عَسْكرة الديمقراطية!
18 ربيع الأول 1439
د. جاسم الشمري

قرابة ستة أشهر فقط هي المدة الزمنية المتبقية للانتخابات البرلمانية العراقية القادمة، والتي - كما يبدو- استعدت لها الأطراف الحاكمة بكافة صنوفها المدنية والعسكرية لأنها تعلم أن المرحلة القادمة مفصلية وبحاجة إلى اصطفافات سياسية كبيرة.

 

اليوم صارت مليشيات الحشد الشعبي المدعومة سياسياً ودينياً القوة الأولى في البلاد، وتعدّ القوة الأكبر التي أنهت دور وزارة الدفاع وصارت هي المتحكم بالعمليات العسكرية رغم استمرار وجود الوزارة بوزيرها وهياكلها المتنوعة.

 

حالياً هنالك تحركات جادة لقلب الطاولة السياسية في العراق، ولهذا صرنا نسمع بإقالات واستقالات جماعية – حقيقية ومُزيَّفة- من الحشد الشعبي تمهيداً للدخول في الانتخابات القادمة.

 

وقبل عدة أيام أعلن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، تشكيل حزبه الجديد "عطاء" لدخول الانتخابات المقبلة، وأن حركته "ستكون ملتزمة بالدستور وتوصيات المرجعية الدينية".

 

حُمَّى تشكيل الأحزاب لم تتوقف عند رئيس هيئة الحشد الشعبي بل إن مليشيا "عصائب أهل الحق" أعلنت عن تسجيل كيانها "صادقون" لدى المفوضية، وكذلك أعلنت مليشيات "كتائب سيد الشهداء" تشكيل كيان "منتصرون" بزعامة مهدي الموسوي، فيما أسس المتحدث باسم الحشد أحمد الأسدي، " تحالف المجاهدين".

 

ولا ندري إن كانت هنالك قيادات أخرى من الحشد تمتلك كيانات سياسية جديدة، وكلامنا هنا عن الكيانات المعلنة فقط.

 

في الواقع لا يمكن تفهم هذه الخطوات وفقاً لأي قانون، أو نظام تمت الموافقة على تشكيل هذه الكيانات السياسية رسمياً في بلاد يحظر فيها قانون الانتخابات دخول المليشيات في اللعبة السياسية!.

 

وتنص المادة (8) من الفصل الثالث، (حق الترشيح)، من قانون انتخابات مجلس النواب العراقي، الذي أقره البرلمان نهاية العام 2013: يشترط في المرشح لعضوية مجلس النواب ما يلي:-

خامساً: أن لا يكون قد أثرى بشكل غير مشروع على حساب الوطن، أو المال العام.

 

سادساً: أن لا يكون من أفراد القوات المسلحة أو المؤسسات الأمنية عند ترشحه.

 

وبالتركيز على هاتين المادتين نجد أنهما ينطبقان على غالبية الأحزاب التي تشارك اليوم في العملية السياسية، فما من حزب إلا وقد أثرى بشكل غير مشروع من المال العام، وما من حزب إلا ويملك مليشيات مسلحة بما فيها حزب الدعوة الحاكم الذي يملك ثلاث ألوية، كما سبق للقيادي في الحشد الشعبي كريم النوري أن صرح بذلك!

 

وقانون هيئة الحشد الشعبي نص هو الآخر على" منع مشاركة الفصائل العسكرية، أو قادتها، في الحياة السياسية العامة، أو الانتخابات النيابية"!.

 

الترشح العشوائي، وتشكيل الأحزاب المسلحة حقيقة- والمؤطرة بأطر مدنية في الظاهر- لا يمكن أن تُنهي الإشكالية العراقية المعقدة التي تحتاج لقيادات واعية تمتلك القدرة على تغيير موازين القوى لصالح دولة المواطنة وليس لصالح دولة اللاقانون الحالية.

 

يبدو أن قيادات الحشد تريد استغلال مرحلة ما بعد هزيمة "داعش" في العراق على اعتبار أنها شاركت في المعارك ضد التنظيم، وهذا نوع من الاستغلال غير المبرر لأنهم لو كانوا يعملون كـ"مجاهدين" كما يدعون لما كان يفترض بهم انتظار ثمار جهادهم الكفائي، وإلا فهذا يعني أنهم رتبوا الأوراق لهذه المرحلة، ولبسوا ثوب "الجهاد" لتحقيق غايات استراتيجية ضيقة، وهذا لا يتفق مع الحالة الوطنية، أو حتى "الجهادية" التي يدعونها.

 

هذه الألاعيب السياسية مهزلة جديدة تضاف لمهازل التعامل والتخاطب مع العراقيين، وإلا كيف يمكن لقياديين في مليشيات مسلحة أن يعلنوا الدخول في عملية سياسية يقال عنها "ديمقراطية"، كيف يحصل ذلك، وما هي الأهداف الاستراتيجية لهذه الخطوات غير الاعتباطية، وأظن أن قادم الأيام ستكشف مزيداً من خفايا هذه التحركات غير القانونية، وغير الدستورية، وغير البريئة؟!.

 

التلوث الديمقراطي الواضح في المشهد العراقي ناتج عن تَشَنُّجات سياسية ومستمرة، بدءاً من الخلافات الشيعية – الشيعية، والمواجهات الشيعية - الكردية، والاستهداف الشيعي لغالبية من يمثِّلون السنة في العملية السياسية، وعليه فهذه الفوضى الديمقراطية مدروسة ومطبوخة بعناية، ويُراد منها الحصول على الحصة الأكبر من الأصوات الانتخابية للبقاء على سدة الحكم، ولو بأسماء متورطة بدم العراقيين، وهذه من أكبر صور نحر الديمقراطية التي يتغنون بها!.

 

المصدر/ الهيئة نت