16 ذو القعدة 1426

السؤال

هل تدخل الملائكة بيتاً فيه صور لا غنى عنها؛ كالصور التي في جوازات السفر والبطاقات الشخصية, علماً بأن هذه الصور ليست ممتهنة, فهي -على سبيل المثال- لا توطأ ولا تداس, وبما أن الملائكة لا تفرق بين الصور الضرورية والصور التي يجب التخلص منها, فهي على هذا لن تدخل أي بيت فيه هذه الصور؛ لأنها ليست ممتهنة، فما رأيكم؟<BR> الأمر الثاني الألعاب التي كانت موضوعة عند عائشة وكشف عنها الستر، ومن ضمنها الفرس الذي له جناحان لم تكن ممتهنة وقت تعليق الرسول _عليه الصلاة والسلام_ عليها؛ لأنها كانت -إن جاز التعبير- على رف (أي لم تكن ممتهنة)، وهذا يؤدي إلى عدم دخول الملائكة لوجودها, فهل يدل هذا على عدم صدور حكم الصور ووجودها في البيت وعدم دخول الملائكة بسببها في ذلك الوقت, هل كان حديث البنات والفرس قبل التحريم؟<BR>

أجاب عنها:
د.عمر بن عبد الله المقبل

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وبعده:
فقولك أخي السائل: الملائكة لا تفرق بين الصور الضرورية وغيرها ليس بجيد، فليس الأمر بهذه الصورة التي تفضلت بها، وبيان ذلك أن يقال: هذه الشريعة عظيمة، جاءت برعاية المصالح وتكثيرها، ومنع المفاسد وتقليلها، ولذا فإن من محاسنها العظيمة أن أباحت ما يضطر إليه الإنسان من المطاعم والملابس ونحو ذلك بقدر ما تندفع به ضرورته.
ومن المؤكد أن الشيء إذا انتقل إلى دائرة الإباحة انتقلت معه أحكامه، أي أن الأحكام المترتبة على المحرم تنتفي، رحمةً من الله بعباده؛ لأن القول ببقاء آثار المحرم يعني بقاء بعض الحرج والعنت، الذي نفاه الله _تعالى_ عن هذه الشريعة، كما قال _تعالى_: "مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ"(المائدة: من الآية6).
ومن هذا الباب ما عمّت به البلوى اليوم من التصوير في بعض الوثائق كجواز السفر، والبطاقة الشخصية، ونحوها، أو التي في النقود فما دام أن الضرورة أباحتها، فإن الله _تعالى_ بفضله يرفع ما تعلق بالحكم حال التحريم، ومن ذلك منع دخول الملائكة إلى البيت.
ويوضح ذلك أمور، أكتفي باثنتين منها:
1- أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وجد في بيته الصور الممتهنة في المخاد التي يرتفق بها، أو توطأ، وهي في حكم المباح، فهل يقال: إن الملائكة لم تكن تدخل بيته _صلى الله عليه وسلم_ ؟ بل ترك تلك الصور المباحة –مع أنها صور- دليل على أن المباح من ذلك، سواء في أصله أو ما اقتضته الضرورة لا يمنع من دخول الملائكة.
2- أن الشرع أذن باقتناء بعض الكلاب، وهي كلب الزرع، والصيد، والماشية، كما في الحديث المخرج في الصحيح من حديث ابن عمر وأبي هريرة _رضي الله عنه_، فهل يصح –أخي- بناء على سؤالك أن يقال: إن الملائكة لا تفرق بين أنواع الكلاب ؟
بل يقال: ما دام وجد الإذن الشرعي، ترتب عليه توابعه، ومن ذلك عدم امتناع الملائكة من الدخول.
وليعلم بأن المقصود بالملائكة التي تمتنع من الدخول هي الملائكة التي تطوف بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في كل حال؛ لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها، هذا هو الظاهر أنه ليس على عمومه في كل الملائكة.
وبقي السؤال: هل كان حديث البنات والفرس قبل التحريم؟
الظاهر أن حديث الفرس والبنات بعد التحريم، فإن تلك القصة وقعت في غزوة تبوك –كما وقع التصريح به في بعض الروايات- ووقع في بعضها أنها غزوة خيبر –لكن الراوي شك ولم يجزم- والأظهر أن أحاديث النهي عن التصوير متقدمة، بل جاء في البخاري من حديث عائشة _رضي الله عنها_ ما يدل على ذلك، فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ حصل منه غضب لما رآها، واشتد نكيره على وجود تلك الصور معلقة، ولو لم يكن تحريم التصوير سابقاً ومستقراً في ذهن عائشة _رضي الله عنها_ لما أنكر عليها هذا الإنكار، والله _تعالى_ أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.