أدوية ما تحت اللسان وأثرها على الصوم
17 رمضان 1438
أسامة بن أحمد الخلاوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد(*):

فالذبحة الصدرية Angina Pectoris هو مصطلح طبي يُطلق على الألم الذي يصيب الصدر والناجم عن أمراض الشرايين التاجية، وتحدث الذبحة الصدرية حين لا تتلقى عضلة القلب الكفاية من الدم، وبالتالي من الأكسجين وذلك نتيجة انسداد أو تضيق أحد أو بعض الشرايين المغذية للقلب.

 

وتحدث الذبحة الصدرية غالباً أثناء القيام بمجهود يحتاج معه المريض إلى الأكسجين كالجري أو أثناء التمرينات الرياضية، بل وأثناء الانفعالات الجامحة والارتفاع القوي في درجة الحرارة.

 

كما أن بعض الأشخاص ممن يعانون من اضطرابات غير سوية في شرايين القلب التاجية قد يتعرضون للذبحة الصدرية أثناء الراحة.

 

ومرضى الذبحة الصدرية على أنواع، منهم:

مرضى الذبحة الصدرية المستقرة: فيشعرون عند حدوثها بضيق في الصدر يكون غالباً متوقعاً حدوثه، وهؤلاء تفجؤهم الذبحة أثناء القيام بالمجهود الجسدي أو تحت الضغط الذهني أو الانفعالي، وفي العادة يختفي ضيق الصدر بالراحة أو بتناول دواء النيترو- غلسرين Nitroglycerin، أو بكليهما.

 

مرضى الذبحة الصدرية غير المستقرة وهؤلاء يكون ألم الصدر عندهم غير متوقع وعادة ما يكون أثناء الراحة، ويكون الألم أشد قوة وأطول زمناً ممن يعاني من الذبحة الصدرية المستقرة.

 

والسبب الشائع لحدوث الذبحة الصدرية غير المستقرة هو ضعف تدفق الدم إلى عضلة القلب نتيجة لتضيق الشرايين التاجية، ومن أسبابه كذلك انسداد الشرايين جزئياً بجلطة دموية(1).

 

يتمكن العلاج الدوائي في أكثر حالات الذبحة الصدرية المزمنة من التحكم بها جيداً، وهذا العلاج الدوائي يتضمن تناول الأسبرين، وغيره من الأدوية التي تساعد المريض وتحسن فرصه في الحصول على صحة أفضل بإذن الله.

 

ومن هذه الأدوية عقاقير النترات المختلفة Nitrates، حيث يقوم أكسيد النترات Nitric Oxide بإرخاء عضلات الأوعية الدموية الملساء مما يسمح بتدفق الدم من خلال الأوعية الدموية التاجية، كما أن النترات يعتبر موسعاً فعالاً للأوردة والشرايين مما يقلل من رجوع الدم الوريدي إلى القلب وهكذا يخف الضغط على جدار البطين الأيسر مما يقلل من حاجة عضلة القلب الماسة للأكسجين، كما أن توسعة الأوعية الدموية الضيقة إضافة إلى توسعة الفروع الداخلية للشريان التاجي يزيد من تدفق الدم إلى عضلة القلب فقيرة الدم.

 

هذا وقد أثبتت الدراسات أن النترات تساعد على تهدئة التشنجات التاجية(2) والذبحات الصدرية.

 

ويتخذ عقار النترات أشكالاً متعددة، ومنها تلك التي تؤخذ تحت اللسان sublingual.

 

تقوم أدوية ما تحت اللسان بأداء مهمتها بفاعلية جيدة، ذلك أن المادة الدوائية تُمتص بسرعة فائقة عبر الأوعية الدموية الموجودة تحت اللسان بدلاً من أن تأخذ طريقها عبر الجهاز الهضمي، وذلك لرقة الغشاء المخاطي في تلك المنطقة، إضافة إلى كثرة انتشار الأوعية الدموية(3).

 

ويمتد الشريان التحتلساني Sublingual Artery إلى الغدة التحتلسانية Sublingual Gland حيث يمدها هذا الشريان وما حولها من العضلات واللسان واللثة بحاجتها إلى الدم.

 

وينشأ هذا الشريان من الشريان اللساني Lingual Artery، والذي يتفرع بدوره من الشريان السباتي الخارجي Carotid Artery External المتفرع من الشريان السباتي العام Common Carotid Artery(4)، أحد الشرايين التي تغذي الرأس والأطراف العلوية، وأحد أفرع الشريان الأبهر الذي هو الشريان الرئيسي في جسم الإنسان، والذي عن طريقه يتم تغذية جميع أعضاء الجسم بالدم(5).

 

أثر تناول حبوب النترات في الصيام:

ثقب البدن لا يعد مفطراً عند الجمهور، وبهذا صرح الحنفية(6) حيث قالوا: "الداخل من المسام لا من المسالك لا ينافيه"، والشافعية(7) الذين قالوا: "لا يضر وصول الدهن إلى الجوف بتشرب المسام، كما لو طلى رأسه أو بطنه به، وإن وجد له أثراً في باطنه"، والحنابلة(8) فقالوا: "إن وصل يقيناً أو ظاهراً أفطر كالواصل من الأنف لأن العين منفذ بخلاف المسام"، في حين أن المالكية يرون أن ما يدخل من مسام الرأس فإنه مفسد بخلاف باقي مسام الجسم: "من دهن رأسه نهاراً ووجد طعمه في حلقه، فالمعروف من المذهب وجوب القضاء، بخلاف من حك رجله بحنظل فوجد طعمه في حلقه"(9).

 

ولما كانت حبوب النترات وما شابهها من الأدوية تحت اللسانية لا تصل إلى الحلق وإنما غاية ما هنالك أن تقوم الأوعية الدموية الموجودة تحت اللسان بامتصاص المادة الدوائية ومن ثم يقوم الدواء بأداء مهمته بفاعلية دون أن يدخل الدواء إلى الحلق فإن تناولها لا أثر له في الصيام ولا تفطر، إلا أنه ينبغي مراعاة أن يمج المريض ما يتبقى من أثر الدواء ولا يبتلعه مع ريقه وإلا فإنه سيدخل حلقه ذلك المتبقي من الدواء ويتعرض للإفطار به.

وإليه ذهب مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته العاشرة(10).

 

__________________________________

(*) بحث مستل من كتاب النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي أثناء الصيام للمؤلف حفظه الله.
(1)    موقع الجمعية الأمريكية للقلب www.heart.org American Heart Association.
(2)    موقع الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة www.aafp.org American Academy of Family Physicians.
(3)    مكتبة الدواء الوطنية National Library Medicine، التابعة لجمعية الصحة الوطنية الأمريكية، www.sis.nlm.nih.gov، شركة ميرك الدوائية: www.merck.com.
(4)    مجلة الدواء الإلكترونية Positive Health Complementary Medicine Magazine، www.positivehealth.com.
(5)    أساسيات علم وظائف الأعضاء، ص127.
(6)    تبيين الحقائق، كتاب الصوم، باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده 2/169، فتح القدير، كتاب الصوم، باب ما يوجب القضاء والكفارة 2/335، فتح باب العناية، الصوم، ما يفسد الصوم وما لا يفسد 1/571.
(7)    حاشيتا قليوبي وعميرة، كتاب الصوم، باب شرط الصوم من حيث الفعل 2/90، العباب المحيط، كتاب الصوم، باب ما يمسك عنه الصائم 2/494.
(8)    الفروع، كتاب الصيام، باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة 5/6.
(9)    الشرح الصغير، كتاب الصوم 1/451.
(10)     قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي ص214.