لم تقبل به فكيف تتخلى عنه؟!
19 جمادى الأول 1438
د. زياد الشامي

هذا هو التعليق المختصر الأنسب على الخبر الذي انتشر اليوم على وسائل الإعلام من أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد "ترامب" قد تخلت عن شعار "حل الدولتين" الذي رفعته طوال العقود الماضية كثابت من ثوابتها التاريخية تجاه طريقة حل القضية الفلسطينية وما يسمى "الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني المحتل"

 

 

 

فقد أعلن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أمس الثلاثاء، أن واشنطن لم تعد متمسكة بحل الدولتين كأساس للتوصل إلى اتفاق سلام بين "إسرائيل" والفلسطينيين , وقال المسؤول الكبير في البيت البيض : إن الإدارة الأمريكية لن تسعى بعد اليوم إلى إملاء شروط أي اتفاق لحل ما سماه "النزاع بين "إسرائيل" والفلسطينيين" ، بل إنها ستدعم أي اتفاق يتوصل إليه الطرفان، أيا يكن هذا الاتفاق.

 

 

 

وأضاف أن "حلا على أساس دولتين لا يجلب السلام ليس هدفا يريد أي أحد تحقيقه"، وأن "السلام هو الهدف، سواء أتى عن طريق حل الدولتين إذا كان هذا ما يريده الطرفان أم عن طريق حل آخر إذا كان هذا ما يريده الطرفان أيضا".

 

 

 

يأتي هذا الموقف قبيل زيارة رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب , ذلك اللقاء الذي كان سيطلب فيه نتنياهو من ترامب التخلي عن حل الدولتين بدعوى أنه لا جدوى من ذلك حسبما كشفت القناة الصهيونية الثانية , ليبادر ترامب لتلبية طلب نتنياهو قبل أن يطلبه !!

 

 

 

يستطيع كل مطلع على تاريخ ما يسمى "مسيرة السلام" بين الفلسطينيين والصهاينة وأكذوبة "حل الدولتين" - التي تعني إقامة دولة فلسطين إلى جانب ما يسمى "دولة إسرائيل" في الأراضي المحتلة – أن يدرك أنها لم تكن سوى وهم حاول أعداء القدس والأقصى أن يوهموا به العرب والمسلمين , وسراب كاذب أراد من خلاله الأمريكان تثبيت أقدام اليهود في فلسطين المحتلة .

 

 

 

لقد تم إقرار هذا الحل المزعوم في مجلس الأمن بعد حرب 1967م واستكمال الصهاينة احتلال باقي أراضي فلسطين التاريخية , و رفعت الولايات المتحدة الأمريكة ورؤسائها المتعاقبين هذا الشعار بالتنسيق مع رؤساء الكيان الصهيوني لخداع الفلسطينيين والعرب والمسلمين منذ ذلك الحين , ليخرج علينا ترامب أخيرا ليعلن على الملأ نهاية هذه المسرحية السخيفة .

 

 

 

إن إطلاق وصف تخلي واشنطن عن خيار حل الدولتين كما جاء في وسائل الإعلام فيه الكثير من المغالطة ولا يمت إلى الحقيقة والواقع بشيء , فواشنطن لم تتبنى هذا الخيار أصلا , ولم تؤيد يوما هذا الحل المزعوم , بل مارست التضليل والكذب والنفاق طوال تلك السنوات , وكانت على طول الخط ضد حقوق الفلسطينيين , ومع كل ما تقوم به "إسرائيل" من إجراءات استيطانية وتوسعية .

 

 

 

وإذا كان الاحتلال الصهيوني قد امتنع عن تنفيذ بنود تعهد بها في اتفاق اوسلو الموقع منذ عقدين ونصف تقريبا ,والمتمثل بتنفذ انسحابات من الضفة الغربية على مراحل عدة , بل دأبت منذ ذلك الحين - وما زالت - للسيطرة الكاملة على المنطقتين «ب» و«ج» في الضفة , ويغزو جيشها المنطقة «أ» في كل ليلة ويعتقل فلسطينيين .....فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أنه يمكن أن يقبل بقيام دولة فلسطينية بجواره ؟!!

 

 

 

إن كل ما فعلته حامية الكيان الصهيوني وراعية إنشائه والمتكفلة بدعمه في عهد ترامب , أن كشفت عن موقفها الحقيقي تجاه القضية الفلسطينية , ولم تستخدم الأقنعة والوجوه المستعارة .

 

 

 

وبمجرد خلع العم سام لتلك الأقنعة بادر ساسة الصهاينة للتخلي عن مجرد التظاهر بقبول الخيار السلمي , فها هو رئيس الاحتلال "ريؤفن ريبلين" يدعو - بعيد تصريح مسؤول أميركي بأن واشنطن لم تعد متمسكة بحل الدولتين - إلى ضم الضفة الغربية لكيانه البائد ، وذلك قبيل اللقاء المرتقب اليوم في واشنطن بين نتنياهو و ترمب .

 

 

 

وتأتي هذه الدعوة على خلفية الحملة التي أطلقها زعيم البيت اليهودي "نفتالي بينيت" بهدف ضم مستوطنة معاليه أدوميم إلى القدس كبداية لضم المناطق الموصوفة "جيم" والممتدة على أكثر من 60% من الضفة الغربية .

 

 

 

وإذا استرجعنا مواقف سابقة أطلقها "ريؤفن ريبلين" قبل عام فقط قال فيها : إن اتفاقات أوسلو أصبحت واقعا على الأرض, وإن الحل المستقبلي قد يكون كونفدرالية فلسطينية إسرائيلية بحدود مفتوحة , وقارنها بما يصرح به اليوم ......ندرك جيدا حجم الكذب والدجل الذي يمارسه الصهاينة والعم سام , ونعي حقيقة موقف كل منهما مما يسمى "حل الدولتين" والحل السلمي المزعوم .

 

 

 

لا يمكن غض الطرف عن تزامن تصريحات المسؤول الأمريكي بخصوص عدم التمسك بخيار "حل الدولتين" حسب وصفه , ودعوة رئيس الاحتلال الصهيوني ضم الضفة الغربية لكيانه عما كشفه وزير التعاون الإقليمي "الإسرائيلي" الدرزي "أيوب قرا" عن أن نتنياهو و ترامب سيتبنيان في اجتماعهما في واشنطن اليوم الأربعاء خطة رئيس النظام في مصر عبد الفتاح السيسي إقامة دولة فلسطينية في سيناء وقطاع غزة , وذلك عبر تغريدة له على "تويتر" قال فيها : "إن تبني الخطة التي اقترحها السيسي سيعفي "إسرائيل" من الموافقة على إقامة دولة فلسطينية بالضفة الغربية وبالتالي إعفاءها من الانسحاب من هناك" .

 

 

 

الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة علق في تغريدة له على تويتر على الخبر الأخير قائلا : "هذا لا يعني أن المشروع المشار إليه - بشأن دولة فلسطينية في سيناء - سيمر. تلك قصة معقدة، والخطط شيء والتنفيذ شيء آخر. أحلام الصهاينة كثيرة .

 

 

وفي تغريدة أخرى وصف موقف انحياز الإدارة الأمريكية الجديدة للكيان الصهيوني بغير المسبوق قائلا : "هذه إدارة لم يسبق لها مثيل في انحيازها للصهاينة. وحين يصل الأمر حد ترك حل الدولتين الذي تبنته "إسرائيل" ذاتها طويلا، فلنا أن نتخيل.

 

 

ثم توجه بالكلام للعرب وقيادة فتح قائلا : السؤال الآن، ما هو موقف العرب، والأهم ما هو موقف عباس؟ سؤال محزن. يا شباب فتح: قولوا كلمة ضد هذا المسار، وقدموا فلسطين على القبلية الحزبية.

 

 

وختم تغريداته بالقول : سنسمع رفضا من الأوروبيين لموقف الإدارة الأمريكية الجديد، لكن العرب الطامعين بحب ترامب ورضاه سيصمتون، وقد يعتب بعضهم عتاب المحب!!

 

 

لن تكون هذه آخر آثار وصول ترامب إلى ما يسمى البيت الأبيض الأمريكي , فما خفي من تلك المواقف المعادية للإسلام والمسلمين وقضاياها الكثيرة أعظم .