ارتفاع نسب الطلاق عربيا....إلى أين ؟!
17 محرم 1439
د. زياد الشامي

لم يكن خبر ارتفاع حالات الطلاق في الجزائر بالأمر المفاجئ أو غير المتوقع فمؤشر معدل الطلاق في الدول العربية عموما يميل منذ سنوات نحو الارتفاع لا النقصان أو حتى الثبات عند حد معين على أقل تقدير وللأسف الشديد .

 

 

آخر الأرقام الصادمة التي نقلها المركز العربي للتعبئة والإحصاء تقول : إن 6 حالات طلاق تحدث في الجزائر في كل 60 دقيقة ، وتُظهر الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن الديوان الوطني للإحصاء في شهر يوليو "جويلية" 2017 ارتفاع معدلات الطلاق خلال سنة 2016 بنسبة 4% مقارنة بمعدلات الطلاق لسنة 2015 بزيادة وصلت إلى 62 ألف حكم طلاق .

 

 

ارتفاع نسب الطلاق في الجزائر جاء بالتوازي مع انخفاض معدلات الزواج إذ تراجع عدد الزيجات خلال العام 2016 عن مثيلاتها في 2015 من 9% إلى أقل من 8.73% وهو الانخفاض الذي يُقدر بـ12ألف حالة زواج , بينما يُقدر عدد الأطفال الجزائريين الذين يقعون ضحايا للانفصال بـ100 ألف طفل جزائري.

 

 

المركز العربي للتعبئة والإحصاء وضع الجزائر في المرتبة الخامسة ضمن قائمة الدول العربية التي ترتفع فيها حالات الطلاق بمعدل 6 حالات في كل ساعة .

 

 

ليس حال بقية الدول العربية فيما يتعلق بارتفاع نسب الطلاق بأحسن حالا من الجزائر , فكثير من الإحصائيات تشير إلى ارتفاع غير مسبوق في معدل الطلاق عربيا .

 

 

فقد نشرت صحيفة "التليغراف" البريطانية دراسة تناولت نسب الطلاق المرتفعة عربيا وعالميا , كما أن البيانات الصادرة عن الجهات الحكومية العربية المختصة تشير إلى أن هناك ازديادا مطردا في معدل الطلاق في عموم ديار الإسلام .

 

 

الدراسة قالت : إن أعلى نسبة طلاق عربيا هي الأردن بحسب عدد السكان , حيث أكدت الدراسة أن نسبة الطلاق بين الأردنيين بلغت 2.6 % لكل 1000 من السكان، وتفوقوا بذلك حتى على كثير من الدول الغربية بما فيها بريطانيا وفرنسا والسويد ، وحلوا في المركز الـ16 عالميا.

 

 

الكويت حلت في المركز الثاني عربيا حسب الدراسة بنسبة 2.2 % لكل 1000 من السكان ، أما مصر فقد جاءت في المركز الثالث بنسبة 1.9 %، مقابل 1.8 %في لبنان , واحتلت الجزائر المركز الخامس بنسبة 1.5 % لكل ألف من السكان وتلاهم في المركز السادس السعودية بنسبة 1.1 %، مقابل 1 %عند السوريين , وجاءت قطر في المركز الثامن بنسبة 0.8 % ثم البحرين 0.7 % وأخيرا ليبيا بنسبة 0.3 % .

 

 

أن يكتشف القارئ أن ارتفاع نسب الطلاق عربيا قد وصل إلى درجة أنه في كل 4 دقائق هناك حالة طلاق في مصر "مثلا" حسب تقرير صادر عن مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري ......هو بالفعل خبر صادم ومرعب خصوصا إذا علم المتابع أن هذه النسبة ليست ثابتة بل قابلة للنمو والازدياد في مستقبل الأيام إن استمر الوضع على ما هو عليه اقتصاديا واجتماعيا و..........

 

 

لا شك أن هناك الكثير من العوامل والأسباب التي تقف وراء ارتفاع معدلات حالات الطلاق عربيا , وإذا كان الكثير من الخبراء والباحثين والمختصين يرون في سوء الأحوال الاقتصادية في بعض الدول العربية عاملا رئيسيا في هذه النسبة المرتفعة , بينما يرى بعضهم الآخر الأسباب الاجتماعية هي العامل الأبرز والأهم......فإن الحقيقة التي تؤكدها الوقائع أن الجهل بدين الله وعدم التمسك بأحكامه والالتزام بأوامره ونواهيه والتخلق بأخلاقه وآدابه هو السبب الرئيس في هذه النسبة المرعبة لأبغض الحلال عند الله .

 

 

سوء اختيار أحد الزوجين للآخر يقف برأي الكثير من علماء الشريعة الإسلامية في مقدمة أسباب ارتفاع معدل الطلاق , إذ يمكن ملاحظة مخالفة الكثير من شباب الأمة لتعاليم الدين الخاتم في معيار اختيار الزوجة , فبينما يدعو الإسلام الشباب إلى تقديم صفة الدين على غيرها من الصفات عند العزم على الزواج من خلال قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) صحيح البخاري عن أبي هريرة برقم/5090 .... نجد أن الكثير منهم يميل إلى تغليب معيار الجمال والمال والحسب والنسب والجاه على الدين الذي قد يكون في آخر القائمة و قد لا يكون فيها أصلا في بعض الحالات .

 

 

من جهة أخرى يمكن ملاحظة تغليب الكثير من أولياء الفتيات العنصر المادي على الخلق والدين الذي رغب فيه الإسلام في المقام الأول وحذر من عواقب عدم تزوج من يتوفر فيه الخلق والدين على المجتمع بأسره , ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ 9 سنن الترمذي برقم/1084

 

 

وإذا أضفنا إلى سوء الاختيار عدم تقوى الله في معاملة كل من الزوجين للآخر , بالإضافة لعدم مراعاة كل منهما لحقوق الآخر التي أمر بها الإسلام ومن شأنها أن تحفظ كيان الأسرة من الانهيار , ناهيك عن عدم التقيد بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم من أحكام إدارة الخصومة والشقاق بين الزوجين إن حدث ......فإنها جميعا قد ساهمت بشكل بارز في ارتفاع معدل الطلاق في المجتمع المسلم .

 

 

لا يمكن التكهن بالمستوى الذي يمكن أن تصل إليه نسب الطلاق في الدول العربية والإسلامية مستقبلا إن لم تبادر الحكومات والمؤسسات والهيئات والجمعيات المعنية للقيام بدورها المنوط بها لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد أهم قلاع المجتمع المسلم .