الإعلام الغربي هل هو حر حقاً؟
4 رمضان 1438
منذر الأسعد

في بعض الأحيان، بينما تكون منهمكاً في التخطيط لمقال أو دراسة حول قضية تراها مهمة؛ تقع عينك بتقدير رباني محض على موضوع يحقق غايتك بدقة تامة أو بنسبة تتجاوز حقاً 90% من رؤيتك...

 

في حالة كهذه، تجد نفسك في مأزق: فإما أن تتجاهل الموضوع وتبدأ في حَبْك مقالك بطريقتك، من دون أن تضيف جديداً.. وهذا يخدش الأمانة ومسؤولية الكلمة النزيهة.. وإما أن تنشر الموضوع كما هو باسم صاحبه، فما دورك هنا؟

 

هذه هي ورطتي مع هذا المقال الرائع للباحث المعروف الدكتور مازن مطبقاني، وقد رجح عندي الخيار الثاني.. مع الاعتذار للقارئ العزيز.

*******

 

سأتناول في هذه المقالة قراءة في كتاب (مصادر غير موثوقة Unreliable Sources) الذي صدر في الولايات المتحدة قبل عدة سنوات لمؤلفـيه مارتن لي Martin Lee ونورمان سولومونNorman Solomon.عن مجموعة كارول للنشر. وقد قرأت الكتاب وكـنت أنوي تقديم عرض له، ولكن حالت دون ذلك موضوعـات أكثر إلحاحاً حتى قرأت خبراً نشر في 6صفر 1418 هـ، (الشرق الأوسط، ع 6770) عن كتاب صدر في فرنسـا بعنوان (تي اف 1 سلطة)، ويقول الخبر:إن الكتاب عبارة عن دراسة علمية موثقة مكون من 700 صفحة؛ وهو يشير إلى انتشار الرشاوى والضغوط والمساومات والفساد بأنواعه. ويقدم الكتاب وثائق عديدة بعضها عبارة عن صور فوتوغرافية لشخصيات إعلامية من القناة التلفازية مع بعض الشخصيات السياسية أو الاقتصادية.

 

ويضيع تأثير هذه الأخبار أنها تظهر مرة واحدة ولا يقرؤها إلاّ عدد قليل من الناس، أما الذين لم يقرؤوها- وهم الغالبية- فيستمرون في مشاهدة تلك القناة ويتأثرون بما تنقله من أخبار أو ما تبثه من أفكار أو ما تحجبه من قضايا.

 

أما كتاب (مصادر غير موثوقة) المكون من 320 صفحة فيحتاج إلى أكثر من مقالة لاستعراضه، ولكني سأعرض بعض الأفكار التي طرحها المؤلفان. فقد أشار المؤلفان في بداية الكتاب إلى أسطـورة أن الإعلام ملتزم وفوق ذلك كله يبحث عن الحقيقة ويعلنها مهما كان الثمن تواجه تـحدياً من الواقع الذي يؤكد أن الإعلام شركة مساهمة ومعظم وسائل الإعلام يتم تمويلها عن طريق الإعلانات أو ممولين فمن الذي يدفع لوسائل الإعلام سبعين بليوناً كل سنة في الولايات المتحدة الأمريكية. بل إن شركات الإعلام هي نفسها من الشركات التي تدر الملايين أو البلايين سنوياً.

 

ويذكر الكاتبان أن الشركات التي تقدم الأخبار هي نفسها تشارك في صياغة الأخبار قبل أن تصبح أخباراً بالرغم من أن شركات الإعلام لا تعترف بهذا. والدليل على ذلك أن شركة إن بي سي NBC تملكها شركة جنرال الكتركGeneral Electric التي تعد واحدة من أكبر المتعهدين العسـكريين في الـولايات المتحدة حيث تقوم هذه الشركة بتصميم وصناعة أو تزود بقطع الغيار تقريباً كل أنظمة الأسلحة الأمريكية.

 

ومن الجوانب الأخرى في الإعلام الأمريكي أنه تسيطر عليه التسلية والترفيه التي يغلب عليها طابع العنف والجنس والتلاعب المتعمد في التغيير السريع -أجزاء من الثانية- للصور والأصوات بحيث لا تترك للمشاهد الفرصة للتفكير. وطغيان التسلية على الاهتمام بالأمور الجدية -مع عوامل أخرى- إلى أن أصبح الطفـل الأمريكي أقل مستوى في الرياضيات من أمثاله في كوريا الجنوبية أو كندا أو اسبانيا أو بريطانيا أو ايرلندا. وعرف عن التلفزيون مثلاً الاهتمام بقضايا صغيرة وجعلها هي القضية الرئيسة في كل نشرات الأخبار مثل قصة الطفلة التي وقعت في بئر بينما يهمل التلفزيون أو لا يعطي الاهتمام الكافي لقضايا أكثر أهمية مثل: سوء التغذية أو المشردين أو الأمراض المستعصية ومن ذلك أن خمس أطفال أمريكا يعيشون دون حد الفقر.

 

ومن الأمور التي أوردها المؤلفان عن الصحافة الأمريكية خضوعها لشركات التبغ مثلاً أو الشركات الـتي تضع إعلاناتها في الصحف والمجلات. فليس المعيار أهمية المقال أو الباب الثابت أو صلاحية النشر بقـدر ما يدر الموضوع من أموال الإعلانات. ومن الشركات التي لها سيطرة واضحة شركات التبغ فمعظم الصحف والمجلات نادراً ما تنشر مقالات جادة ضد التدخين.

 

وقد أشار الكاتبان إلى التغطية الصحفية أو التلفزيونية أو الإذاعية للأخبار وأن هذه التغطية تميل إلى جانب وجهة النظر الحكومية -حتى إنهما أحصيا ما ينتجه البيت الأبيض من أشرطة وأفلام فوجدا انه يتفوق على هوليوود- ففي دراسة قام بها المؤلفان على كل من صحيفتي الواشنطن بوست والنيـويورك تايمز (2850مقالة) وجدا أن ثمان وسبعين في المئة من الأخبار مصدرها مسؤول رسمي. وقد نقل المؤلفان عن والتر كارب Walter Karp من مجلة هاربر Harper`s Magazine قوله أن الغالبية العظمى من القصـص الإخبارية مبنية على مصادر رسمية؛ أي معلومات مصدرها رجال الكونجرس أو مساعدو الرئيس أو سياسيون. وصرح دونالدسون من شركة إي بي سي ABC بأننا كقاعدة إن لم نكن خدم لدي السلطة فإننا على الأقل أخوة دم … وفي نهاية النهار ننتهي بقصة قريبة من رواية البيت الأبيض.

 

وثمة نقطة أخيرة في هذا العرض السريع أن الصحف تقوم بين الحين والآخر بإيقاف بعض كتابها لأنهم أزعجوا بعض المسؤولين فمن ذلك أن صحيفة نيويورك تايمز قد أعلنت أن الكاتب سيدني سكانبرجSydney Schanberg الذي كان يكتب مقالتين أسبوعياً في صفحة الرأي قد طلب إليه قبول مهمة أخرى في الصحيفة لم يتم تحديدها بعد. وقد شرح أحد الصحافيين الأمر بأن سكانبرج كان يتناول موضوعات مثل: المشردين والجرحى والإصابات التي تحدث في صفوف العمال بسبب طمع المقاولين الكبار والمصرفيين وأعمدة السلطة الأخرى. وقد أزعجت مقالاته بعض المسؤولين في الصحيفة كما أنّ من جعلهم هدفاً لنقده صاحوا بصوت مرتفع، وبدون إنذار وفي أحد أيام شهر أغسطس 1985م أُمر الكاتب بالتوقف.

 

الكتاب يستحق الدراسة لما فيه من حقائق عن الإعلام الغربي (الأمريكي) الذي طالما ملأ الدنيا ضجيجاً بأنـه أفضل إعلام في الدنيا وأنه إعلام حر. فهل ظهر في الغرب من ردّ على مثل هذا الكتاب. لأننا يجب أن لا نسلم بكل ما فيه، ولكنه على الأقل بحث علمي يحتاج إلى متخصصين لفحصه ودراسته.