ماذا بعد فظائع قوات "حفتر" ببنغازي ؟!
24 جمادى الثانية 1438
د. زياد الشامي

الحدث جلل وخطير وفظيع , والمشاهد القادمة من ليبيا - وتحديدا من بنغازي من منطقة "قنفوذة" - مؤلمة ومفزعة , فما جرى هناك على أيدي قوات "حفتر" يتجاوز حدود الوصف وتقشعر له الأبدان, وما اقترفه أتباعه سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ ليبيا الحديث .

 

 

الجرائم البشعة التي قامت بها قوات حفتر في "قنفوذة" عقب انسحاب مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي من آخر معاقلهم بالمحور الغربي للمدينة تتنافى مع تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء وكل الشرائع السماوية , ناهيك عن تناقضها مع أعراف وتقاليد البلاد وجميع الاتفاقيات والقوانين الدولية .

 

 

نبش القبور والتمثيل بالجثث أبشع جريمة اقترفها مقاتلون تابعون لحفتر منذ أيام , حيث نشر مسلحون تابعون لـ "حفتر" صور سيلفي لهم ، وهم ينبشون قبورا لجثث مدنيين ونساء ومقاتلين من مجلس شورى ثوار بنغازي ، في منطقة قنفودة شمال غرب بنغازي ،  ويمثلون بها .

 

 

أبرز جثة نكل بها هي جثة القيادي البارز بمجلس شورى ثوار بنغازي "جلال مخزوم" حيث وضعت جثته على سيارة يلتف حولها عناصر أمنية تتبع قوات الصاعقة ، وتجولوا بها في طرقات المدينة وسط ابتهاج من مؤيدي ومناصري حفتر ، ليقوموا بعد ذلك بتعليق الجثة أمام معسكر قوات الصاعقة وتعريضها للسب والشتم والبصق عليها .

 

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد , بل تم تداول فيديو على وسائل الإعلام يظهر فيه القائد العسكري بقوات "حفتر" النقيب محمود الورفلي وهو يعدم ثلاثة أشخاص مقيدي الأيدي في أحد الطرق العامة رميا بالرصاص .

 

 

توثيق هذه الجرائم البشعة لم يكن على يد خصوم "حفتر" أو غير الموالين له , بل كان على يد الفاعلين والمنفذين أنفسهم , من خلال التقاط صور سلفي مع الضحايا والمعتدى عليهم .....ما يعني أنهم يقومون بهذه الجرائم عن سبق إصرار وتعمد , غير عابئين بردود الأفعال , وكأنهم مطمئنين بأن أحدا لن يحاسبهم على تلك الجرائم !!

 

 

وإذا كانت العادة في مثل هذه الانتهاكات والجرائم البشعة أن يتنصل من المسؤولية عنها قمة هرم الجهة أوالمؤسسة التي اقترف بعض أفردها الجريمة , بدعوى أنها ممارسات فردية لا تمثل المؤسسة ككل.....فإن الأمر يبدو مختلفا في ليبيا .

 

 

فباستثناء صوت رئيس لجنة النازحين والمهجرين بمجلس النواب بطبرق "جاب الله الشيباني" الذي اعتبر – حسب العادة - أن هذه أفعال "فردية سيجري التحقيق مع المتهمين بها ومحاسبتهم أمام القضاء، وذلك لردع من يحاول أن يكرر مثل هذه الأعمال مستقبلا" .....حاولت الكثير من الأصوات الأخرى الموالية لـ "حفتر" تبرير ما حدث كما فعل الناطق باسم القوات الخاصة العقيد "ميلود الزوي" وغيره .

 

 

ولعل ما يجعل رجحان كفة جناح تبرير مثل هذه الجرائم في صفوف الموالين لـ"حفتر" وعدم تجريمها فضلا عن التفكير في محاسبة مرتكبيها هو عدم ظهور "حفتر" حتى الآن على وسائل الإعلام معتذرا أو حتى متنصلا على الأقل من المسؤولية عن مثل تلك الانتهاكات .

 

 

بل كشفت بعض وسائل إعلام دولة مجاورة لليبيا إجراء رئيس أركان تلك الدولة نقاشا مطولا – حسب وصفه -  مع خليفة حفتر، على مدار يومين لأجل إقناعه بضرورة الاعتذار والتبرؤ من عمليات نبش القبور التي قام بها تابعون له في بنغازي , مشيرا أن الأخير بدأ أخيرا بالتجاوب وفهم عواقب تلك الأمور !!!

 

 

وإذا أضفنا إلى كل ما سبق التعليمات التي أصدرها"حفتر" للمسلحين التابعين له في وقت سابق من خلال تسجيل مرئي ، حيث تضمنت تلك التعليمات " قتل أسرى مجلس شورى ثوار بنغازي، وعدم الإبقاء على حياة الأسرى منهم" ........فإن الجزم بحقيقة موقف "حفتر" والموالين له من أمثال تلك الانتهاكات لا يحتاج فهمه إلى كبير عناء .

 

 

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يرتكب فيها قوات "حفتر" انتهاكات وتجاوزات , فمنذ إطلاق الأخير لعمليته العسكرية منتصف مايو/أيار 2014م ضد الثوار تحت يافطة محاربة التطرف والإرهاب في بنغازي (شرق ليبيا) ، شهدت المدينة لأول مرة بعد ثورة فبراير قتلا على الهوية، وحرقا وهدما للمنازل التابعة لعناصر مجلس شورى ثوار بنغازي، واغتيالات لعدد من الأئمة والشيوخ، إضافة إلى التنكيل والتمثيل بالجثث وحرقها .

 

 

لم يعد هناك شك بعد الفظائع الأخيرة التي ارتكبها أتباع "حفتر" أنهم في الحقيقة أشد إجراما وإرهابا من "داعش" , ورغم ذلك لا يلحظ المتابع صخبا إعلاميا لجريمتهم الأخيرة البشعة كما كان يجري مع كل جريمة يرتكبها "داعش" , كما أن ردود الأفعال الدولية التي كانت على أشدها بعد أي مشهد إجرامي هوليودي يبثه "داعش" , والذي تمخض في النهاية عن حشد جيوش دول كبرى لمواجهة ما يسمى "إرهاب داعش" .....تبدو اليوم باردة وباهتة وكأن الأمر لا يعنيها أو لا يستأهل حتى التنديد والاستنكار !!

 

 

ليست قوات "حفتر" والموالين له هم وحدهم من تمر جرائمهم البشعة ضد الإنسانية مرور الكرام في هذا العالم الذي تقود منظماته الدولية والحقوقية دول غارقة من قمة رأسها حتى أخمص قدميها في تلك الانتهاكات , فقائمة المجرمين المُتجاوز عن جرائمهم وإرهابهم في المنطقة تطول , بدءا بقوات طاغية الشام الذي اقترفت أفظع الجرائم بحق الشعب السوري وما زالت , وصولا إلى المليشيات الرافضية التي تم توثيق اقترافها لعشرات بل مئات المجازر في كل من سورية والعراق واليمن.....

 

 

والسبب في هذا النفاق والتفريق بين "إرهاب" و"إرهاب" تارة , و "إرهاب" ودفاع عن النفس ومقاومة للظلم والطغيان في غالب الأحيان ....بات واضحا وظاهرا للعيان , فما دمت مسلما تعتز بدينك وتريد إظهار هويتك وتحاول أن تدافع عن حقوقك فأنت في نظر العالم المنافق "إرهابي" , بينما لا يتم إطلاق هذا المصطلح الزئبقي على أمثال نابشي القبور من قوات "حفتر" ولا مرتكبي المجازر من قوات طاغية الشام ومرتزقة إيران !!