22 ربيع الثاني 1431

السؤال

ماحكم المتاجرة بالعملات سواء كان التعامل مباشرة ،أوعبر اللأسواق المالية المعروفة (البورصة)؟

أجاب عنها:
د. خالد الماجد

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فيختلف حكم المتاجرة في العملات بحسب نوعها وصورة قبضها، فأما أنواع التعامل فهي أربعة:
الأول: التعامل الحاضر بتسليم العملة المباعة وتسلم العملة المشتراة في مجلس العقد. وهذا يعد أقل الأنواع وقوعاً وتأثيراً في سوق العملات.
الثاني: التعامل العاجل حيث يتم التسلم والتسليم خلال يومين من تاريخ عقد البيع، مع مراعاة أيام العطلات، حيث لا تحسب ضمن المدة؛ لتوقف الأسواق عن العمل.
النوع الثالث: التعامل الآجل بما يزيد على الفترة المحددة للتسلم والتسليم في التعامل العاجل. وعادة ما يكون خلال شهر أو أكثر، بالسعر المتفق عليه يوم العقد.
النوع الرابع: التعامل بالمقايضة، بأن يبيع عملة بأخرى حاضراً، ثم يشتري ما باعه بما اشتراه آجلاً. وحقيقته أنه استغناء مؤقت عن العملة ثم رجوع إليها.
وأما صور قبض العملة: فمنها المناولة بالأيدي، ومنها التحويل عبر وسائل الاتصال الحديثة (التلفون والفاكس والتلكس)، ومنها الدفع عبر وسائط بنكية، كالشيكات والاعتمادات المستندية والبطاقات الائتمانية، وبناء على تقدم فيجوز التعامل في العملات بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون نوع التعامل حاضراً أو عاجلاً، ويغتفر في العاجل تأخر القبض يومين أو ثلاثة وذلك لعدم إمكانية إجراء التقابض الحقيقي الحاضر للعوضين لظروف خارجة عن إرادة المتعاقدين، حيث إن عملية الصرف تتم عبر بلدان متباعدة وتشترك في تنفيذها أطراف عدة، مما يحتم تأخر القبض هذه المدة حتى تكتمل إجراءاته النظامية. ولأن في منعه ضرراً بالدول والتجار الذين لهم مصلحة راجحة وحاجة خاصة لمثل هذا التعامل من أجل الوفاء بالتزاماتهم تجاه الآخرين حيث إن البضائع المستوردة يتم تسديد أثمانها بالعملات الأجنبية. وبهذا جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي وفيه: (ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل..). ولما في ذلك من التوسعة على التجار.
فأما التعامل الآجل فهو غير جائز لمخالفته الشرط المتفق عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها ببعض ولا تبيعوا الورق (الفضة) بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها ببعض، ولا تبيعوا حاضراً منها بناجز).
كما لا يجوز التعامل بالمقايضة لتضمنه الصرف الآجل وهو محرم كما سبق.
الشرط الثاني: أن يتسلم كل طرف عملته التي اشتراها بما يعد قبضاً حقيقياً، كالمناولة بالأيدي، أو حكمياً، كالشيك المصدق، أو التحويل العاجل الذي لا يمكن إيقافه أو الرجوع عنه، كالبطاقات البنكية التي تخصم من الحساب الجاري مباشرة، فأما التحويل عبر البطاقات الائتمانية فلا يجوز لأمرين:
1- كونها سداد بالآجل يمتد لشهر أو أكثر، وهذه مدة طويلة
2- كون التأخر عن السداد في مدته يرتب على العميل فائدة ربوية.
على أن من الواجب التنبيه إلى أن المضاربة في العملات مضر بالاقتصاد في المآل، وعلى المستوى العام، ولذا نجد الفقهاء يحذرون من جعل النقود مقصودة بالبيع والشراء، لأنها وسائل إلى تحصيل المنافع وسد الحاجات بشراء السلع أو الخدمات، وليست سلعة بنفسها لكي يقع عليها الشراء والبيع ، ولذا فمن صالح البلدان وبخاصة الضعيفة في اقتصادها التنبه إلى خطورة المضاربة في العملات، ووضع كافة الضمانات التي تقي من أضرارها، حتى لا تتكرر مأساة دول جنوب شرق آسيا، حيث أدت المضاربة غير المقننة في عملاتها والتي لم يوضع عليها قيد ولا مراقبة إلى انهيار تلك العملات مما استتبعه ضرر جسيم في اقتصادياتها، بينما سلمت من ذلك الضرر دول أخرى كالصين والهند، وذلك بسبب اتباعها سياسة صارمة في المضاربة في العملات، بوضعها قيوداً شديدة في تدفق العملات الأجنبية إلى أسواقها، أو سحبها منها إلى خارج البلاد، لكن هذه سياسة عامة تتولاها الدولة، وليس الأفراد. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.