أنت هنا

17 جمادى الثانية 1438
المسلم ــ متابعات

صرحت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اليوم الأربعاء بأنه لا يحق للحكومة أن تحدد للنساء ما يلبسنه، وذلك بعد ما قضت أعلى محكمة بالاتحاد الأوروبي بأن الشركات يمكنها حظر ارتداء الحجاب بشروط معينة.

 

واكدت – أمام البرلمان”لدينا تقليد راسخ في هذا البلد الذي يحترم حرية التعبير، وهو حق جميع النساء في اختيار ما يلبسنه، ولا نعتزم سن قوانين فيما يتعلق بذلك”.

 

وأضافت “قد تأتي أوقات يصح فيها طلب رفع الحجاب، مثل أمن الحدود أو ربما في المحاكم، والمؤسسات منفردة يمكنها وضع سياسات خاصة بها، لكن لا يحق للحكومة أن تحدد للنساء ما يلبسنه”.

 

في الوقت نفسه، علقت افتتاحية صحيفة ذي غارديان البريطانية على حكم محكمة العدل الأوروبية الصادر أمس الثلاثاء بتأييد حظر الحجاب في أماكن العمل؛ بأنه يسمح بتفسير قانون الاتحاد الأوروبي بشكل مختلف في سياقات ثقافية متنوعة، لكنه قد يؤدي في بعض البلدان إلى اعتماد قوانين تعتبرها بلدان أخرى غير مريحة وصعبة القبول.

وأشارت الصحيفة إلى أن حق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب والنقاب في أماكن العمل والأماكن العامة لم يشهد مثل هذا التدقيق من قبل، وأنه كان محل نزاع في تلك الدول الأوروبية التي تدافع دساتيرها عن الفصل الصارم بين الدولة والدين، مثل فرنسا التي منعت ارتداء النقاب في الأماكن العامة عام 2011.

 

وأضافت الصحيفة أنه في هذا السياق المشحون أيدت المحكمة الأوروبية أمس حق أرباب العمل في منع الموظفات من ارتداء الحجاب الإسلامي في القضيتين المحالتين من المحاكم البلجيكية والفرنسية. وقد رحب بالحكم بعض أطراف اليمين الأوروبي باعتباره انتصارا، بينما أدانته الجماعات الدينية وجماعات حقوق الإنسان واعتبرته تعديا على الحريات الدينية للأفراد.

 

ورأت أن الأمر سيكون خطيرا جدا إذا مهد حكم المحكمة الطريق أمام أرباب العمل لاعتماد قواعد عامة حول اللباس تستهدف تعسفيا الموظفين من أديان معينة، بينما هي نظريا تطبق على الجميع. وأردفت أنه من السابق لأوانه معرفة إن كان ذلك سيكون هو التأثير فقط.

 

 

من جهتها، انتقدت منظمة العفو الدولية (مستقلة)، قرار محكمة العدل الأوروبية بحظر ارتداء الحجاب في أماكن العمل.

 

وحسب العفو الدولية، فإن القرار من شأنه أن يعطي فسحة أكبر أمام أرباب العمل للتمييز ضد النساء والرجال، على أساس المعتقد الديني.

وحثت المنظمة حكومات الدول للردّ على القرار.

 

وأجازت محكمة العدل الأوروبية (أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي)، في وقت سابق من مساء أمس، للشركات حظر ارتداء الحجاب، وغيره من الرموز الدينية الواضحة على موظفيها، واعتبرت ذلك إلزاما وظيفيا، ومنافيًا للتمييز.

 

وأصدرت المحكمة قرارها ردّا على حالتين، واحدة في فرنسا والأخرى في بلجيكا، لسيدتين مسلمتين قالتا إنهما تعرضتا للتمييز، وتم طردهما من العمل بسبب ارتدائهما الحجاب.

 

ولم تر المحاكم المعنية في الدول المذكورة في ذلك "تمييزا" ضد السيدتين، ما أدى إلى رفع القضية إلى محكمة العدل الأوروبية.

 

في سياق متصل، نشرت صحيفة "الإندبندنت" مقالًا للصحافية المسلمة صوفيا أحمد، تتساءل فيه: هل بدأت أوروبا بتكريس الإسلاموفوبيا في قوانينها؟ مشيرة إلى أن المسلمين لم يعد مرحبًا بهم في أوروبا.

 

وتشير صوفيا في مقالها، إلى قرار المحكمة الأوروبية للعدالة، الذي يسمح لأصحاب الأعمال بمنع الموظفات المسلمات من ارتداء الحجاب مبينة أن القرار سيزيد من تهميش المرأة المسلمة، ويدفعها إلى خارج الحياة العامة.

 

 

وتتحدث الكاتبة إن "الذين احتفلوا بهذا القرار على أنه انتصار لقيم أوروبا العلمانية لم يقرؤوا التاريخ، الذي يخبرنا أن استخدام هذه الحجج عادة لا يثمر جيدًا، وأنه عادة ما استخدمت مبررات، مثل حماية القيم الأوروبية، لتبرير مسارات شريرة".

 

 

وتضيف صوفيا أن فكرة عدم الترحيب بالمسلمين كانت واضحة من خلال قرار قادة المحكمة الأوروبية الأخير، مشيرة إلى أن التوجه نحو تكريس قوانين معادية للمسلمين يسير باتجاه حثيث، بعد منع فرنسا النقاب عام 2010، التي ستتبعها دول مثل ألمانيا.

 

 

وترى الكاتبة أن "الداعين إلى هذه السياسات يقولون للرأي العام وبطريقة مخادعة إن قرارات كهذه تسهم في تحرير المرأة المسلمة، لكن ما تمثله هذه القوانين هو شكل من أشكال التمييز العنصري والهندسة الاجتماعية، التي تهدف إلى إجبار المرأة المسلمة على تبني هوية علمانية".

وتعلق صوفيا قائلة إن "هذه السياسات التمييزية والمعادية للأجانب تتناقض مع الاعتقاد الذي يقدم أوروبا على أنها واحة للديمقراطية في عالم بربري غير متسامح، ومن هنا فإن هذا النفاق مثير للحنق، حيث يضع قادة الدول الغربية أنفسهم مضادًا للمجتمعات المسلمة الكارهة للمرأة ويسود فيها الاضطهاد، ومع ذلك لا يتورعون عن تطبيق إسلاموفوبيا قائمة على التمييز بين الجنسين في بلدانهم".

 

 

وتذهب الكاتبة إلى أنهم "ينكرون عن قصد أثر هذه التشريعات على النساء المسلمات العاديات، حيث وجدت دراسة أجرتها لجنة المرأة والمساواة أن فرصة المرأة المسلمة للحصول على وظيفة أقل بثلاث مرات من المرأة غير المسلمة، وتحدثت الدراسة عما أسمته (التحيز اللاواعي) في التمييز ضد المرأة التي ترتدي الحجاب أو لمن يحملن أسماء تبدو أنها مسلمة".

وتلفت صوفيا إلى أن تقريرًا مماثلًا للشبكة الأوروبية ضد العنصرية، الذي غطى ثماني دول من فرنسا إلى هولندا، كشف عن وجود هذا التمييز في أماكن العمل، وأثره السلبي على المرأة المسلمة على نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا.

 

 

وتحذر الكاتبة من "أن التهميش الاقتصادي هو بالطبع ليس العقبة الوحيدة التي تواجهها المرأة المسلمة، بسبب قرارات مثل القرار الذي صدر عن المحكمة الأوروبية، بل هناك تداعيات خطيرة أكثر من ذلك بكثير على المرأة العادية في شوارع لندن وباريس، وهناك تقارير صحافية تتحدث عن جر المحجبات في شوارع لندن، فيما تمت مهاجمة وضرب امرأة مسلمة ترتدي الحجاب في فيينا، فما هي الرسالة التي ترسلها هذه الهجمات للناس الذين لا تعجبهم قطعة قماش ويتخذونها ذريعة لضرب المرأة؟".

 

 

وتستدرك صوفيا بأن "قرار القضاة الأوروبيين جاء، وبشكل مثير للقلق، مشابهًا للتشريعات التي أصدرتها ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، قوانين نيورمبيرغ المعادية لليهود، التي استهدفت جماعة اجتماعية معينة، وقيدت حريتها الاقتصادية، حيث منع اليهود من أعمال مثل مهنة القابلة، وتم إلغاء عقود الدولة مع رجال أعمال يهود، وهذا لا يختلف عن إخبار امرأة أنها لا تستطيع العمل في حال قررت إظهار هويتها الدينية".

 

 

وتجد الكاتبة أن منع المحجبات من دخول سوق العمل هو تطور مثير للقلق، ويعبر عن عدوانية أوروبية ضد المواطنين المسلمين.

وتختم الصحافية مقالها بالقول: "دعونا لا ننسَ أن اليهود أصبحوا في أوقات من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية كبش الفداء، وحملوا علل المجتمع كلها، وعلى ما يبدو فإن التاريخ يكرر نفسه، حيث أصبحت النساء المسلمات الضحايا الجدد لأزمات الهوية الأوروبية النابعة من مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية".