دير الزور....المحرقة مستمرة
23 محرم 1439
د. زياد الشامي

لم يحدث أي تغيير على سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها روسيا منذ أشهر في حلب عما تفعله وتمارسه منذ أسابيع في محافظة دير الزور , بل ربما تجد لهستريا قصفها الوحشي ومحرقتها المستمرة على البشر والحجر والشجر في دير الزور غطاء وذريعة يتمثل بوجود ما يسمى "داعش" هناك .

 

 

كثافة القصف الروسي والغارات لم يقتصر على الطائرات الحربية الحديثة فحسب , بل وصل إلى استخدام الدب الروسي لغواصاته الحربية في البحر الأبيض المتوسط التي أطلقت صواريخ "كاليبر" على مدن وأحياء المحافظة المنكوبة .

 

 

عدد الغارات الجوية التي تستهدف المحافظة مؤخرا والذي وصل إلى 150 غارة يوميا باعتراف وزارة الدفاع الروسية يكفي لتخيل حجم المحرقة التي تتعرض له المدينة و ضخامة ما يعانيه المدنيون الأبرياء من أهوال .

 

 

ما تم توثيقه حتى الآن من مجازر باء بإثمها الاحتلال الروسي في دير الزور يعجز مقال موجز عن ذكرها وإحصائها , فالمقاتلات الحربية الروسية لم توفر حتى المدنيين الأبرياء الفارين من المحافظة باتجاه المعابر النهرية , فسقط جراء ذلك القصف الوحشي عشرات الشهداء الذين اختلطت دماؤهم بماء نهر الفرات الذي اصطبغ بلون دم الشهداء .

 

 

عدد المهجرين حتى الآن تجاوز الــ400 ألف نازح خلال أسبوعين من الحملة الوحشية ضد المحافظة حسب بعض الناشطين , بالإضافة لمئات العائلات التي اضطرت لترك منازلها والمبيت بالبساتين والصحراء خوفا من الغارات والقصف الهمجي المستمر على المدينة .

 

 

لم يوفر القصف الوحشي الروسي النصيري حتى المشافي والمراكز الطبية ما تسبب في خروجها جميعا بشكل كامل عن الخدمة , فقد أفاد ناشطون من مدينة "الميادين" أشهر المدن التابعة لمحافظة دير الزور أن القصف المكثف على المدينة تسبب بإخراج جميع المشافي والنقاط الطبية في مدينة الميادين شرق مدينة دير الزور عن الخدمة , مؤكدين خلو المدينة تماما من الأطباء والصيدليات والأدوية .

 

 

لم يتجاوز دور المنظمة الأممية إزاء المحرقة التي تتعرض لها دير الزور حدود التعبير عن القلق المزيف وإحصاء عدد الشهداء والجرحى وبيان حجم الدمار وتقدير الخسائر بلغة "الدولار" , وهو نفس الدور الذي مارسته في كل من حلب وحمص وريف دمشق و......الخ دون أن تنسى مساواة الضحية بالمجرم واستخدام ألفاظ ومصطلحات توحي وكأن المسألة قتال بين طرفين لا مجزرة ومحرقة يقوم بها طرف ضد طرف آخر أعزل لا يملك سلاحا ولا عتادا .

 

 

نعم....لقد عبرت الأمم المتحدة عن قلقها ودقت "ناقوس الخطر" بسبب تداعيات الضربات الجوية على المدنيين والبنية التحتية في محافظة دير الزور "التي نزح منها أكثر من 95 ألف شخص في 8 أيام" حسب قولها ...إلا أنها أرجعت في الوقت نفسه سبب النزوح بما سمته "المعارك" التي تدور هناك والقتال المستمر بين روسيا وصبيها النصيري والتحالف الدولي الذي يضم معظم دول العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبين عدو مصطنع يضم حفنة من الأشخاص أطلقوا عليه اسم "داعش" ؟!!! .

 

 

لم تنس الأمم المتحدة أن تتباكى على ما يحل بالمدنيين الأبرياء في دير الزور , فقد أفصحت عن جزعها عما يجري في المحافظة بحق المدنيين العزل من خلال تصريحات للصحفيين أدلى بها المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة "استيفان دوغريك" يوم الثلاثاء بمقر المنظمة الأممية بنيويورك , مشيرا إلى قلق المجتمع الدولي حيال سلامة أكثر من مليون شخص في محافظة دير الزور بسبب القصف الذي تتعرض له المحافظة من قبل طيران النظام وروسيا والتحالف الدولي.

 

 

اللجنة الدولية للصليب الأحمر شاركت بدورها الأمم المتحدة قلقها الشديد المزعوم الكاذب إزاء التقارير عن وقوع مئات من الضحايا المدنيين وتدمير المستشفيات والمدارس في محافظة دير الزور , وقالت رئيسة بعثة اللجنة الدولية في سورية ماريان غاسر : "لقد شهدنا خلال الأسبوعين الماضيين ارتفاعا مقلقاً بوتيرة متزايدة في العمليات العسكرية التي ترافقها مستويات عالية من الضحايا المدنيين".

 

 

"غاسر" ذكرت قصة واحدة من القصص المروعة التي تحدث في دير الزور قائلة :  "إن زملائي علموا بقصص مروعة : كعائلة من دير الزور فرَّ  أفرادها الثلاثة عشرمن الغارات الجوية والعبوات الناسفة  التي تحيط وتلقى  طول طريق دير الزور ليفقدوا عشرة من أفرادهم أثناء الفرار".

 

 

من جهته قال "روبرت مارديني" المدير الإقليمي للجنة الصليب الأحمر في الشرق الأوسط  والأدنى : "يجب ألا تتجاهل العمليات العسكرية مصير المدنيين والبنية التحتية الحيوية التي يعتمد عليها بقاءهم" . مضيفا " أن الانتصار بأي وسيلة ليس أمرٌ غير قانوني بل غير مقبول أيضا عندما يتعلق الأمر بهذه التكلفة البشرية ، وندعو مرة أخرى جميع الذين يقاتلون في سورية إلى ضبط النفس والالتزام بالمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي " .

 

 

لا يبدو أن المحرقة التي تتعرض لها محافظة دير الزور بمن فيها وما عليها ستتوقف قريبا , فأطماع المعتدين ومآربهم من وراء مثل هذا الهولوكست لم تعد عصية على الفهم والاستنتاج خصوصا بعد تجربة حلب والموصل , فتهجير أهل دير الزور منها وتدمير كل حجر فيها فضلا عن بناها التحتية هو ما تصبو إليه روسيا وصبيها النصيري بالتنسيق والتفاهم مع ما يسمى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .