الإعلام يشارك في دفن آهات المهجَّرين
1 ربيع الأول 1439
منذر الأسعد

قبل ثلاثة أيام بالضبط،استخدم أرفع مسؤول دولي حقوقي صفارة إنذار شديدة الدويِّ، وأرفق بها بطاقة برتقالية في وجه الاتحاد الأوربي، حيث وصف السياسة الأوربية  إزاء محنة المهاجرين بأنها سياسة غير إنسانية!!

وقبل ذلك بأسبوعين، أصدرت منظمة العفو الدولية " Amnesty International"  تقريراً صادماً عن فظاعات التهجير القسري والتغيير السكاني في سوريا، بعنوان موجع هو: إما أن نرحل وإما أن نموت. وإن كانت الدقة تقتضي تحويل الضمائر في العنوان لكي يصبح: إما أن ترحلوا وإما أن تموتوا!! (( يمكن تحميل التقرير من الرابط: https://www.amnesty.org/download/Documents/MDE2473092017ARABIC.PDF))).

والسؤال الأشد إيلاماً: إذا كان الساسة الفاعلون في الدول الكبرى يلتزمون شعار: لا أرى- لا أسمع- لا أتكلم؛ فما الشعار الذي يطبقه الإعلام العالمي الذي يتجاهل هذه الآهات المبكية الآتية من أماكن كثيرة، حتى إنها تُسْمِع الصُّمَّ ولو تظاهروا بأنهم مُدْبِرون؟؟

الضمير الميت
فقد عبر مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد بن الحسين عن أسفه إزاء الزيادة الحادة في عدد المهاجرين المحتجزين في ظروف مروعة في مراكز الاحتجاز في ليبيا.

 

وقال المفوض الأممي في بيان له: "إن سياسة الاتحاد الأوربي في مساعدة خفر السواحل الليبي على اعتراض المهاجرين في البحر المتوسط وإعادتهم تتسم باللاإنسانية".

 

وأردف: "أن معاناة المهاجرين المحتجزين في ليبيا ثير سخط الضمير الانساني" مشيرا الى ان "ما كان وضعا مروعا قد أصبح حاليا وضعا كارثيا".

 

وأضاف "أن نظام احتجاز المهاجرين في ليبيا قد أصابه الانهيار ولا يمكن إصلاحه" وأنه "لا يمكن إنقاذ حياة المهاجرين وضمان سلامتهم الجسدية سوى من خلال إيجاد بدائل للاحتجاز تصون كرامتهم وتحميهم من التعرض للمزيد من الفظائع".

 

كما أكد ابن الحسين في معرض دعوته إلى إيجاد تدابير قانونية وطنية والغاء تجريم الهجرة غير النظامية لضمان حماية حقوق الإنسان للمهاجرين،  أنه "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يواصل غض الطرف عن الفظائع التي تفوق التصور والتي يعاني منها المهاجرون في ليبيا والتظاهر بأنه لا يمكن معالجة الوضع سوى من خلال تحسين ظروف الاحتجاز".

أكذوبة " المصالحات"
أنجز باحثو منظمة العفو الدولية  تقريرهم الخطير بين  أبريل/نيسان  وسبتمبر / أيلول 2017، واعتمدوا على مقابلات مع 134 شخصاً، منهم بعض السكان النازحين الذين عايشوا الحصار والهجمات، وبعض موظفي المعونة الإنسانية والخبراء الدوليين، والصحفيين، ومسؤولين من الأمم المتحدة.

 

أجرى الباحثون هذه المقابلات شخصياً أو عن طريق الهاتف، أو رسائل البريد الإلكتروني، كما استخدموا في بعض المقابلات تطبيقات الهواتف الذكية.

 

كما دققت المنظمة كثيراً  من تسجيلات الفيديو التوثيقية والصور الملتقطة بالأقمار الصناعية للتثبت  من صحة روايات شهود العيان الذين التقت بهم.

وانتهى  التقرير إلى أن النظام السوري قام بشكل ممنهج ومتعمد بإخضاع سكان داريا، وحلب الشرقية، وحي الوعر، ومضايا لحصار مطول ومنعت عنهم الغذاء والمعونات الإنسانية والطبية والكهرباء والمياه. وشنت هجمات جوية وبرية أدت إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين. كما أن هناك نحو 400000 تحت حصار الحكومة السورية في أنحاء أخرى من سوريا من بينها حي اليرموك في دمشق نفسها، والغوطة الشرقية، وشمال محافظة حمص.

وتنوعت الانتهاكات التي مارسها النظام السوري، بين الحصار والقتل غير المشروع، والتهجير القسري، وكلها أمور تسببت بهروب آلاف المدنيين من بيوتهم وأرغمتهم على العيش في ظروف قاسية.

ويطلق النظام على تهجيره السكان من ديارهم اسم " مصالحات" وهو خداع مكشوف، فقد أدت مسرحيات المصالحة هذه بين أغسطس/آب 2016 ومارس/آذار 2017 إلى تهجير السكان من عدة مناطق محاصرة.

 

وطلبت أمنستي من الحكومتين السورية والروسية الرد على ما جاء في تقريرها، لكنهما رفضتا، أما "حركة أحرار الشام" فهي الوحيدة التي ردت نافيةً أي اتهامات لها بمنع دخول المساعدات للمحاصَرين، لكن المنظمة تؤكد أن هناك دلائل وشهادات تثبت ذلك.

وقد نقل التقرير/الفضيحة عن شهوده من الضحايا خشيتهم من ابتلاع حقوق ملكية الأراضي والعقارات التي يملكونها، فالنظام يسعى لفرض مشاريع إعادة الإعمار في غيابهم. وقد استولت عصابات الشبيحة ومرتزقة القتلة الطائفيين المجلوبين من شتى أنحاء الأرض  على منازل كثير من المهجَّرين بعد أن غادروا المنطقة بذريعة أنهم "مطلوبون لأجهزة المخابرات".

 

والغاية واضحة وهي إعادة رسم خريطة سكان جديدة لكل المناطق التي تركها المشرَّدون من مدنهم وقُراهم عنوةً.