صيام رمضان وفضله وبعض أحكام الصيام
5 رمضان 1438
عبد الله بن حميد

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي جاء فيه ذكر أركان الإسلام وقواعده ومبانيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام"(1).

 

لا شك أن صوم هذا الشهر ركن من أركان الإسلام الخمسة، لا يتم إسلام عبد بدون ذلك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر، ويخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهر "أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار"(2)، كما في حديث سلمان.

 

"وأخبر بأن فيه ليلة من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(3)، زاد الإمام أحمد في روايته والنسائي "وما تأخر"(4).

 

وأخبر بأن هذا الشهر تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه قبل هذا الشهر.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب"(5)، يا لها من خسارة، يا لها من خسارة، يصوم وحظه من صومه الجوع والعطش، يقوم وحظه من قيامه السهر والتعب؛ لوجود ما يبطل صومه، وما يبطل قيامه، فهذه هي الخسارة التي ما بعدها خسارة، والعياذ بالله.

 

وقد صام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، فُرض عليه صيام هذا الشهر في شعبان السنة الثانية من الهجرة.

 

ومعلوم أن الصوم مشروع في الشرائع قبلنا، قد كتب على الأمم قبلنا أن يصوموا كما كُتب علينا، إلا أن صيامهم يختلف عن صيامنا، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. يعني فرض عليكم الصيام كما فُرض على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، فجعل التقوى غاية للصوم، والصوم وسيلة وسبب لحصول التقوى.

 

وقد كتب الله على النصارى صياماً، وعلى اليهود صياماً، وعلى هذه الأمة أن تصوم شهر رمضان، وكان الأمم قبلنا في شرائعها مختلفة في كيفية صيامها، فبعض الشرائع يجب عليهم أن يصوموا اليوم والليلة أربعة وعشرين ساعة، ما عدا أكلة واحدة وهي إذا غربت الشمس واشتبكت النجوم، جاز لهم الأكل والفطر حتى يشبعوا، ثم يمسكوا إلى الليلة القابلة، أما هذه الشريعة فإنها مبنية على المسامحة وعلى السماح، قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]. أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا غربت الشمس، أباح الله لنا كل شيء مما هو مباح لنا من أكل وشرب وغير ذلك، حتى يطلع الفجر، وهكذا حتى ينتهي رمضان، ثم إن رمضان في صومه فوائد كثيرة.

 

روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "صوموا تصحوا"(6)، فهو سبب للصحة؛ وذلك أنك تأكل طيلة السنة، فيبقى شيء من الفضلات في الأمعاء، فإذا صمت تولدت حرارة، فأذابت تلك الفضلات التي هي في الأمعاء وما في اللحم، وما في سائر بدنك من رطوبات ونحوها، فإنها تذوب وتزول فيبقى جسمك قوياً صافياً ليس فيه ما يتعبه. هذا معنى ما يروى "صوموا تصحوا".

 

وللصوم أحكام:

منها: أنه لا يجوز للإنسان أن يأكل ولا يشرب في نهار رمضان، لكن لو أكل أو شرب ناسياً فالله يسامحه، فإن صومه صحيح، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"(7). هذا إذا كنت ناسياً، لكن من حين تذكر يجب أن تمسك، وما شربت أو أكلت في حالة النسيان فلا بأس به وصومك صحيح ولا إعادة.

 

ثانياً: القيء فهو من المفطرات إذا استدعاه الإنسان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ذرعه القيء – يعني: غلبه من غير اختياره – فليتم صومه، ومن استقاء – أي استدعاه وتطلبه – فعليه القضاء"(8).

 

كذلك أيضاً من أحكام الصيام:

لو طار إلى حلقك ذباب أو غبار من غير اختيارك، فدخل جوفك، فالصوم صحيح ولا بأس به.

 

أو تمضمضت ودخل الماء حلقك من غير اختيار ومن غير تعمد، أو استنشقت الماء بقوة فدخل الماء حلقك من غير اختيار ومن غير تعمد، فالصوم صحيح ولا قضاء عليك، إلا أنه يكره المبالغة في الاستنشاق للصائم، كما في حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأت فمضمض، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"(9)، يعني لا تبالغ لكن لو دخل الماء حلقه، فإن صومه صحيح ولا يفسد صومه والحالة هذه.

 

كذلك أيضاً: الحائض إذا طهرت في أثناء النهار يجب عليها الإمساك، والمسافر إذا قدم يجب عليه الإمساك، وعليه قضاء ذلك اليوم؛ لأن الرخصة التي أباحت له الفطر قد زالت وزال حكمها، إذا يتعين عليه أن يمسك، والحائض زال المانع وصارت طاهرة يجب عليها الإمساك مع القضاء.

 

وكذلك أيضاً: لو أدركه الفجر وعليه جنابة، فإن صومه صحيح، كما لو حصل عليه جنابة، ولم يغتسل إلى بعد طلوع الفجر، أو بعد السحور، فالصوم صحيح، "فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنب ثم يغتسل"(10).
أما لو احتلمت في النهار كما لو نمت وحصل عندك احتلام، فالصوم صحيح، وما عليك إلا أن تغتسل؛ لأن هذا شيء لم يكن باختيارك ولا قضاء عليك.

والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

____________________________

(1)    أخرجه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16 "12").
(2)    أخرجه ابن خزيمة برقم (1887).
(3)    أخرجه البخاري برقم (1901)، ومسلم برقم (760).
(4)    أخرجه أحمد برقم (22713، 22765)، والنسائي في الكبرى برقم (2523).
(5)    أخرجه أحمد برقم (8856)، وابن خزيمة (3/242) برقم (1997)، وأبو يعلى برقم (6551)، والحاكم (1/431)، والبيهقي في السنن (4/270).
(6)    أخرجه الطبراني في الأوسط برقم (1312)، وابن عدي في الكامل (7/57).
(7)    أخرجه البخاري برقم (6669)، ومسلم برقم (1155).
(8)    أخرجه أبو داود برقم (2380)، والترمذي برقم (720)، وابن ماجه برقم (1676)، والنسائي في الكبرى برقم (3117)، وأحمد برقم (10463).
(9)    أخرجه أبو داود برقم (142)، وفي رواية: "إذا توضأت فمضمض" (144)، والنسائي (1/66)، وابن ماجه برقم (407).
(10)    أخرجه البخاري برقم (16205، 1926)، ومسلم برقم (1109 "76").