"الدهس" جزاء إحسان مسلمي لندن !!
27 رمضان 1438
د. زياد الشامي

في منطقة مشهورة بأنها ذات كثافة إسلامية عالية بالعاصمة البريطانية لندن , وتزامنا مع خروج المسلمين من مسجد فنزبري بارك أو "المسجد الكبير" شمال لندن , صعدت شاحنة صغيرة يقودها بريطاني مسيحي بسرعة عالية جدا على الرصيف ودهست الخارجين من صلاة التراويح وآخرين كانوا يتناولون سحورهم بالقرب من المسجد ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 10 آخرين بجروح بعضها خطيرة .

 

 

المفارقة أن الحادثة جاءت بعد أيام قليلة من حادثة اندلاع حريق ضخم في برج "جرينفيل" في منطقة لانكستر ويست غربي العاصمة البريطانية لندن , والذي كان للمسلمين دور كبير في إنقاذ كثير من سكان البرج بشهادة سكان المنطقة من البريطانيين الذين أكدوا أن مسلمي المنطقة هرعوا لتنبيه سكان البرج من خلال الطرق على أبواب الشقق والبيوت وإيقاظهم من نومهم ومطالبتهم بالخروج بسرعة قبل وقوع الكارثة , وهو الأمر الذي ساهم في تخفيف عدد الضحايا بشكل كبير دفع سيدة بريطانية للقول : "لولاهم – أي المسلمين – لاحترقنا جميعا" .

 

 

وقوع حادثة دهس المصلين بعد إحسان مسلمي لندن لجيرانهم البريطانيين وتجسيدهم لقيم دينهم الحق وتعبيرهم عن مدى إنسانيتهم المستمدة من عقيدتهم ...يشير بوضوح إلى أن عداء بعض الغربيين لدين الله الإسلام يتجاوز مسألة زعمهم أن الأمر لا يعدو أن يكون ردود أفعال على حوادث العنف التي تقع في بلادهم و يتبناها من ينتسبون إلى الإسلام أو تلصق بالمسلمين وهم منها براء .

 

 

إن توقيت الحادثة التي جاءت بعد مساهمة مسلمي لندن بإنقاذ كثير من البريطانيين قبل ايام أولى الدلائل التي تشير إلى أن الإسلاموفوبيا في القارة العجوز لها أصول وجذور وغير مرتبطة حتى بالأحداث والوقائع التي تشير إلى إحسان المسلمين وإنسانيتهم مع من هم على غير دينهم وملتهم .

 

 

كما أن صراخ منفذ الهجوم الإرهابي أثناء دهسه الخارجين من المسجد : "سأقتل المسلمين" واستهدافه المسلمين تحديدا واعتراف السلطات البريطانية بأن جميع ضحايا الحادث هم من المسلمين..... دلائل أخرى على أن ظاهرة الإسلاموفوبيا غير مرتبطة بردود الأفعال على حوادث العنف التي يتم اتهام المسلمين دائما بالمسؤولية عنها , فالهجوم الإرهابي هنا جاء بعد أيام من إنقاذ المسلمين لكثير من البريطانيين من موت محقق .

 

 

فظاعة الهجوم وفجاجة استهدافه للمسلمين تحديدا أثناء خروجهم من أداء عبادة الصلاة وعدم إمكانية تبريره أو حتى تمريره على أنه عمل إجرامي عادي خصوصا بعد صراخ الفاعل "سأقتل المسلمين"..... قد يكون السبب وراء اضطرار السلطات البريطانية للاعتراف على استحياء بأنه عمل "إرهابي" "فردي" كما قالت رئيسة الوزراء "تيريزا ماي" ....بينما جرت العادة أن يتم تسجيل جميع الهجمات السابقة التي كانت تسهدف المسلمين في دول القارة العجوز تحت لافتة "عمل إجرامي فردي ارتكبه مجنون أو مختل عقلي ....!!!

 

 

الكثير من الدول العربية والإسلامية أدانت الهجوم على مسلمين لندن و وصفته بأنه عمل "إرهابي" وإسلاموفوبي بامتياز , كما أن بعض الهيئات الإسلامية أشارت إلى ما يحمله الهجوم من مؤشرات على تنامي وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في دول القارة العجوز , حيث أكدت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي أن الحادث يعكس تصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا، ولا سيما بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة التي أثارت القلق من احتمال حدوث ردود فعل ضد المجتمعات الإسلامية ....كما اعتبر مجلس مسلمي بريطانيا أن حادثة الدهس هي أحد المظاهر العنيفة للإسلاموفوبيا، وأعنف مظاهر إرهاب الإسلام في بريطانيا في الأشهر الأخيرة. 

 

 

السلطات البريطانية كشفت أمس الإثنين عن هوية المشتبه به في تنفيذ الهجوم الإرهابي الذي استهدف مصلين مسلمين بالعاصمة لندن , وذكرت شبكة "بي بي سي" البريطانية في موقعها الإلكتروني أن اسمه "دارن أوسبورن" من مدينة كارديف (جنوب)، ويبلغ من العمر 47 عاما , مشيرة إلى أن الشرطة تقوم الآن بعمليات تفتيش في أحد العناوين بمنطقة كارديف التي يقيم فيها الجاني ...... ولم تزد على ذلك .

 

 

وعلى الرغم من أن التحقيقات تشير إلى أن الفاعل "يميني عنصري معاد للمسلمين والمهاجرين" ..... إلا أن السلطات البريطانية لم تتهم أو تصف الأحزاب أو الجماعات أو الكيانات التي ينتمي إليها الفاعل "بالإرهاب" كما تفعل حين يتعلق الأمر بهجوم مماثل يكون المتهم فيه مسلما , كما أنها لم تتهم المصادر الثقافية والمناهج التعلمية التي تلقى منها الفاعل على أنها أحد أسباب ودوافع ارتكابه مثل هذا العمل الإرهابي الفظيع !!!

 

 

ليست ظاهرة نمو "الاسلاموفوبيا" وتصاعد حالات العنف بجميع ألوانه ضد المسلمين مقتصرة على بريطانيا أو دولة بعينها من دول القارة العجوز , بل هي ظاهرة عامة تزداد معالمها وضوحا يوما بعد يوم في كثير من الدول الغربية .

 

 

فقبل يومين وتزامنا مع حادثة دهس مسلمي لندن عثرت الشرطة الأمريكية في ولاية فرجينيا على جثة فتاة مسلمة في بركة مياه ، بعد أيام من اختفائها بعد خروجها من الصلاة بمسجد في حي ستيرلنغ بمقاطعة فيرفاكس , ليتبن لاحقا أنها قد قتلت على يد شاب أمريكي يدعى "داروين مارتينيز توريس (22 ) عاما بمضرب بيسبول ومن ثم إلقاء جسدها في بركة مياه قريبة من موقع الحادث في ستيرلنغ بدوافعلا تخرج عن نطاق تنمر وتضخم ظاهرة "الاسلاموفوبيا" .

 

 

لا يبدو أن الدول الغربية جادة بمجرد التفكير بالتخلص من ازدوجيتها التي باتت مفضوحة تجاه أعمال العنف التي تحدث على أراضيها أو خارجها , وهو الأمر الذي سيبقي العالم في حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار .