20 جمادى الأول 1425

السؤال

كيف أتعامل مع المشكلات في البيت مثل : غضب والدي لأتفه سبب ؛ سوء خلق إخواني . ونحو ذلك مما يجعلني أملّ من البيت وأحب الخروج منه ؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

الأخ الكريم : الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد : فقد قرأت رسالتك، وأود أن أذكر نفسي وإياك بمكانة الوالد في الإسلام، فقد جعل الله بر الوالدين فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وأمرنا بطاعتهما وجعل طاعتهما من طاعته سبحانه وتعالى، وحذرنا أشد تحذير من عقوقهما ولو بالنظرة، فقال جل جلاله في محكم التنزيل:( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (الإسراء: 23)، وقال أيضا: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير، وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها وصاحبهما في الدنيا معروفا) (لقمان: 14 ،15)، وقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (الأحقاف: 15) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أُمك , قال : ثم من ؟ قال : أُمك , قال : ثم من ؟ قال : أُمك , قال : ثم من ؟ قال : أبوك) متفق عليه) . فللوالد مكانته عند الله، ويجب عليك أن تكون بارا بوالدك، ومن برك بوالدك أن تطيعه فيما يأمرك به، ما لم يأمرك بمعصية، وكل ما خلا ذلك مما يأمرك به ويطلبه منك فالواجب عليك أن تسمع له وتطيع، حتى وإن كان ما يطلبه منك لا يروق لك، فطاعته واجبه، ودائما تكون الطاعة ثقيلة على النفس، قال تعالى حاكيا عن الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه: ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين , الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) (البقرة : 45 ، 46 )، وقال صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) (رواه مسلم والترمذي )، فإذا كان هذا في أمر طاعة الخالق سبحانه وهو الذي يعطي الجنة جزاءا على طاعته، فما بالكم بطاعة المخلوق (الأب)، الذي لا يملك لنفسه فضلا عن أن يملك لك من دون الله شيئا . وإذا كان الشيطان يوسوس للمسلم ليعصي خالقه ورازقه، فإنه من نافلة القول أن الشيطان يسعى بأن تعصي والدك ليغضب عليك، فتستحق غضب الله، فيطردك من رحمته، ومن ثم فإن الشيطان يوقع العداوة والبغضاء بين الولد ووالده وإخوانه، فيجعلك ضيق الصدر معهم، لا تسعهم بصبرك، ولا تتحمل أذاهم . وعليه أخي الكريم : فإنني أوصيك ونفسي بتقوى الله، والسمع له والطاعة، كما أوصيك ببر والديك والصبر عليهما وتحمل كلامهما وعتابهما، فلا تجادل والدك ولا تعانده بل استمع لنصحه، وتقبل نقده بصدر رحب، واعمل على تفادي النقاش معه فيما تعلم انه سيخالفك فيه الرأي، وتجنب قول أو فعل ما يغضبه، وأشعره باحترامك له، وتقديرك لرأيه، وإعجابك بما يقول، وحاول أن تستفد من خبرته في الحياة، واحتسب ذلك كله عند الله عز وجل . وإذا كان لك تحفظ على بعض ما يقول أو يفعل وتريد أن تنصحه فالتزم معه آداب الإسلام في نصح الكبير والأعلى كالوالد والأستاذ والشيخ والرئيس ...إلخ، كن حكيما، واعلم أن الحكمة هي وضع الشيء المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب بالقدر المناسب، و أسر إليه بالنصيحه، وتجنب نصحه أمام الناس فإن ذلك من سوء الأدب، ابتعد عن صيغ الأمر والنهي، فلا تقل له افعل كذا أو لا تفعل كذا، وإياك ورفع الصوت في وجهه، أو أن تشير بيدك في وجهه وأنت تخاطبه . وانظر كيف كان نصح نبي الله إبراهيم عليه السلام لأبيه آزر :( يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً) (سورة مريم، الآية 45) ، بمثل هذا فتخلق وهدي نبيك فالتزم . وختاما؛ فإن نصيحتي لك ألا تترك البيت أو تمل منه، لمجرد انك لا ترتاح في النقاش مع والدك أو إخوانك، فإن ذلك ليس بحل، إنه هروب من المشكلة، والحل يقتضي منك وقفة شجاعة مع نفسك، تراجعها فيها، وتنصحها وتقيمها على طاعة الله، اتهم نفسك بالتقصير، اسع للتغيير، كن أنت البادئ، اجعلهم يشعرون انك تغيرت وانك أصبحت تحبهم وتأنس بهم، آنئذ سيتغيرون للأحسن، وسيبادلونك نفس الشعور، لا تجعل للشيطان بينكما سبيل . وفقك الله لقول وفعل ما يحبه ويرضاه، وعصمنا وإياك من الزلل، ووقانا شر النفس ووسوسة الشيطان . آمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..