جوهر الصراع داخل أمريكا حول العراق
11 ذو القعدة 1428
خالد الزوبع

منذ أن حدث تحول في التوازنات المتحكمة في صناعة القرار داخل مؤسسة الحكم الأمريكية، عقب انتخابات الكونجرس، دخل الصراع في الولايات المتحدة إلى مرحلة كسر العظم بين الديمقراطيين والجمهوريين حول العراق؛ فالديمقراطيون اعتبروا إحرازهم "الغلبة" في الانتخابات تفويض شعبي لهم بانهاء الحرب في العراق، وصاروا يضغطون على الإدارة الجهورية الحالية من أجل سحب القوات حتى وصل الأمر للتهديد بإقالة الرئيس بوش وخلعه، بل إن هناك من سار من النواب الديمقراطيين في إحدى الولايات في الاجراءات العملية لهذا الاتجاه.
والجمهوريون باتوا يستخدمون أصواتهم المانعة لصدور قرار سحب القوات أو وقف التمويل عنها _ في مجلس الشيوخ خاصة _ باعتبار أن قرارات مثل هذه تحتاج إلى أغلبية 60 صوتا بينما الديمقراطيون لا يزيد عدد أصواتهم عن 51 في المجلس.
أما الرئيس الأمريكي فقد اختار المناورة، فشكل لجنه بيكر-هاملتون، كممثلين للحزبين، ليصدرا تقريرا حول خطة التعامل مع المسألة العراقية.
على هامش تلك المعركة وفي القلب منها باتت أجهزة الإعلام في قلب صناعة الحدث
وعلى هامش تلك المعركة وفي القلب منها باتت أجهزة الإعلام في قلب صناعة الحدث، إذ تمايزت المواقف بين هذا الطرف أو ذاك وفقاً لانتماءات محددة معروفة مسبقا بالارتباط بأحد الطرفين (الجمهوري والديموقراطي)، أو وفق التغير في مزاج الرأي العام وفعالياته من خلال المظاهرات وقياسات المواقف التي تظهرها استطلاعات الرأي العام وكذا وفق حالة التضاغط بين عناصر الحكم الإدارية الثابتة من جهة (الجهاز الإدراي والتنفيذي للدولة الأمريكية) وصانع القرار السياسي (الإدارة في البيت الأبيض) من جهة أخرى.
ولما كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بدأت وقائع اختيار المرشحين لها، وفق دورة المجمعات الانتخابية، وجرت الترشيحات الأولية في داخل كلا الحزبين وبدأ جمع التبرعات لخوض الحملات، فإن المعركة حول العراق انتقلت إلى تصعيد يتعلق بقرارات ساكن البيت الأبيض الجديد بعد مغادرة جورج بوش، فيما يتعلق باستمرار أو عدم استمرار احتلال العراق، وفي ذلك يصعد المرشحين الديمقراطين مواقفهم ويزايد كل منهم على الآخر، في شأن موقفه من سحب القوات، حتى إن إحداهم (هيلاري كلينتون) قد أعلنت أنها ستسحب القوات الأمريكية إذا فازت في الانتخابات خلال 60 يوما من تسلمها الرئاسة، وأنها من فور انتخابها ستبدأ التدخل في رسم السياسة الخارجية دون انتظار المدة القانونية بين الانتخابات وتسلم الرئاسة رسمياً
أما المرشحون الجمهوريين فالغالب على مواقفهم حتى الآن، هو المناورة من أجل كسب الوقت مع قدر من التملص من نتائج احتلال العراق، حيث هم يركزون هجومهم على مواقف الديمقراطيين باعتبارهم شاركوا في قرار الحرب بالتصويت ايجابيا لصالح قرار الغزو، وكذا باعتبار أن مواقفهم المطالبة بسحب القوات تمثل تخليا عن الجنود الأمريكيين المقاتلين في الميدان وتضعف روحهم المعنوية..إلخ.
الأمور تتصاعد والصراع تضاف إلى أوراقه كل يوم أوراق جديدة ، خاصة وأن المقاومة العراقية التي نجحت في نقل المعركة من بغداد إلى واشنطن ، ما تزال على قوتها وقدرتها في التأثير على مواقف الأطراف الأمريكية المختلفة حول التصرف في قضية احتلال العراق.
غير أن السؤال الجوهري هو على ماذا يجرى الصراع في داخل الولايات المتحدة وبالدقة في داخل مؤسسة الحكم؟ هل يجرى الصراع حول عدم عدالة الحرب وحول ضرورة إعمار ما خربته الآلة الحربية العدوانية الأمريكية ، ودفع التعويضات ..إلخ ، أم أن ما يجرى هو صراع حول الميزانيات الأمريكية التي أنفقت في الحرب، وحول تكبد الجيش الأمريكي قتلى وجرحى أعدادهم في تزايد .. إلخ ، ومن ثم ينبغي الانسحاب؟؟!
الأمور تتصاعد والصراع تضاف إلى أوراقه كل يوم أوراق جديدة ، خاصة وأن المقاومة العراقية ما تزال على قوتها
وكذا كيف يمكن تصور المشترك بين هؤلاء المتصارعين ، أو بالدقة كيف ستجري بلورة رؤية مشتركة في التعامل مع الاحتلال الأمريكي للعراق؟
الجرائم الأمريكية
إن تصوير حجم الجرائم الأمريكية في العراق، ومقارنتها بما خسرته الولايات المتحدة في الحرب والعدوان، كلاهما ضروري لتحديد وفهم معايير الحكم على الحرب في العراق في داخل الولايات المتحدة.
في العراق، قتلت القوات الأمريكية وحلفاؤها وقوات المرتزقة العاملة في شركات الأمن الأمريكية، وحلفاؤهما من الميليشيات المحلية والإيرانية، ما يصل حتى الآن إلى مليون وربع إنسان عراقي، كما تم تدمير كل البنية الأساسية في العراق من محطات كهرباء ومياه وهاتف ومصانع وطرق، بما تعد خسائرها بالمليارات، كما الاحتلال الأمريكي للعراق تسبب في إنهاء جهاز الدولة العراقي من جيش وشرطة ووزارات ومؤسسات، وطارد الكادر الأساسي فيها حتى القتل، وفي ذلك أولى عنايته في القتل للعلماء والثروة البشرية من كوادر المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية.