من هدي حديث نبوي كريم.. " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل "
6 رمضان 1439
د. خالد رُوشه

يقول صلى الله عليه وسلم " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " أخرجه مسلم

ههنا تطبيق تنفيذي لمفاهيم الأخوة الإيمانية الراقية، إذ هي ليست مجرد مواعظ في المؤاخاة، ولا فقط نصائح في العطاء، بل هو فعل وسلوك وحركة..

 
إن المسلمين فى العالم يعانون من أنواع المعاناة المختلفة، فمنهم الفقير، ومنهم المهجر، ومنهم الخائف، ومنهم المستضعف، ومنهم اللاجىء العائل ومنهم المريض ومنهم العاجز، وغالبهم لايجد من يواسيه أو يحمل همه أو يداوي جراحه أو يربت على كتفه أو يمسح دمعاته

 
وتوجيه النبوة ههنا أن : انفع أخاك المؤمن بما تستطعه، ومن استطاع خيرا لاخيه فليقدمه له.. وبالتالي لايبخل أحدكم على المؤمنين بشىء مما قد أنعم الله عليه، أو حتى بشىء في مقدوره

 
يقول سبحانه :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ "، قال الشوكاني عند هذه الآية: أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف

 
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر " متفق عليه.
 

إن رابطا إيمانيا خفيا يربط قلوب المؤمنين جميعا مهما تباعدت بهم الأماكن، وحجزت بينهم الحواجز، هو أوثق من أي رباط مادي، إذ يُنبت في صدورهم محبة بينهم، وينشىء في نفوسهم حرصا على الخير لهم، ويحيى في عقولهم اهتماما بشئونهم، بل إنه يجعلهم وكأنهم بالفعل جسد واحد مترابط متعاضد البنيان.
 

إنه رابط يدوم ولا ينقطع، ويثاب المرء باستمساكه به، ويهب قيما فاضلة بين الناس، فيعلي الحق، ويدافع عن المظلوم، ويرحم الضعيف، ويكفل الفقير، ويجبر الكسير، كل ذلك ابتغاء وجه الله سبحانه.
 

بل إن أثره بين المؤمنين يستمر حتى بعد الحياة، فيظل صاحبه يثاب بصدقته الجارية أو بعمله ذي الاثر الباقي ما يجعل الأحياء يدعون له ويذكرونه بالجميل، ثم تكون المكافأة الكبرى إذ يتوج رباط الإيمان في الحياة بأخوة وصحبة في الآخرة.
 
 
وفي صحيح مسلم عن المنذر بن جرير، عن أبيه، قال: كنَّا عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صدر النهار قال: فجاءه قومٌ حفاةٌ عراةٌ.. فتمعرَّ وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثمَّ خرج فأمر بلالًا، فأذَّن وأقام فصلَّى، ثم خطب فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ إلى آخر الآية إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1] والآية التي في الحشر اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحشر: 18]، تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره - حتى قال - ولو بشقِّ تمرة. قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّة كادت كفُّه تعجِز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتَّى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يتهلَّل، كأنَّه مذهبة، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسَنةً، فله أجرها، وأجر من عمِل بها بعده من غير أن يَنقُص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سُنَّةً سيِّئةً، كان عليه وزرها، ووزر مَن عمِل بها من بعده من غير أن ينقُص من أوزارهم شيء " أخرجه مسلم.

 
 إنه لا عذر لأحد في أن يبيت هنيئا بينما اخوانه مهمومون، او ينام ساكنا بينما البرد القارص ياكل أجساد الصغار، والجوع المهلك يؤلم الأسر الفقيرة المهجرة، والخوف المرعب يحيط بالأرامل والنساء اللاتي فقدن أزواجهن، والحزن القاتل يهجم على قلوب الثكالى.
 
 
 هذا الحديث يعلن لنا أن معاني الإيمان تلك ليست مجرد معان جامدة، ولا نظريات مكتوبة، بل إنها تطبيق وعمل، وتحرك وإيجابية وعطاء، ودفع تنفيذي نحو المسارعة بالمنفعة