إعلام التلاعب بالمصطلحات والنبز بالألقاب
18 ربيع الأول 1439
منذر الأسعد

هل يمكن اتهام نصراني بالانتماء إلى تنظيم سياسي إسلامي – معتدلاً كان أو متطرفاً-؟
سؤال يثير السخرية لأنه مستحيل في أي بلد يحكمه عقلاء.. لكنه حقيقي وحصل مرات ومرات في الدول التي تقع تحت نفوذ الطائفيين الذين ينبزون كل من ينقد شيئاً من ظلمهم بأنه يثير النعرات الطائفية!

القوقعة مجرد نموذج
صدرتْ رواية القوقعة - يوميات متلصص عن دار الآداب في بيروت سنة 2008م، وهي تحكي قصة واقعية بعد حجب الأسماء ووضع أخرى مستعارة بدلاً منها لحماية أصحابها.. وتسرد الرواية يوميّات شاب نصراني سوري اعتقلتْه السلطات السورية لدى وصوله إلى مطار دمشق عائداً إلى وطنه من فرنسا بعد الانتهاء من دراسة الإخراج السينمائي.. وقد أمضى الشاب أكثر من ثلاث عشرة سنة في السجون السورية بتهمة الانتماء إلى جماعة ( الإخوان المسلمون) التي كانت محظورة بشدة، وكان النظام السوري يحكم على المنتمي إليها بالإعدام . وقد اعتُقل الشاب ليس بسبب افكاره السياسية وانما بسبب تقرير كتبه عليه أحد زملائه في فرنسا.

قام الكاتب بكتابة الرواية في ذهنه، ثم نقلها إلى الورق عندما خرج من السجن بمساعدة خاله الذي كان وقتها وزيراً.
وهناك عديد من الوقائع المشابهة، جرى كشفها بعد اندلاع الثورة السورية 2011م وانكسار حاجز الخوف لدى أكثر السوريين..

حتى الملحد.. طائفي
في جحيم المعتقلات السورية تقع تلك الأحداث الغريبة حتى تكاد تستعصي على التصديق، بسبب السلطات المطلقة التي يتمتع بها ضباط المخابرات الدمويون.. فيبقى الشخص المعتقل عشرات السنين من دون أن يسأله أحد أي سؤال.. ويجري تعذيبه باستمرار !!

أما المفارقة المتعمدة فتقع في الإعلام السوري بنسختيه: الرسمية والتشبيحية التي تبث الشائعات والأخبار الزائفة، عن طريق  التواصل الشخصي وحضور المناسبات الاجتماعية، من دون أن يجرؤ مخلوق على مناقشتها  فضلاً عن أن يحاول التشكيك في صدقيتها مهما بلغت من التناقض والتهافت واستحالتها عقلاً ..
هنا تنقلب المكاييل، فيطلق غلاة الطائفيين تهمة الطائفية على كل شخص لا ينخرط في التطبيل للطائفيين..

وبلغت هذه الممارسة المقرفة حضيضها، عندما وصفوا بها صادق جلال العظم – الملحد المعروف- لأنه أبدى رأيه بضرورة زوال النظام فقط لأن عائلته من أهل السنة!

هُمَام آخر الضحايا
والمقصود هنا: همام حوت  الكاتب والممثل المسرحي السوري، وقد انطلقت أبواق المقاولة تنبحه وتتهمه بالطائفية، منذ شهرين، عندما أطلت الحلقة الأولى  من برنامجه  الساخر المخصص لتعرية الطائفية ..

علماً بأن الرجل علماني واضح في أطروحاته ومحتويات برنامجه ..

ومع أنه ينقد الجميع بلا تردد..

لكن المفارقة الأنكى بكل مقياس موضوعي،  رأيتُها لدى أقلام تدعي أنها مع الشعب السوري وأنها تؤيد ثورته!  فأحد هؤلاء الدجالين يتهم همام حوت بالانتماء إلى جبهة النصرة –حتة واحدة على قول أشقائنا المصريين!-.

وهذا الداء من أسوأ الأمراض التي ابتُليتْ بها الثورة السورية.. فقد انحازت الأقليات في جملتها إلى حلف الإبادة الجماعية لأهل السنة.. وأعلن أفراد قلائل من أبناء تلك الأقليات تأييدهم للثورة.. وأثبت بعضهم صدق دعاواهم..

وسقطت أقنعة آخرين ينافسون الطائفيين في بغض الإسلام وكراهية أهله .. ولذلك لا يكاد ينجو مسلم من ألسنتهم القذرة التي تنعته بالتطرف وربما بالإرهاب، حتى اضطر كاتب علماني شرس –من أصل سني- أن يقول لهذه الفئة الكاذبة في ادعاء الثورية: إن المسلم الجيد عندكم هو من يستسلم لخناجر الشبيحة ويموت من دون أن يتأوه .. فإذا تنهد من الألم فهو داعشي!!