تأهيل الشباب للزواج وأثره في الحد من الطلاق
16 رجب 1438
تقرير إخباري - محمد الشاعر

حث الإسلام الشباب على الزواج ورغبهم فيه فقال تعالى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } النور/32 , وقال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الروم/21 

 

 

وفي الحديث الصحيح عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) صحيح البخاري برقم/5066 .

 

 

وذخر القرآن الكريم بالأوامر التي من شأن الالتزام بها الحفاظ على العلاقة الزوجية وضمان استمرارها , فقال تعالى : { ....وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } النساء/19 , كما حفلت السنة بالتوجيهات والهدي النبوي الذي يرشد أبناء الأمة ويعلمهم كيفية تعامل أحد الزوجين مع الآخر بما يضمن سلامة احد أهم حصون المجتمع الإسلامي "الأسرة" .

 

 

ولأن دين الله الإسلام واقعي أتاح للزوجين حين يستنفذان جميع الوسائل الممكنة لاستمرار الحياة الزوجية الانفصال والطلاق , كحل شرعي أخير يتم اللجوء إليه حين لا تجدي جميع وسائل الإصلاح والتوفيق بين الزوجين المنصوص عليها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .  

 

 

إلا أن سوء استخدام كثير من المسلمين لمشروعية الطلاق أحاله من علاج أخير في حالات استثنائية إلى مشكلة اجتماعية أضحت اليوم من أخطر المشاكل التي تواجه المجتمعات الإسلامية عموما , حيث وصلت نسب الطلاق في كثير من الدول العربية إلى أرقام خطيرة تنذر بكارثة اجتماعية إن لم يتم تدارك ذلك بحلول ناجعة .

 

 

يكفي الإشارة إلى أن إحصائية وزارة العدل في المملكة لعام 2015 تقول : إن 8 حالات طلاق تحدث في السعودية كل ساعة تقريبا , أي نحو 188 حالة كل يوم , بينما وصلت نسبة الطلاق في مصر إلى 20 حالة كل ساعة , أي ما يعادل حالة طلاق كل 6 دقائق خلال عام 2013م حسب بيان جهاز التعبئة والإحصاء المصري .

 

 

ولعل من أهم الحلول الناجعة لهذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة تأهيل العروسين المقبلين على الزواج , سواء من الناحية الشرعية التي تبين لهم أهداف الزواج في الإسلام , وما يجوز وما لا يجوز في مرحلة الخطوبة وليلة الزفاف , وتشرح لهم بالتفصيل حقوق كل من الزوجين وواجباته شرعا , و تعرض لهم الأخلاق التي أمر الإسلام أن يتحلى بها كل من الزوجين في تعامله مع زوجه ....

 

 

أو من الناحية الاقتصادية التي توضح أهمية المال في الحياة الزوجية واستقرارها واستمرارها , أوالنفسية التي تشرح للزوجين أهمية مراعاة احتياجات كل منهما النفسية , وتضعهم أمام الفروق النفسية بينهما , ناهيك عن التأهيل من الناحية الاجتماعية الذي يعلّم الزوجين آليات التعامل مع المشكلات الزوجية , وكيفية تعامل كل منهما مع أهل وأقارب وأرحام زوجه .

 

 

وللتأكيد على أهمية التأهيل للزواج يكفي الإشارة هنا عما كشفت عنه دراسة علمية سعودية حديثة تقول : إن نسبة الطلاق لدى الشباب الذي خضعوا لبرنامج التأهيل للزواج منخفضة بشكل كبير جدا , حيث بلغت (1.7%) مقابل (98.3%) من نفس الشريحة يستمتعون بحياة أسرية مستقرة ولله الحمد .

 

 

جاء ذلك ضمن نتائج دراسة استطلاعية أعدها الدكتور علي بن محمد آل درعان رئيس قسم الدراسات والتطوير بمركز المودة الاجتماعي بعنوان : "فاعلية برنامج التأهيل الأسري بمركز المودة الاجتماعي للإصلاح والتوجيه الأسري" والتي نشرها المركز على موقعه على الانترنت .

 

 

الدراسة أجريت على 300 شخص من مختلف شرائح المجتمع بجدة حصلوا على شهادة دورة تأهيل الزواج عام 1431هجري , ومضى على زواجهم عام كامل , حيث نصح 94% من المبحوثين الشباب المقبلين على الزواج بحضور دورات التأهيل الأسري , وذلك للأثر الإيجابي الذي تركته هذه الدورة في حياتهم الزوجية , وخصوصا فيما يتعلق بالاستقرار الزوجي وتقليص نسبة الطلاق .

 

 

ومن هنا يمكن قراءة أهمية ما أعلنت عنه جمعية تيسير الزواج ورعاية الأسرة بالأحساء منذ أيام , حيث تم تأهيل 300 شاب وفتاة من المقبلين والمقبلات على الزواج، ضمن برنامج الجمعية "تأهيل" الذي أقيم بمقر الجمعية مؤخرا.

 

 

وأوضح مدير عام الجمعية "تركي التركي" : أن البرنامج يسلط الضوء على الجانب الشرعي والاقتصادي والصحي، ويقوم عليه نخبة من المدربين في التخصصات المطلوبة، بإشراف رئيس مجلس الإدارة، الشيخ ناصر النعيم.

 

 

وعن أثر دورات التأهيل هذه في تخفيض نسبة الطلاق والحد من هذه الظاهرة قال "التركي" : إن محافظة الأحساء شهدت في الفترة الأخيرة انخفاض الطلاق بنسبة 60%، وأن هذا الانخفاض يعود إلى الجهود التي بذلت وتبذل من الجمعية تيسير ومن الجهات الأخرى سواء من ناحية التأهيل أو تيسير الزواج .

 

 

لا شك أن هناك الكثير من الوسائل والطرق التي يمكن من خلالها معالجة مشكلة ارتفاع نسب الطلاق في المجتمعات العربية والإسلامية , إلا أن تأهيل المقبلين على الزواج تبقى الأهم والأكثر نجاعة على المستوى العملي .