حملة "الحياة" على أردوغان
27 رجب 1438
أمير سعيد

حينما تنشر صحيفة تعمل تحت غطاء "ليبرالي" مقالاً ينتقد نظاماً ما؛ فإن ذلك يمكن إدراجه في سياق "الرأي والرأي الآخر"، لكن حينما يشن ثلاثة من أبرز كتابها حملة متناغمة في يوم واحد على رئيس فإن ذلك لا يمكن نعته بحرية التعبير أو تعدد الآراء.

 

صحيفة الحياة في يوم 22 إبريل الحالي حشدت أقوى أسلحتها التعبيرية ورمت بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في غارة واحدة، جهاد الخازن رئيس تحريرها الأسبق، وحازم صاغية كاتبها المعروف، ومصطفى زين شنوا حملتها تحت عناوين

 

عيون وآذان (أردوغان يلعب بمصير تركيا)

أردوغان: طريق العظمة طريق الكذب

مستقبلنا في ماضينا

 

على الترتيب، وفيها وقع الكتاب الثلاثة في أغاليط متنوعة ورتيبة في الوقت عينه، تتلخص في:
-    ادعاء توسيع أردوغان لصلاحياته من خلال هذا الاستفتاء الأخير، فيما هو معلوم أن توقيت عمل التعديلات الدستورية التي وافق عليها أغلبية الشعب التركي يأتي لاحقاً (بعد عامين)، حيث لا يعلم على وجه اليقين من سيكون رئيس تركيا حينها، إذ لن يتم تطبيق التعديلات المتضمنة لتوسيع صلاحيات الرئيس التركي إلا بعد انتخابات رئاسية ديمقراطية يتنافس فيها مرشحون لهذا المنصب.

 

-    تسفيه عقول الأتراك الذين وافقوا على تلك التعديلات، حيث وصفهم زين بأنهم "العوام" ، الذين يقول إنهم "نصف الشعب التركي، على ما أظهره الاستفتاء"، وهم "قوَّة المستبد وقوته، بهم عليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثِل يعتبرونه رحيماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاة"، بحسب توصيف الكواكبي الذي أسقطه زين على مؤيدي التعديلات الدستورية التركية، الذين رآهم الكاتب غير مكترثين بكل هذا في مقابل العودة لماضيهم الذين درسوه في مدارسهم (العلمانية بالمناسبة!)، هازئاً بمستقبل يرمق بإعجاب لماضٍ كانت لهذه الأمة كل عزة ومجد واستقلال وامتداد! ا

 

-    القول بأن أردوغان قتل الديمقراطية (مثلما ادعى الخازن وصاغية)، مروراً بتخرصات تزوير لم يزعمه إلا دراويش "أتاتورك" وبعض وسائل الإعلام الأوروبية، مثلما يؤكد الخازن، ويشدد عليه صاغية.

 

اللافت في ترهات "كبار الكتاب"، كعباراتهم:
"أبطال أردوغان (...)  يستخدمون النقص الديموقراطيّ في البرلمانيّين كي يفرضوا العدم الديموقراطيّ" . (صاغية)

 

"أردوغان عمل يوماً بعد يوم لانتزاع السلطات من البرلمان، ولإخضاع القضاء لإرادته، حتى لم يبقَ في تركيا شيء من مظاهر الديموقراطية السابقة". (الخازن)

 

"برنامج الرئيس التركيّ، على ما يبدو، هو هذا بالضبط: أن يصير الشعب ماشية، وأن يصير الحاكم نصف إله". (صاغية)

 

هي أنها لا تخاطب العقل وإنما تستنفر الكراهية العمياء التي تكف بصرها على الحقائق؛ فالكتاب القادمين من كبريات الديمقراطيات العربية! تجاهلوا أن الديمقراطية التركية راسخة للحد الذي لا يمكن تزويره تحت عين المنظمات الحقوقية والرقابة الشعبية التركية هكذا بكل بساطة، كما أنهم انزلقوا في هاوية تحقير أغلبية الشعب التركي الواعي وتسفيه أحلامه والتقليل من قدراته العقلية بوصفه بهذه السذاجة التي استدرجتها كلمات أردوغان، وذله وخضوعه وانصياعه (وهو الشعب المعروف بشجاعته وبأسه وريادته للعالم لقرون) بأنه سيصير كالماشية بألاعيب أردوغان بطريقة سلمية بحتة!

 

"الكتاب الكبار" أبعدوا النجعة، وهم يحذرون الأتراك من مغبة رصهم صفوفهم خلف أردوغان في طريق هم ذواتهم يعرفون أنه لم يقد تركيا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً إلا نحو تقدم هائل قفز بها إلى مصاف كبريات الدول الإقليمية إن لم تلامس حدود الدول الكبرى، محذرين، وهم القادمون من أسوأ التجارب السياسية في العالم (في منطقتنا) من السير في طريق لم تألفه دولهم المتخلفة نظمها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

 

جفا أحدهم (صاغية) المنطق والعقل حين قال: "برنامج الرئيس التركيّ، على ما يبدو، هو هذا بالضبط: (...) أن تسير تركيّا بالتدريج نحو الـ 99 في المئة أو ما يقاربها"! فبعد كل هذه السنين التي قضاها أردوغان في الحكم منذ توليه منصب عمدة إسطنبول وحتى رئاسة الجمهورية التركية، وخوضه لأكثر من 5 انتخابات واستفتاءات تجاوزها بنجاح وبنسب معقولة لا تتطلب التسعات الخمس المألوفة في دول المنبع، يتطلع إليها في نهاية تاريخه السياسي! أما زال صاغية والخازن وزين ينصحون بالديمقراطية واحتها الوحيدة في المنطقة؟! أهو الحدب عليها من الغرق في بحار الديكتاتوريات العربية والإيرانية أم هو الحرص على ألا تستمر نهضتها فتصبح قاطرة للعالم الإسلامي الواهن؟!