ذلك بثلاثة أمور : تكميل هذه المحبة ، و تفريعها ، و دفع ضدها ، "فتكميلها" أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما ، فإن محبة الله و رسوله لا يكتفى فيها بأصل الحبّ ، بل لا بدّ أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما ، و " تفريعها" أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، و "دفع ضدها " أن يكره ضدّ الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار "

 

 

 

و في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا شهداء يغبطهم الشهداء و النبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ، و مجلسهم منه " ، فجثا أعرابي على ركبتيه فقال : يا رسول الله صفهم لنا و جلِّهم لنا ؟قال:" قوم من أقناء الناس من نزّاع القبائل ، تصادقوا في الله و تحابّوا فيه ، يضع الله عزّ و جلّ لهم يوم القيامة منابر من نور ، يخاف الناس و لا يخافون ، هم أولياء الله عزّ و جلّ الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون "  أخرجه الحاكم و صححه الذهبي

 

 

بل إنها لمنقبة للمحب الصاق المخلص ، حتى مع ضعف مرتبته ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ،كيف تقول في رجل أحبّ قوما ولم يلحق بهم ؟ قال : "المرء مع من أحبّ" متفق عليه

 

 

إنه ليصعب على القلوب السوداء محبة الآخرين وتمنى الخير لهم , لكن ديننا علمنا إياه , ورغبنا فيه , وعلمنا أن قلب المؤمن يسع حب كل أهل الإيمان , مهما فعلوا من أفاعيل ضده أو مهما كان بينهم من خلافات

 

 

فالقلب الابيض قلب محب , متواد , رؤوم عطوف , كريم يألف ويؤلف , ولاخير فيمن لايألف ولايؤلف ..

 

 

فالمؤمنون أخوة في دين الله " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم " , فأخوتهم تلك توجب عليهم التحاب كما توجب عليهم نبذ الخلافات , وطرح الحواجز التي بينهم , وإبعاد المشكلات التي تعصف بهم إلى رحاب واسع من الحب في الله

 

 

 

كذلك فهم كالجسد الواحد كما قال صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين لفي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد " , فهم قد نشا بينهم التواد والمودة , والعطف والتعاطف , والرحمة التي قد نبتت فيما بينهم ..

 

 

 

وقد ضرب لنا الإسلام أمثلة عجيبة عن أناس لايحملون في قلوبهم إلا المحبة والخير للناس حتى إنه صلى الله عليه وسلم قد أخبرهم برجل يدخل عليهم هو من أهل الجنة فإذا برجل يدخل المسجد تقطر لحيته من ماء الوضوء فتبعوه فعلموا أن أهم صفاته أنه لا يحمل السوء لأحد بل يحمل الخير والمحبة

 

 

وحب الآخرين يشمل حب طاعاتهم وحب الإيمان الذي في قلوبهم وحب صفاتهم القلبية الكريمة , فيحب الرجل بقدر قربه لربه وبقدر طاعته له  .

 

 

تلكم المحبة شرط لها الإسلام شروطا لا تتم إلا بها , فأولها أن تكون لله سبحانه خالصة , قال الحافظ ابن رجب : والحب في الله من أصول الإيمان وأعلى درجاته ،  وفي "المسند" عن معاذ بن أنس الجهني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن أفضل الإيمان، فقال: ) أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله (، وفيه - أيضا - عن عمرو بن الجموح، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ) لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله تعالى ويبغض لله، فإذا أحب لله، وأبغض لله فقد استحق الولاء من الله (، وفيه: عن البراء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: )أوثق عرى الإيمان: أن تحب في الله وتبغض في الله (. وخرج الإمام أحمد، وأبو داود عن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ) أفضل الأعمال: الحب في الله والبغض في الله (. ومن حديث أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: )من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان )

 

 

كذلك ينبغي أن تكون قائمة على التواصي والتناصح قال سبحانه " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "

 

 

وليهنأ الأخلاء المتحابون في الله يوم لاينفع مال ولا بنون بخلتهم وبصحبتهم , إذ قال سبحانه :" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "