يحيا الإسلام ويسقط "الاعتدال"!
26 جمادى الأول 1438
منذر الأسعد

أنا مسلم أرفض الاعتدال!! وألتزم الإسلام كما بلَّغه خاتم الأنبياء والمرسلين لصحابته الكرام الذين نقلوه بأمانة إلى من بعدهم.. يومئذٍ لم يكن للمسلم صفة تضاف إلى هويته البتة.. فأنا مسلم وكفى!

 

لله الحمد،لستُ مصاباً بعته الشيخوخة (Alzheimer) وإنما أتمتع –من فضل الله- بقواي العقلية،وأدرك تبعات اعترافي هذا. بل إنني أدعو من يقتنعون بوجهة نظري إلى جعلها قضية عالمية،لأنها تتعلق بمصيرنا،وتتصل بمسؤوليتنا أمام ربنا سبحانه، ثم أمام أجيالنا اللاحقة!

 

لِنَدَعْ تعريف الاعتدال الآن،ونسأل: لماذا يُطلَبُ من المسلمين وحدهم إضافة صفة الاعتدال إلى هويتهم،من دون سائر أتباع الـمِلَل والنحل،بما فيها مجهولة المنشأ وتلك المقطوع بأنها وضعية بشرية بإقرار أهلها وسدنتها؟

 

أليس الإصرار على صفة المعتدل على فئة محدودة منا تعني تلقائياً أن جموع المسلمين الآخرين متطرفون،لتغدو الصورة النمطية أن 90% من المسلمين على الأقل دواعش؟

 

وهي تعني في الوقت نفسه أنه ليس لدى غير المسلمين أي تطرف! بما في ذلك الحاخامات الذين يفتون جنود الاحتلال بقتل الأطفال العرب واغتصاب النساء.. وكذلك الجماعات النصرانية المتشددة كجيش الرب والكوكلكس كلان وبيغيدا والإرهابي الذي قتل المسلمين في كيبيك الكندية في أثناء صلاتهم! وكذلك المهووس الذي ألقى محجبة من القطار..  والقسس الذين يحرقون المصحف في حفلات علنية وقحة..حتى عسكر ميانمار الذين يشنون حرب إبادة على الأقلية المسلمة، يجري التطبيع معهم،وتُمْنَحُ رئيسة وزرائهم المجرمة جائزة نوبل للسلام!! ولا داعي للحديث عن فلسطين المحتلة ولا حماية هولاكو العصر بشار ولا توفير غطاء جوي أمريكي لوحشية جحش "الحشد المجوسي في العراق"!!

 

 إن هذا التعنت المتعمد، يماثل عندي طرفة لطالما دعتني ظروف مشابهة إلى روايتها..

 

يحكى أن شخصاً جمعته رحلة في قطار بمسافر آخر في مقصورة واحدة،كان يحمل في يده كيساً من الموز،يتناول إحدى حبات الموز وبعد تقشيرها يرش عليها كمية غير قليلة من الملح،ثم يلقيها في سلة النفايات..

 

نفد صبر شريكه في الرحلة،فاضطر أن يستفسره عن سلوكه غير المنطقي،فأجاب –ب كل برود- : الأمر أبسط مما تظن،فأنا لا أحب الموز الـمُمَلَّح!!
فالقوم يضيفون إلى ديننا ما يلائم أوهامهم أو أهواءهم وأطماعهم،ثم يقولون لنا: إسلامكم متطرف ولن نقبل به إلا إذا اصبح معتدلاً.. ثم يحيلوننا على مراكز البحث المؤدلجة عندهم لتحدد لنا الإسلام المقبول لديهم!!

 

حتى إن غلاة العنصريين الفرنسيين –يسمون أنفسهم:يمينيين فحسب- صارحونا بأنهم لن يقبلوا بالإسلام في فرنسا وإنما سينشئون إسلاماً فرنسياً!!

 

أمريكية علَّقت الجرس
منذ زمن بعيد كنت أخطط لهذا المقال،ثم أتراجع وأؤجله.. إلى أن قرأتُ مقالاً جريئاً،كتبتْه فتاة أمريكية مسلمة،وترجمه موقع ساسة بوست قبل أيام.
فقد  كتبت «شيرين يونس» افتتاحية جريدة «ذا هارفارد كريمسون»، جريدة تصدرها الجامعة يوميًا عدا العطلات الأسبوعية. تبلغ «شيرين» من العمر 20 عامًا، وتعمل محررةً بالجريدة. تقول:أعلم أن تجاربي الشخصية مختلفة. فأنا أغطي شعري بالحجاب، وكتابي المقدس يُقرأ من اليمين إلى اليسار، وأذهب إلى المسجد وليس إلى الكنيسة. لكنني أعلم أيضًا أن أيًّا من تلك الأشياء لا يمت للتطرف بصلةٍ....

 

ففي عالم ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، صارت اللغة التي أتعلَّمها بجانب اللغة الإنجليزية هي لغة الإرهاب، كما صار حجابي مجرد رمزٍ آخر لاختلافي، وأمسى المسجد حيث كوَّنت صداقات ولعبت على الأرجوحة علامات على انتهاك المسلمين غير المرغوب فيه للمجتمع الأمريكي. حينها أيضًا أدركت أن كوني مجرد مسلمة ليس بكافٍ، إنما كان عليّ أن أصنف نفسي بأنني «مسلمة معتدلة»...

 

 

حتى معرفتي بالإسلام تأثرت بمحاولاتي أن أكون معتدلة، وبدلًا من تَبَنّي فضولي الطبيعي للتعرف على ديني، تعلمت كيف أتخذ موقفًا دفاعيًا. أستطيع اليوم أن ألقي خطابات عن حقوق المرأة في التاريخ الإسلامي، وفي معنى كلمة الجهاد. أستطيع أن أشرح كيف يقدر الإسلام الاعتدال في العبادات الدينية. أستطيع أن أخبركم أن القرآن لم ينص إطلاقًا على حد الرجم، وأن أول جامعة في العالم أسستها امرأة مسلمة، وأن كلمة «كافر» لا يوجد لها أصل في الأثر الإسلامي!!

 

إلا أنه أثناء محاولاتي البائسة كي أكون معتدلة، تعلمت أن المسلم المعتدل أكثر من مجرد «مسلم ليس إرهابيًّا»؛ فالمسلم المعتدل هو أكثر «علمانية»، أي أقل إظهارًا للدين، يجب على المسلم المعتدل أن يبدي وطنية عمياء وامتنانًا للولايات المتحدة الأمريكية، برغم السياسات الداخلية والخارجية لكلا الحزبين التي تضر المسلمين في جميع أنحاء العالم كل يوم. يجب على المسلم المعتدل أن يؤقلم نفسه باستمرار كي يتسق مع الصورة النمطية «للمسلم الليبرالي العلماني»، والتي تفتقر إلى أدنى مقومات الاختلاف عن الصورة النمطية «للمسلم الإرهابي الخطير». تعلمت أن المسلم المعتدل لا تسمح له أمريكا أو وسائل الإعلام سوى بمساحة محدودة...

 

إنه أمر مرهق ومثبط، وقد اكتفيت منه؛ لا أعتقد أن مسؤوليتي الفردية هي أن أؤكد باستمرار على إنسانيتي، لا أعتقد أنه يقع على عاتقي مسؤولية التأكيد باستمرار على إنسانية مليارات المسلمين في جميع أنحاء العالم.

 

 

الإسلام هو العدو
منذ نحو ثلاثين سنة  تحدث الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عن اعتبار الإسلام عدواً للغرب منذ كتابه الشهير نصر بلا حرب (كتبه نيكسون عام 1988، وترجمه للعربية وقدم له رئيس الأركان المصري الأسبق محمد عبد الحليم أبو غزالة) وسماه : المارد الأخضر!! ولنلاحظ أنه قرر ذلك قبل زوال المارد الأحمر (المنظومة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفياتي)!!

 

وما إن سقط حلف وارسو الشيوعي 1991م حتى أعلن أمين عام حلف شمال الأطلسي ويلي كلايس  Willy Claes عن حلول الإسلام محل الشيوعية عدواً للغرب (شرقيه وغربيه) وبدأت تسمية الإسلام (العدو الأخضر) ..

 

اليوم لم نعد في حاجة إلى استنباط البغضاء الشاملة للإسلام من وسائل إعلامهم ولا من مؤلفات مفكريهم ولا شعارات ساستهم في مواسم اصطياد أصوات الناخبين..ولا إلى تسقط كلمات يبوح مسؤول غادر موقعه..

 

فها هو   المسؤول الاستراتيجي في البيت الأبيض ومحرر "بريتبارت نيوز"، الموقع اليميني المتطرف "ستيف بانون" يطلقها صريحة مدوية: " الإسلام قوة لا يمكن صد تأثيرها إلا عبر القوة العسكرية". لم يقل: المسلمون المتطرفون ..بل إنه لم يقل: المسلمون وإنما قالها بوقاحة "أشكره"عليها: الإسلام!!
جاء ذلك في مقال للكاتب الصحافي الدنماركي "فليمنغ روز" نشره موقع "هافنغتون بوست".

 

وأشار روز إلى أن "بانون هو أول مستشار سياسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعين بمقعد دائم في مجلس الأمن القومي، وهو ما لم يحدث أبدًا في التاريخ الأمريكي من قبل، وكان بانون من الذين دفعوا باتجاه القرار التنفيذي لحظر رعايا 7 دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة، بالإضافة إلى اللاجئين من سوريا، ووصف بانون في افتتاحية كتبتها صحيفة (نيويورك تايمز) بأنه (الرئيس الفعلي) للولايات المتحدة، ووضعت مجلة (تايم) صورته على غلاف عدد من أعدادها تحت عنوان (المتلاعب العظيم)".

 

 

ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21": أن "بانون كان يعتقد أن إنقاذ أوروبا يعني النزاع المسلح، فقوة الإسلام لا يمكن وقفها بالطرق السلمية، وبعبارات موجزة، أخبرني بانون أن الغرب في حرب مع الإسلام". ويستدرك روز قائلا: "حاولت التعبير عن موقفي المعارض، نعم نحن نواجه عنف الإسلاميين، وحربا باردة مع الإسلاميين الذين لا يتبنون العنف، والذين يريدون تقويض العلمانية، إلا أننا لسنا في حرب مع الإسلام، حيث خاض الغرب الحرب الباردة على عدة جبهات، التي كانت في الأساس حرب أفكار، حيث أدى الماركسيون من أصحاب التوجه الاجتماعي الديمقراطي دورا مهما في تعريف الديمقراطية ضد الشمولية اللينينية الماركسية للاتحاد السوفييتي السابق، ومن المهم منح المجال ذاته للمسلمين الذين يقفون إلى جانب الديمقراطية والمشاركة في الحرب ضد الإسلاميين، وهذا غير ممكن لو أصررنا على أننا في حرب مع الإسلام".

 

 

واختتم الكاتب مقاله بالقول: "لم يوافق بانون وهز رأسه، وبعد جولة أخرى من النقاش وتبادل الشتائم، نظر إليَّ بانون بطريقة شعرت فيها بالحرج!
فالعقل المسيطر على توجيه إدارة ترامب يرفض دعوات الصحفي الدنماركي المتطرفة حيث تتهم أكثر المسلمين وجميع الإسلاميين وتحض على محاربتهم،يرفضها بانون ويؤكد ضرورة محاربة الإسلام نفسه علانيةً.. بل إنه في ثنايا حديثه مع الصحفي المذكور أبلغه أن ترامب ليس سوى مزحة،وأن الأفعال الكبرى ستأتي لاحقاً!!