السياسة الغربية: نفاق الطبع لا التطبع
14 شوال 1439
منذر الأسعد

نظلم مؤسس النفعية في السياسة الغربية – ميكافيللي- إذا حصرنا نفاق قومه في شخصه؛ فالغاية تبرر الوسائل، شعار متجذر في الثقافة الغربية المعاصرة حتى أصبح "بصمة" مميزة لها وخاصة في الحقل السياسي. ولذلك يُنْسَبُ إلى الثعلب البريطاني الشهير ونستون تشرشل أنه مر بقبر مكتوب عليه: هنا يرقد السياسي العظيم والرجل الصدوق فلان .. فابتسم بمكره المعهود وقال: هذه أول مرة أرى فيها قبراً يضم اثنين من الموتى معاً!

 

انقسامات أوربية
تصاعدت مؤخراً موجة المهاترات بين فرنسا وإيطاليا، إثر خلاف نشب بين باريس وروما حول الموقف من سفينة أكواريوس التي تضم 600 من المهاجرين غير النظاميين.

 

رفض الطليان استقبال السفينة فانتقدتهم الفرنسيون، وإذا برئيس الحكومة الإيطالية يشتم فرنسا ويقول إن بلاده لا تحتاج إلى دروس من دولة منافقة! .. و"تطوعت" إسبانيا لأداء المطلوب فالفضيحة على الهواء ولم يعد بالإمكان سترها!

 

الطليان ليسوا إنسانيين في موقفهم، لكن فرنسا ليست أحسن منهم حالاً.. فمنبع " النور" الغربي ومهد شعارات: الحرية والإخاء والمساواة، لم تستقبل سوى ثمانية آلاف لاجئ خلال السنوات السبع الماضية، بينما استقبلت برلين ما يقرب من مليون لاجئ..

 

لكن خطوة مدريد لم تكن كافية لإخفاء المناحرات الأوربية حول الهجرة واللجوء. فقد أصبح اللاجئون في نظر ساسة القارة العجوز " كرةً" يقذفها كل منهم بعيداً عن مرماه..

 

واضطر أعضاء الاتحاد الأوربي إلى عقد مؤتمر رفيع وعاجل  في محاولة منهم للتوصل إلى حد أدنى من التوافق، لكن رياح المؤتمر سارت بما لا تشتهي سفينة الألمان الذين حملوا العبء الأكبر حتى الآن، فانتعش اليمين العنصري عندهم، واضطرت المستشارة ميركل إلى الدخول في ائتلاف مع أحزاب تناوئ اللاجئين بعامة والمسلمين منهم بخاصة.

 

نهب النفط بلا دعوة
في اليوم الذي تهربت روما وباريس من عبء السفينة أكواريوس، كانت إيطاليا ترسل قوات خاصة إلى سوريا، لمساندة طواويس أوجلان الذين لم يبقَ زنديق على وجه الأرض لم يساعدهم في تهجير العرب من ديارهم، وفي نهب ثروات سوريا من النفط والغاز والماء! فالوليمة هناك لا تتطلب دعوة!

 

وكانت فرنسا قد سبقت إيطاليا إلى " الحرب المقدسة" على حساب الشعب السوري.. وللأمانة والدقة: على حساب العرب أهل السنة فقط وهم أكثرية أهل البلاد منذ 14 قرناً!

 

وقبل أسابيع، فاحت روائح النفاق الغربي في أسوأ دركاتها، عقب افتضاح شركات سويسرية وإيطالية وبلجيكية زودت نظام بشار الأسد بمواد تدخل في إنتاج السلاح الكيماوي !! والأشد قبحاً أن هذه الجرائم وقعت في السنتين الأخيرتين – أي بعد مسرحية 2013 بتسليم بعض ترسانة بشار الكيماوية  ثم استمراره في قتل السوريين بها من خلال 221 هجمة بحسب المنظمات الأممية وهو رقم أدنى كثيراً مما وثقته منظمات حقوقية سورية-

 

ومن نسي فعليه أن يتذكر فضائح الشركات الغربية العديدة، التي زوّدت نظام الأسد ونظام القذافي بأجهزة لكشف الناشطين سنة 2011، بعلم مخابرات بلدانها..

وجميع هؤلاء موقنون أن أجهزتهم ستكون رصاصاً في أيدي الطغاة لإزهاق أرواح ناشطين سلميين يحتجون على نظم الظلم والنهب المنظَّمَيْن التي تحظى برعاية غربية تاريخية!

 

سوء الخاتمة
سبحان الله وبحمده..
بينما أنا في آخر سطور هذا المقال، طالعني نبأٌ خلاصته أن صحيفة الغارديان البريطانية الشهيرة، نشرتْ يوم أمس أسماء 30 ألف لاجئ لقوا حتفهم غرقاً في البحار وهم يبحثون عن دولة تؤويهم من كوارث الحروب الجائرة، التي أشعلها الغرب أو التي يلتذ بمشاهدتها .. واعتبرت الصحيفة هذا التوثيق صفعة للعالَم الذي فقد ضميره.