18 محرم 1439

السؤال

كيف تنصحوننا في التعامل مع القرآن حتى لا نكون هاجرين له؟ وهل مجرد قراءته يوميا يكفي للفرار من مسمى الهجر؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد
فالقرآن الكريم كلام الله سبحانه، وهو الهدي المنير، والسبيل القويم لمن استمسك به، وهو النجاة لمن جعله نصب عينيه.
يقول سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

 

والقرآن منهاج المؤمنين، الجامع لجميع معاني الفضل والخير والهدى، المهيمن على ما قبله من الكتب السماوية المنزلة، الحاوي لما بها من خير، يقول سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}.

 

ولا صلاح ولا فلاح للمؤمنين إلا باتباعه، والقرب منه، والاستضاءة بنوره، والحفاظ على تعاليمه، والدعوة إلى رسالته الإيمانية العظيمة.

 

وقد أمرنا ربنا سبحانه بتدبر آياته، وتلاوته، وتطبيق ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.

 

وللأسف فإن فئاماً من أمة الإسلام، تهاونت في أخذه، وهجرته، وغفلت عن أمره سبحانه بأخذه بقوة {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

 

وقد أوضح ابن القيم رحمه الله أن هجر القرآن على خمسة أضرب:
هجره بعدم قراءته أو الاستماع له، أو بعدم التحاكم إليه، أو بعدم العمل به، أو بعدم الاستشفاء به، أو بعدم تدبره.. فأي واحدة من الخمسة وقعت فقد هجر القرآن.

 

فالذي يحفظ القرآن ويقرؤه لكن لا يتدبره - وهو يستطيع أن يتدبره – فهذا نوع من هجره، ومن لم يستطع التدبر أقول له: تعلَّم، قال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ}.

 

والتدبر يختلف عن التفسير، فالشنقيطي رحمه الله يقول: كل من عرف اللغة العربية استطاع أن يتدبر القرآن، فلا عذر له.

 

فالأمر إذن كما قال الغزالي رحمه الله أن: تلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ.

 

كذلك فلا بد ألا يُكتفى بالقراءة ولا بالاستماع، بل لا بد من العمل والتحاكم والاستشفاء، أي معالجة أمور الأمة العامة والخاصة بالقرآن.

 

قال بعض أهل العلم: "من لم يقرأ القرآن فقد هجره، ومن قرأ القرآن ولم يتدبَّر معانيه فقد هجره، ومن قرأه وتدبَّره ولم يعمل بما فيه فقد هجره".
جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته..

 

وليرجع لقوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا} وينظر إلى كلام ابن القيم وكلام ابن كثير وغيرهما وسيجد جواباً عجيباً في هذه المسألة.
وفقكم الله.