حرق المساجد.. طعن روادها: رسالة الأمن الأوروبي للمسلمين
7 محرم 1439
أمير سعيد

لم يتمالك إمام مسجد حي فيفالا في مدينة أوربرن السويدية نفسه، ففاضت عيناه بالدموع، وهو يرى مع عشرات المسلمين المتأثرين مشهد احتراق مسجدهم الذي يتسع لمائتين وخمسين مصلياً، بسبب عمل إرهابي متعمد أتى على المسجد كاملاً.

 

عشر سنوات فصلت بين بناء المسجد وحرقه تعني الكثير لمن يرقب ضيق الأوروبيين ذرعاً بالإسلام وتخوفهم من انتشاره، وتعكس المدى الزمني الذي يمكن أن تتحمله أوروبا، متمثلة في إحدى دوله "المتسامحة"، والتي لم تشهد من قبل صراعات تاريخية مباشرة مع المسلمين على نحو واسع خلال الحروب الصليبية وعصور "الاستعمار"، تتحمل الوجود الإسلامي في أوروبا.

 

احتوت الحضارة الإسلامية أقليات عديدة غير مسلمة لأربعة عشر قرناً، وحينما جاء "الاستعمار" محتلاً الديار الإسلامية كانت تلك الأقليات تنعم بحياة طبيعية، وتتمتع بحقوق وحريات واسعة، لكن على النقيض يبدو أن أوروبا لم تصبر طويلاً على نظام قالت إنه يضع نفسه على مسافة واحدة من "الأديان"، إذ سرعان ما ارتدت على أعقابها وبدأت في سلب المسلمين حقوقهم قانونياً وأمنياً.

 

"هذا التعميم مرفوض، فتلك ليست إلا تصرفات فردية يقوم بها يمينيون متطرفون، لكن الجسد الأوروبي كله متسامح"، ربما دافع بعضهم بفحوى تلك العبارة، لكن من دون الإحالة إلى مقالات عديدة لاحظت فيها "عجز" الأجهزة الأمنية عن ملاحقة المجرمين في تلك الجرائم لاسيما تلك التي تتعلق بالاعتداءات على المساجد، روادٍ ومبانٍ يمكننا أن نرد بسهولة على هذا الادعاء؛ فما نراه خلال يوم واحد يغنينا عن البحث في دفاترنا القديمة. ففي ذلك اليوم الذي أحرق المسجد بكامله في مدينة أوربرن السويدية "المتسامحة"، فهناك في قلب أعرق ديموقراطيات أوروبا، بريطانيا، كان الجراح السوري البريطاني ناصر كردي على موعد مع اعتداء آخر، فلقد تعرض لطعنة سكين في رقبته، عند دخوله مسجد المركز الإسلامي في مانشستر.

 

لم تتمكن السلطات البريطانية من تحديد هوية المهاجم (الإرهابي بالمناسبة)، تماماً مثلما لم تتمكن السلطات السويدية من تحديد هوية حارقي المسجد، وإن كانت قالت إن "الهجوم متعمد" (الإرهابي أيضاً بالمناسبة). هذا "العجز" الأمني ليس عجزاً في حقيقته، فمحال أن تخفق كل أجهزة الأمن الأوروبية في تحديد هويات مهاجمين أو القبض على مجرمين يعتدون على المسلمين ومقدساتهم في بلاد تعيش في غابة من كاميرات المراقبة الإليكترونية الصارمة؛ فشبهة التواطؤ من تلك الأجهزة التي طالما دعمت وغضت الطرف عن تجاوزات وجرائم منظمات وحركات يمينية تتنامى، حيث تعزز تلك الجرائم مسار سياسة ترغب أوروبا في ممارستها مع المسلمين فيها دونما الحاجة إلى التغيير الكلي لمنظومة القوانين الحاكمة لنظمها الديمقراطية، أو المساس المباشر بالحريات بشكل فج يؤثر على الغالبية غير المسلمة ذاتها، فترهيب المسلمين رويداً رويداً هي سياسة ناجعة تجعل المسلمين تدريجياً يخشون حتى أداء الصلوات في المساجد فضلاً عن قيامهم بدورهم الأصيل في الدعوة إلى الله.

 

الرسالة التي تصل بشكل ناعم سلس للمسلمين في أوروبا، تلك التي استنتجها د. كردي، حين قال: "هناك حاجة للاعتراف بأن جرائم الكراهية ضد المسلمين آخذة في الازدياد وأصبحت أكثر جسدية، لم تعد تقتصر على اعتداء لفظي، أو نزع حجاب إحداهن، وإنما صارت تأخذ أشكالاً تبعث على القلق وتخيف الناس". الطبيب الذي ساهم في علاج مصابي هجوم مانشستر الإرهابي وغيره، والذي يديم زيارات كنيسة جميع القديسين لأغراض طبية، ويدعى إلى مناسبات "مسيحية"، والذي سامح المهاجم، لم يشفع له ذلك في أن يكون ضحية من ضحايا "اليمين المتطرف" وضحية للتعامي الرسمي الآخذ هو أيضاً في النمو لحد رسم سياسة جديدة، بل مشروع جديد، لتحديد إطار عام لدور المساجد والدعاة والهوية المستقلة للمسلمين، يتدنى بها عن دورها الحقيقي، وواجب دعاتها الأصيل، وهوية المسلمين الواضحة، هذه هي الرسالة التي تصل المسلمين من الأمن الأوروبي ومنظماته التابعة وسلطات أوروبا التنفيذية والتشريعية.