أين يصلي مسلمو فرنسا إذن ؟!
23 صفر 1439
د. زياد الشامي

سؤال قد لا يعني الحكومة الفرنسية التي حرمت مسلمي منطقة "كليشي" شمال العاصمة باريس من مسجدهم بعد إغلاقه , فهي لا تهتم ولا يبدو أنه يعنيها توفير البديل لحوالي 5 آلاف مسلم كانون يؤدون الصلوات المفروضة في المسجد الذي كانت تديره مجموعة اتحاد مسلمي "كليشي" قبل أن يستعيد مكتب عمدة البلدية البناية ويحولها إلى مكتبة !!!

 

 

إغلاق المسجد من قبل عمدة البلدية دون أسباب وجيهة ودون توفير أي بديل لم يثر حفيظة بعض البرلمانيين أو المسؤولين الفرنسيين في المنطقة , بينما أثارهم منظر المسلمين وهم يصلون في الشارع , فحاول نحو 100 عضو في البرلمان الفرنسي، إِعَاقَة المسلمين من إِقَامَة الصلاة داعين الحكومة إِلَى حظر ما يعتبرونه استخداماً غير مقبول للأمكنة العامة على حد قولهم .

 

 

النواب المعترضون الذين قادتهم رئيسة المجلس الإِقْلِيمي لمنطقة "ايل دو فرانس" "فاليري بيكريس" رددوا النشيد الوطني الفرنسي في محاولة منهم للتشويش على نحو مائتي رجل كَانُوا يؤدون صلاة الْجُمُعَة في الشارع .

 

 

رئيس بلدية "كليشي" "ريمي ميزو" لم يكتف بإغلاق المسجد وإجبار المسلمين على الصلاة بالشارع بل طلب من وزارة الداخلية حظر الصلاة في الشوارع متذرعا : بمسؤوليته في الحفاظ على الهدوء و"حرية الجميع" في البلدة !!!

 

 

أما رئيس مجلس باريس الإقليمي "فاليري بيكريس" الذي تزعم الاحتجاج ضد صلاة المسلمين بالشارع فقد قال تصريح صحفي : "لا يمكن الاستحواذ على الفضاء العام بهذا الشكل" .

 

 

أحد شهود العيان روى تفاصيل الواقعة قائلا : "حدثت مشكلة لا نعلم تفاصيلها قامت الحكومة الفرنسية على إثرها بغلق المسجد منذ عدة أسابيع، ما اضطرنا إلى صلاة الجمعة  فى الشارع إثر غلق المسجد، مضيفا :"نؤدى الصلاة فى فترة لا تتجاوز العشر دقائق حتى لا نتسبب فى مضايقة أحد  فى الشارع، ورغم ذلك تجمع العشرات من المواطنين الفرنسيين اعتراضا على صلاتنا، ورددوا بعض الهتافات العنصرية، إلا أننا لم نرد عليهم، وحضرت قوات الشرطة على الفور منعا لحدوث أى احتكاك وأدينا الصلاة وانصرفنا".

 

 

بينما قال أحد سكان "كليشي" الذين صلوا في الشارع الجمعة لوكالة فرانس برس : إنه يود الصلاة في مكان "كريم" كما هو متاح للمسيحين واليهود في فرنسا مشيرا إلى أن أحدا لا يحب الصلاة في الشارع محاطا بقوات الأمن كل جمعة .

 

 

الحادثة تندرج كما يبدو في إطار حملة التضييق على المسلمين في عموم دول القارة العجوز وفي فرنسا على وجه الخصوص لكونها تضم أكبر جالية مسلمة في القارة إذ يُؤكد الكثيرون أن عدد المسلمين في فرنسا قد تجاوز الــ5 ملايين بينما يقول الدكتور محمد البشاري رئيس فيدرالية مسلمي فرنسا عدد مسلمي فرنسا تجاوز 10 ملايين مسلم .

 

 

لا شك أن الطبيعي أن تزداد مساجد المسلمين مع ازدياد عددهم المضطرد في فرنسا أو تبقى على حالها على أقل تقدير لا أن تتناقص بإغلاق بعضها بذريعة أو بأخرى على يد المسؤولين الفرنسيين .

 

 

وإذا أخذنا بعين الاعتبار شكوى قادة المسلمين في فرنسا من عدم إتاحة مساحات كافية لهم لأداء الصلاة مع استمرار الجدل حول بناء مساجد جديدة والتي ينظر إليها حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على وجه الخصوص بعدائية ....فإن أصل المشكلة إذن يبقى من صنع الحكومة الفرنسية في محاولة منها على ما يبدو لوقف زحف تزايد أعداد المسلمين في معقل العلمانية اللادينية في القارة العجوز .

 

 

لا يمكن استبعاد النفس العنصري والعداء غير المبرر لأي مظهر إسلامي في تصريحات و ردود أفعال بعض السياسيين الفرنسيين من منظر صلاة المسلمين في الشارع , فقد قارنت "مارين لوبان" زعيمة الجبهة الوطنية مشهد صلاة المسلمين في الشارع عام 2011م بالاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية , لتتم تبرئتها بعد ذلك من تهمة التحريض على الكراهية ضد المسلمين !!

 

 

قد لا تكون الميزة التي تفضل الله تعالى بها على المسلمين دون غيرهم بجواز إقامة صلواتهم المفروضة في أي بقعة طاهرة على وجه الأرض....هي وحدها التي أثارت حفيظة البرلمانيين وبعض المسؤولين الفرنسيين إزاء صلاة مسلمي منطقة "كليشي" في الشارع , فهناك العداء المتجذر للإسلام والهلع والخوف من استمرار اكتساح الإسلام للقارة العجوز عموما ولفرنسا على وجه الخصوص .

 

 

و يبقى السؤال المنطقي البسيط الذي لا يبدو أن الحكومة الفرنسية في وارد الإجابة عليه هو : أين يمكن للمسلمين - في بلد ترفع شعار الحرية عاليا - أن يؤدوا صلواتهم المفروضة إذن بعد إغلاق مسجدهم والاحتجاج على صلاتهم بالشارع ؟!