15 ربيع الأول 1425

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم<BR>الموضوع / استفتاء<BR>ما قول السادة العلماء أئمة الدين ودليل المسلمين وورثة الأنبياء حفظهم الله في حكم المشاركة في ( التصويت في الانتخابات ) في العراق التي ستقام في نهاية العام الميلادي الحالي ؟ علما أن هذه الانتخابات هي لانتخاب أعضاء مجلس كتابة الدستور العراقي بصورته النهائية، وهؤلاء المنتخبون سيضعون قانونا يتحكم بمصير البلاد، والفئة الغالبة على المجلس ستكتب الدستور بشكل يضمن مصالحها ويقوي موقفها ، فقد يرسخ الأعضاء بعض القوانين لنصرة مذهب وطائفة معينة وتقويتها على حساب الآخر، وهذا ما يعد له الرافضة وتدعمهم فيه إيران بالمال والبشر ، أو قد يرسخ الأعضاء فصل الدين عن الدولة ومحاربة الدين ، علما أنه سيشارك في الترشيح لهذا المجلس إسلاميون من أهل السنة ، وهنالك الكثير من أهل السنة ممن لايرغبون في المشاركة فيها مما سيضعف وجودهم فيه ، فما حكم الإدلاء بالصوت في هذه الانتخابات من حيث الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو التحريم ؟ وما حكم مشاركة المرأة في حال اصطحابها من قبل محرم وأمن الاختلاط ؟ وما صفة من يجوز انتخابهم لهذا المجلس ؟ أفتونا مأجورين مع بيان الدليل بالتفصيل لزيادة اليقين حفظكم الله ذخرا للمسلمين . <BR> مسلم عراقي غيور<BR>

أجاب عنها:
عبد الرحمن البراك

الجواب

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه أجمعين و بعد : قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16)، وقال عزوجل : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(المائدة: من الآية2)، وقال سبحانه وتعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)(محمد: من الآية7)،وقال جل شأنه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) (الصف: من الآية14) ، فالواجب على المسلم أن يفعل مما أوجب الله من تقواه ونصر دينه ومن التعاون على البر والتقوى ما يستطيع، كما ينبغي له أن يفعل من الخير ما يقدر عليه مما يكثر الخير ويخفف الشر، ولا ريب أن القوانين التي تضعها الدول التي تنتسب للإسلام لا يراعون فيها ما يوافق ويطابق أحكام الشريعة، بل يراعون فيها مصالح واضعيها والأحزاب التي ينتمون إليها، ويوافق أهواء جمهور الناس والأعراف الدولية ا لتي تعارفت عليها دول الكفر من اليهود والنصارى والمشركين ومن يقفو أثرهم من سائر الدول. ومشاركة بعض المسلمين في وضع هذه القوانين، غاية ما يحصل من ذلك تخفيف الشر الذي ينجم عن تخليهم، فإن ترك المشاركة يمكن للمنافقين والمبتدعين والملحدين من بلوغ المزيد من أهدافهم من نشر مبادئهم ومن محاربة الإسلام والمسلمين وظلمهم، وعلى هذا فتنبغي المشاركة في وضع قانون للعراق، والمشاركة في انتخاب المرشحين لوضع القانون، وذلك لتحقيق الغاية المنشودة، وهي دفع شر الشرين وتحصيل خير الخيرين حسب الاستطاعة، ومن هذا المنطلق لا مانع أن تشارك المرأة في التصويت بانتخاب من يعرف بالعلم والدين والانتصار للإسلام مع الحزم وقوة الحجة، لأن مشاركة المرأة حينئذ فيها نصرة للحق وتقوية لجانبه، لكن مع الاحتشام والالتزام بالآداب التي جاء بها الإسلام للمرأة، والحذر مما يؤدي إلى المخالفات الشرعية ، كالاختلاط ومزاحمة الرجال، ويمكنها تلافي ذلك بأن تستنيب من يسجل مشاركتها. ويجب على من يرشح لهذه المهمة بهذه النية ممن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ويؤمن بقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (الأنعام: من الآية57)، يجب عليه أن يخلص لله في مشاركته وأن يجتهد في تخفيف الشر، وألا يطلب بهذه المشاركة عرضاً من الدنيا ولا جاهاً عند الناس، كما يجب عليه أن يبرأ من كل ما يوضع في القانون من الباطل مما لا يستطيع دفعه، وليس من الحكمة ترك الأمر لأهل الباطل، يحققون مآربهم دون أن يجدوا معارضاً من أهل الحق، بل لو رشح كافران وكان أحدهما مسالماً للمسلمين والآخر شديد العداوة لوجب انتخاب الأول لدفع شر الآخر، وهكذا يقال في سائر من يرشح لوضع قانون البلاد أو لرئاسة البلاد، أو لولاية من الولايات، فينبغي للمسلمين أن يجتهدوا فيما يمكن للخير ويدفع الشر أو يخففه حسب الإمكان، والله تعالى من وراء القصد، والله أعلم. تنبيه : كان فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك قد أصدر فتوى حول موضوع الانتخابات في الدول الإسلامية والعربية بشكل عام،في جواب سؤال أحيل إليه وهذا نص السؤال والفتوى. السؤال : ما حكم الانتخابات والمشاركة فيها ؟ وماحكم دخول البرلمان ؟ الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فإن الانتخابات التي تجري في البلاد الإسلامية، سواء كانت لانتخاب رئيس الدولة، أو لأعضاء البرلمان، أو مجلس الأمة أو الشعب كما يقال، هي دخيلة على المسلمين، انتقلت إليهم من الأمم الكافرة؛ بسبب استيلاء دول الكفر على بلاد المسلمين، وبسبب إعجاب كثير من المسلمين بطرائق الكافرين، وهي طرائق مخالفة لمقتضى العقل والمشروع؛ لأن تعيين المرشحين للانتخاب يقوم على معايير مادية، مصدرها الأهواء والأغراض البشرية، ثم مع فساد هذه المعايير ليس الخيار فيها في الحقيقة للأمة؛ لأنه ليس إليها ترشيح رئيس الدولة، وإنما تختار أحد المرشحَيْن، ثم إن اختياره يقوم على الدعاية، فمن كان أقوى دعايةً وادعاءً كان هو الفائز، ثم إن المعوَّل في هذه الانتخابات على كثرة الأصوات من مختلف طبقات وفئات الشعب، مما يتضمن التسوية في هذا بين عقلائهم وسفهائهم، وعلمائهم وجهالهم، ورجالهم ونسائهم، وبعد هذا كله قد لا يكون فرز الأصوات نزيهاً، بل يكون للرشاوى والوعود في هذا أثر كبير، هذا في البلاد التي توصف بالحضارة والتقدم والديمقراطية على حد قولهم، والتي هي الأصل في هذه الأنظمة، وأما البلاد التي حذت حذوها من البلاد العربية والإسلامية فليس للانتخابات التي تُجرى فيها حقيقة ولا مجاز؛فالرئيس هو الرئيس، وهو المنتخب بنسبة 99% أو أكثر، ومع هذا كله فمن له من الأمة حق الاختيار، من العقلاء والعلماء وصالحي الأمة ونصائحها، وأهل النظر فيما يصلح الأمة في أمر دينها ودنياها، وفي سائر قضاياها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فهؤلاء لا أثر لهم في تلك الانتخابات، فإنهم بين مُسْتَبعد لا يعتد باختياره فلا صوت له في حسابهم، أو مغمور لا أثر لاختياره في خضم الكثرة الكاثرة، ممن لهم حق التصويت والاختيار من سائر الطوائف والطبقات في المجتمع، وبهذا يتبين أن هذه الانتخابات بعيدة كل البعد عن صفة اختيار الإمام، كما هو مقرر في أحكام الإمامة عند المسلمين، وكذلك شروط من يُرَشَّح في هذه الانتخابات، مخالِفةٌ لأكثر الشروط المعتبرة في الإمام، الذي تثبت ولايته بالاختيار حسبما هو مقرر في الفقه الإسلامي. فتبين مما تقدم أن هذه الانتخابات الدخيلة على المسلمين باطلة، وتنظيمها حرام، وذلك لما سبقت الإشارة إليه من اشتمالها على التشبه بالكفار، وارتكازها على الدعاية وشراء الأصوات والدعاوى الكاذبة، وعلى الكثرة الغوغائية التي تبيع أصواتها، بل وتعطي أصواتها لمن يحقق أهواءها دون اعتبار لخلق ولا دين. وأما حكم المشاركة في الانتخابات، والدخول في البرلمان فهو موضع اجتهاد، فإن كان يحقق مصلحة شرعية راجحة، ونصرة للحق وتخفيفاً للشر والظلم، من غير مباشرة لمعصية أو التزامٍ بأصل من أصول الكفر، أو موافقة على حكم من أحكام الطاغوت المخالفة لشرع الله، فالمشاركة في هذا الوجه مشروعة، عملاً بقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (التغابن: من الآية16). ومن ترجح عنده في المشاركة تحصيل هذه المصالح، ودرء تلك المفاسد فلا عليه إذا شارك بنية صالحة، ومن لم يترجح عنده تحقيق المصالح الراجحة، ولم يأمن من الوقوع في الباطل فليس عليه حرج إذا اعتزل تلك الطوائف كلَّها، ونصح لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، كما قال تعالى: ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى، وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِه،ِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (التوبة:91) ، هذا ماتيسر جمعه، والله تعالى أعلم.