منارات .. (5) وقور ذو مروءة
12 محرم 1439
فهد السيف

تقدمة :

أخي الشاب: ها أنت تقطع طريق الحياة ماضيًا نحو هدفك في الحياة، ها أنت تقطع طريقًا قطعه قبلك فئام من البشر، وأعداد لا تحصى، لو سألت بعضاً من هؤلاء البشر الذين سبقوك سيصف لك الطريق حسب ما رأى، وسيعطيك نصائحه لتتلافى أشواكه وعقباته، وتتخذ المسالك السهلة، وتنحو نحو الهدف بأسرع وقت.

 

 

فإذ لم تكن بِدعًا من الناس، ولست وحدك من يقطع هذه المسافة، فقد كان لزامًا عليك، أن تسأل من سبقك، وتقرأ تجاربهم في سلوك الطريق، وتعرف كيف تقطعه، وإلا فسيكون طريقك مليئًا بالمحاولات التي كان بمقدورك أن تتلافاها لو اطلعت على خبرات السابقين.

 

 

ههنا، لا أزعم أني أعطيك عصارة خبرة، لكني أزعم أنك ستقرأ فيها دلائل خفيفة الوزن تجد فيها بعض ما يعينك وأنت تقطع الطريق.

 

 

كم قَرَأْنا! وكم نُصِحْنا! لكنا لم ندرك حقيقة وعمق تلك الخبرات إلا حينما عصفت بنا الرياح ونحن نقطع الطريق، فلا تُعِد التجربة، واختصر المشوار، واكتشف تجارب جديدة، تكن رقمًا مهمًا في هذا العالم المليء بالناس العاديين.

 

زاوية:

منارات، رأيت أن أضعها في طريقك، لتنير لك الدرب، وتجنبك أخطار الطريق، أزعم فيها أني أختصر عليك المشوار، فقد قطعته قبلك، ولم أشأ أن تقع في حفرياته، أو تنعطف يميناً أو شمالاً حيث يمكنك سلوك الطريق المستقيم 

 

منارات (5) 

وقور ذو مروءة!

 

ليس حراماً أن تبتهج، وتلبس من اللباس ما تشاء ما دام في دائرة المباح!  وليس حراماً أن تضحك! ولا أن تصبح ظريفاً ولا فكاهياً يحب الناس مقابلتك والجلوس معك، أو مشاهدتك في برامج التواصل وأنت تبث عليهم بعض نكاتك.

 

ولكن ما قد يخدش نظرة الناس لك واحترامك لمقامك، أن تكون فلانا (الشيخ الوقور، أو ذو المنصب) أو غير ذلك، ثم تخلع لباسك لتلبس لباس الفكاهي، الذي يجد الناس في فكاهته السماجة حيث لم يتعودوا على منظرك وأنت تتكلف ذلك، وما أتى منه عفواً دون تكلف فهو مقبول .

 

قد يكون أحد أهدافك في الحياة أن تكون رمزاً من رموز وسائل التواصل تستخدم خفة دمك وظرافتك في بث رسالتك السامية، فهنيئاً لك.

 

ولك أن تتردد أي لباس تلبس، فيراك الناس اليوم وقوراً وطالب علم وشيخاً، ويرونك غداً، تقلد أو تغار ممن أصبح لهم قبول بسبب ظرافتهم، فهذا ما لا يستسيغه أكثر الناس عنك.

 

حتى لو كان متابعو الشيخ الوقور قليل بالنسبة لمن يتابعون الآخرين، سواء من أصحاب الرسالة السامية أو غيرهم من ذوي الظرافة، فإن متابعي هذا الشيخ، في الميزان أثقل من أولئك.

 

إذا كنت واضح الهدف، عرفت أين تتجه، فاختر طريقك وحدد معالمه، وكيف تصل إليه، ولا تكن كسفينة وسط البحر يتقاذفها الموج ليست لها وجهة محددة، فالمجتمع يشكل شخصيتك، والقريبون منك يؤثرون في توجهك، فنراك يوماً هنا وآخر هناك.

 

لقد عرفتك حافظاً لكتاب الله بالإجازات، وعرفتك ثانياً ركبتك عند العلماء والمشايخ، وقرأت في سيما وجهك مستقبلاً زاهراً وعقلاً وافراً، حريٌ -مع الصبر والدأب- أن تكون ذا مكانة بين طلاب العلم، -وإن كنت لا أحب هذه اللغة التي قد تؤثر في نيتك الصالحة-وها أنا اليوم أراك في وسائل التواصل قد اتخذت طريقاً آخر ليس طريقك السابق.

 

لا أستهجن طريقك الجديد، ولكني أستهجن ترددك الواضح بين الطريقين، وأرى أنك لست كالآخرين، ومثلك ينبغي أن يكون ذا وقار وسمت يناسب شخصيتك.

 

وأعلم جيداً أن بعض الظرفاء ذوي الرسالة السامية –ومنهم دعاة- خير من ملء الأرض من ذاك الذي عرفناه شيخاً وقوراً.

 

وأريدك أن تعلم أني لا أقصد أن يكون وقارك ومروءتك المزعومة وبالاً على نفسك أو على الناس، فتكون مكفهرّاً مقطباً، جاداً في كل أحوالك، لكن موازنة الأمور مطلوبة، بحسب كل حال.

 

وقد وجهت رسالتي هذه خاصة لك، وقد أوجه رسالة أخرى لآخر أدعوه لعكس ما دعوتك له، فلكل حالة لبوسها.

 

* للاطلاع على منارات .. (4) ..
ألا سجرت بها التنور؟!

* للاطلاع على منارات .. (6) ..
لك أو عليك !