مائة عام على وعد بلفور والقادم أخطر
9 صفر 1439
د. زياد الشامي

بضعة أيام تفصلنا عن الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم الذي اشتهر في الأوساط العربية والإسلامية بكونه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" , ففي الــ2 من نوفمبر من عام 1917م أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور وعدا - عرف فيما بعد باسمه - قطع بموجبه وعدا لــ اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة يقضي بتأييد الاحتلال البريطاني إنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين" وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات بين حكومة بريطانيا من جهة واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى .

 

 

وعلى الرغم من أن نسبة اليهود في فلسطين المحتلة عام 1917م لم يكن يتجاوز الــ 5% فقط إلا أن ذلك لم يمنع المحتل البريطاني من اقتراف أعظم جريمة عرفها التاريخ بحق شعب مسلم ما زال يعاني من ويلات وآثار تلك الجريمة النكراء وبحق مقدسات إسلامية تعرضت في عهد الاحتلال الصهيوني إلى التدنيس والعبث والتغيير .

 

 

لم يتاخر رد الحكومة البريطانية الحالية على طلب منظمة التحرير الفلسطينية على لسان محمود عباس ومسؤولين بالمنظمة بالاعتذار عن وعد بلفور وتقديم تعويضات عن فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين وعن التمهيد البريطاني للاحتلال الصهيوني من بعده ....

 

 

فقد أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" أن بريطانيا ستحتفل بفخر بالذكرى المئوية لصدور "وعد بلفور"، الذي وضع قاعدة لتأسيس دولة "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية المنتزعة من أصحابها .

 

 

"ماي" وفي معرض ردها على الأسئلة خلال جلسة لمجلس العموم البريطاني الأربعاء الماضي قالت : "إننا نشعر بالفخر من الدور الذي لعبناه في إقامة دولة "إسرائيل" ونحن بالتأكيد سنحتفل بهذه الذكرى المئوية بفخر".

 

 

لم يكن تصريح "ماي" مجرد رفض للاعتذار والاعتراف بالجريمة التاريخية الكبرى التي اقترفتها بحق الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية جمعاء فحسب , بل هو تأكيد على العلاقة الوثيقة التي تجمع بريطانيا مع الاحتلال الصهيوني وكشف لحقيقة الموقف البريطاني الرسمي من القضية الفلسطينية .

 

 

والحقيقة أن تصريح "ماي" وإعلان موقف حكومتها الداعم للصهاينة لم يكن بدعا أو خروجا عن سياسة الكذب والنفاق الذي اشتهرت به بريطانيا مع العرب والمسلمين منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى , فبعد إعلان "ماي" الفخر بدور بريطانيا بتأسيس ما يسمى "إسرائيل" في قلب فلسطين تزعم أنها تفهم شعور الفلسطينيين من "وعد بلفور" المشؤوم فتقول : "علينا أيضا فهم الشعور الموجود لدى بعض الناس بسبب وعد بلفور، ونعترف أن هناك مزيدا من العمل يجب القيام به" , مضيفة أن حكومتها تدعم حل الدولتين المزعوم كوسيلة لتسوية "الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" ولكن طبعا بناء على المفهوم الصهيوني الذي ما زال يمنّي المفاوض الفلسطيني بدولة في الأحلام ليس لها على أرض الواقع وجود .

 

 

ردود الأفعال على تصريحات "ماي" المستفزة كانت فلسطينية بامتياز , فقد دانت حركة "فتح" تصريحات "تيريزا ماي" وتصميمها على الاحتفال بمئوية "وعد بلفور" المشؤوم , معتبرة ذلك بمثابة تجديد للجريمة وتشجيع ودعم مباشر للاحتلال .

 

 

"منير الجاغوب" رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة "فتح" أكد أن التصريح يعبر عن انحياز حقيقي لدولة الاحتلال العنصرية وتكمن خطورته في تشريعه للاحتلال , مشيرا أن بريطانيا ستدفع ثمنا غاليا من سمعتها وصورتها جراء احتفالها بذكرى "وعد بلفور"، وأن هذا الأمر سيؤسس لعزلها أمام المجتمع الدولي والمنطقة كلها حسب قوله.

 

 

المتحدث باسم حركة "فتح" أسامة القواسمى قال فى تصريح صحفى مساء الخميس الماضي : إنه كان من الأولى أن تقوم حكومة بريطانيا بالاعتراف بدولة فلسطين بدل الاحتفاء بنكبة الشعب الفلسطينى التى بدأت أولى فصولها بالوعد المشؤوم فى الثانى من نوفمبر 1917م ..... بينما اعتبر أمين عام الرئاسة الفلسطينية "الطيب عبد الرحيم" أن تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية ينم عن جهل بحقائق التاريخ ووقاحة سياسية وإصرار على تأييد الجريمة التى وقعت بحق شعبنا الفلسطيني .

 

 

وزارة الإعلام الفلسطينية أكدت من جهتها أن تصميم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى على الاحتفال بمئوية عام على وعد بلفور وتفاخرها أمام البرلمان بدور بلادها فى إقامة وتكريس دولة الاحتلال "إسرائيل" يعد تكرارا للجريمة السياسية الأكبر فى التاريخ الإنسانى ومواصلة للخروج على كل التقاليد الدبلوماسية .

 

 

بعد مرور مائة على عام على وعد بلفور المشؤوم وحوالي 70 عاما على إعلان الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة لا يبدو أن العدو التاريخي المتربص بالأمة الذي يريد تمزيقها و احتلال أراضيها و نهب خيراتها قد زادته الأيام والسنون إلا تطاولا على الأمة وتصريحا بدعمه وتحالفه مع ألد وأشد أعدائها : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا...........} المائدة/82 

 

 

ولعل ما تشهده بلاد الشام من خطط ومؤامرات لتمزيق دولها وتحويلها إلى كيانات متناحرة ودويلات طائفية تلبي أطماع ومصالح الدول الاستعمارية هو خير شاهد على أن القادم ربما يكون أشد خطر على الأمة من وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو المشؤومتين .