لعبة توعد داعش بكريسماس أوروبي دموي
2 ربيع الثاني 1439
أمير سعيد

إذا كان من خدمة يمكن أن يسديها تنظيم داعش لأجهزة الاستخبارات الأوروبية فهي تلك التي ينفذها بحذافيرها في أكثر البلدان الأوروبية كثافة إسلامية، حين يباشر أعمال عنف متنوعة تسيء إلى الإسلام والمسلمين وتلصق ظهورهم إلى الحائط أمام أكبر موجة ترهيب واتهام وإساءة تستهدفهم في العقود الأخيرة.

 

 

يمضي التنظيم المصطنع لمحاربة الإسلام حثيثاً في طريقه المرسوم للإضرار بعشرات الملايين من المسلمين في أوروبا، الذين بات تناميهم يمثل تحدياً كبيراً للقارة "المسيحية" التي تنثر مراكزها البحثية أوراقها المتعددة للخلوص إلى أيسر الطرق وأنجعها لطرد هذا "الضيف غير المرغوب به" من بلدانها أو إجهاض عملية تمدده ونموه.

 

 

يجلس الخبراء يتباحثون: كيف يمكن الحد من الحضور الإسلامي في أوروبا من دون المساس بالحريات العامة، وتجنب إظهار العداء لحرية الاعتقاد والتعبد التي تكفلها الدساتير الأوروبية جميعها؟!

 

 

المسألة تعد معضلة بالفعل، فثمة مهاجرون، لكنْ أيضاً هناك مسلمون أصليون ذوو جذور أوروبية لا يمكن طردهم من بلادهم وبلاد آبائهم، وإذ يتزايد عدد المسلمين؛ تغدو مهمة إيقاف نموهم عسيرة في ظل القوانين الأوروبية الحالية "المتسامحة" إلى حد ما. وإن أي وسيلة للتضييق على المسلمين في أوروبا قد تجابه باعتراضات من قطاعات تراجع تأثير الدين لديهم واعتنقوا مبادئ ليبرالية قد نشؤوا في كنفها، ولتجيير هؤلاء باتجاه العداء للمسلمين والمهاجرين لابد من تقوية اليمين المتطرف، وتغذيته بأسباب انتشاره. تنظيم داعش يقوم بهذا الدور على وجهه الأكمل الآن.

 

 

وقعت مهمة تجييش الأوروبيين ضد الوجود الإسلامي على عاتق تنظيم داعش، كما وقع كذلك على عاتقه تشويه أي قضية عادلة أخرى خارج أوروبا كالقضية السورية أو الليبية أو غيرها؛ فسار في هذا الطريق المرسوم.

 

 

قبل ثلاثة أسابيع من احتفال الأوروبيين بعيدهم، الكريسماس، سربت دوائر غربية ما قيل إنه تهديدات داعشية بتحويل أوروبا "إلى برك دماء"، وفقاً لتطبيقات الرسائل "الشبكة المظلمة"، التي تناقل عبرها من قيل إنهم منتمون للتنظيم الغامض (الذي عادة ترصد أخباره دوائر استخبارية قبل وسائل الإعلام الاعتيادية!)، صوراً تهدد أسواق الكريسماس في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ومن بين الصور التي كشفت عنها شركة "بلاك آوبس"، واحدة تظهر رجلا مقنّعا بزي أسود يخفي كامل جسده. وأمامه "سانتا كلوز"، راكعا ومقيد اليدين، وتتوسط الصورة رسالة تهديد كُتبت بالإنجليزية والفرنسية والألمانية تقول: "قريبا في أعيادكم".

 

 

صور أخرى لشارع الشانزلزيه الشهير بباريس، تحمل تهديداً يقول: "سنجعل أعياد رأس السنة جحيما" وفقاً لصحيفة ديلي ميل البريطانية، وأخرى لساعة بيغ بن اللندنية توعد التنظيم بتدميرها، في صورة أخرى حملت عبارة تقول "سندمر دولتكم كما دمرتم دولتنا"، كما يظهر في صورة أخرى أحد أفراد التنظيم مقنع ويرتدي ثياب سوداء المعروف بها التنظيم، فوق سانتا كلوز في شارع "ريجنت" في لندن، وأضواء الاحتفال في الخلفية.!

 

 

وعلى الجهة الأخرى من الأطلسي، قالت صحيفة مترو البريطانية إن تنظيم داعش وجه تهديدا جديدا بشن هجوم على مدينة نيويورك، وتحديداً في ميدان تايمز سكوير، أكثر المناطق حيوية في المدينة، في الكريسماس، وجاء التهديد عبر صورة تظهر سانتا كلوز يقف على سقف مبنى منخفض وبجواره صندوق من الديناميت.

 

 

ما يستنتج مما سبق أن التهديدات تقصدت أكثر المدن الغربية كثافة للمسلمين، باريس، لندن، برلين، نيويورك، ومعظمها في أوروبا التي يتغذى اليمين الصاعد على جانبي الأطلسي على خسة هذا التنظيم، لا على حماقته المتوهمة.

 

 

يعرف القاصي والداني أن أيا من هذه العمليات التي تنفذها الأدوات المغيبة عقلياً لا يمكن أن تفضي إلى عمل إيجابي يفيد المسلمين، ولا يمكنها أن تحقق أي هدف استراتيجي، كما لا يمكنها أن تمثل هدفاً تكتيكياً أو مرحلياً، وأن غاية حظها من التأثير هو في "النكاية في أهل الإسلام" والجاليات والأقليات المسلمة.

 

 

ينضاف إلى هذا الهدف الحقير، الإساءة إلى قضية المسلمين الكبيرة، القدس في أوج انتفاضة الفلسطينيين رفضاً لـ"وعد ترامب"، فليس أفضل من هدية كهذه يمكن أن تهديها عملية إرهابية كبيرة في قلب أوروبا للإضرار بحق المسلمين في حماية ورعاية مقدساتهم.

 

 

ولهذا وذاك؛ فإن تنفيذ مثل هذه التهديدات هو أمر وارد؛ فالمناخ مهيأ تماماً لكي يقدم سليب العقل والإرادة على تنفيذ أجندة عملاء داعش للإساءة للمسلمين داخل وخارج أوروبا، وهي الأجندة التي تسدي أكبر "جميل" للأجهزة الاستخبارية الغربية التي لم يعد تشجيعها لليمين المتطرف في أوروبا وتواطؤها معه، ورعايتها لأنشطته الإجرامية، ودعواته الفاشية، موضع إنكار.

 

 

إن عملية دهس في هذه العاصمة أو تلك، تذكرنا على الفور بالخذف (إلقاء الحصى الصغيرة) الذي "لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو"– كما في الحديث الصحيح –؛ فهو عمل آثم عبثي لا يفيد المسلمين أبداً بل يضرهم أيما ضرر، فضلاً عن جرمه الشرعي، ويزيد من حظوظ نيل الآخرين منهم، ويزيد حجتهم لدى شعوبهم للتضييق عليهم، ويجيش الشعوب ضدهم في واحدة من أكثر المراحل التي تمر على المسلمين استضعافاً وقلة حيلة ووهناً. إن المسلمين في أوج قوتهم وأعلى مستويات تمكنهم لم يتصيدوا غيرهم في أعيادهم قتلاً وتذبيحاً في غير ميادين الحرب الشريفة هكذا كما تفعل داعش لا ديانة ولا حرباً؛ فكيف يصنع ذلك المتأخرون المستضعفون ما يمثل استفزازاً وتأليباً ضد المسلمين وقضاياهم العادلة؟!