1 ذو الحجه 1426

السؤال

دخلت دورة شرعية ولم أكملها، وذلك بسبب شروطها الصعبة، وأحسست بمعاناة شديدة، وأنني ضيعت فرصة لا تعوض؛ لأن حلم حياتي أن أصبح داعية ، ونقص وزني وأصبحت انطوائية، ولكن قررت الدخول في التحفيظ، ولكن واجهتني مشكلة، وهي: سوء معاملة المديرة للطالبات والمعلمات. <BR>وفي يوم من الأيام اتهمت طالبات فصلي بتهمة بغير أي دليل، وقامت بشتم المعلمة أمام الطالبات لم أستحمل الوضع واستثارة غضبي، وتطاولت عليها ورفعت صوتي عليها وتركت المدرسة.<BR>

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: إلى الفاضلة صاحبة الرسالة، وكل من يشاركها في شكوى مماثلة. أحب أن أقدم إليكم تلك البصائر التي نستقيها من منهج القرآن العظيم وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم-: أولا: يقول الله – تعالى-: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ".. فالقرآن الكريم يوجهنا إلى تلك الوسطية في ردود الأفعال وعدم المبالغة الزائدة في الفرح أو الحزن، وأن نضع كل موقف في حجمه الصحيح, فلا حزن يكسر النفس فيقعدها, ولا فرح ينسينا ما يحيط بنا.. بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم- قد استعاذ من الحزن المضر الذي يقعد بالإنسان عن الهمم العليا والطموح المتجدد، فقال - صلى الله عليه وسلم-: " اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن " رواه البخاري عن أنس, ولو أن المسلم كلما أصابه موقف أحزنه انطوى عن الناس وامتنع عن الطعام والشراب لتوقفت عجلة الحياة ولخسرت الأمة الإسلامية جهوداً كبيرة وعقولاً نافعة كثيرة جداً, ولكن ديننا العظيم علمنا أن نؤمن بالقدر خيره وشره, حلوه ومره, وأن نحمد الله على كل ما يصيبنا من سراء أو ضراء, وأن نتقبل ذلك في إطار الرضا والتسليم, والاعتقاد أن الله - سبحانه- إنما يدبر للمؤمن خيراً في كل حال, قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابه سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم.. ثانياً: المرء إذا كانت ردود أفعاله دائماً مستشاطة وساخنة, أوقعه ذلك في كثير من المشكلات في المواقف المختلفة وخسر كثيراً من المكتسبات.. ولكن دائماً ينصح المربون بأن يعود المرء نفسه على الحلم والأناة والتروي والتفكير قبل اتخاذ المواقف, وقد مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- أشج عبد قيس، فقال له: " إن فيك خلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ", فالحلم يجعل المؤمن لا يندفع في ردود أفعاله يأتي من الأعمال ما قد يندم عليه بعد ذلك, بل يجعله يكظم غيظه ولا ينفذه, ويتصرف بهدوء وتعقل وتفكر واستشارة الآخرين, ولا يتخذ قرارات في ساعات الغضب والانفعال, بل يؤجلها حتى يذهب عنه حنقه وغيظه وغضبه فيكون قراره عندئذ قراراً صائباً.. بل لقد جعل الله – سبحانه- من سمات أهل التقوى كظم الغيظ والعفو عمن ظلم، فقال – سبحانه-: " الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ".. وفي السنن قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: " من كتم غيظاً وهو قادر على إنفاذه ناداه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخيره من الحور ما يشاء ". ثالثاً: فرؤيتي لموقفك الذي تسألين عنه كالتالي: 1- أن ترضي بقدر الله – تعالى- في كونك لم يتيسر لك إتمام الدورة الشرعية, ثم أن تكرري دعاءك لربك أن ييسر لك تعلم العلم الشرعي مخلصة من قلبك، وأن يفتح لك أبواب العلم والدراسة العلمية, وأن تسأليه - عز وجل- أن يجعلك من طلبة العلم المخلصين, ثم تبدئين في البحث عن دورات أخرى أو ما شابه ذلك مما هو ميسر بحسب حالك وظروفك. 2- أن تعودي نفسك دائماً على التكيف مع المستجدات, وألا تجعلي الفشل في موقف أو انسداد سبيل هو نهاية العالم, بل اجعلي من عثرتك دافعا لطموحك وتقدمك 3- علينا أن نعلم أنفسنا ألا نرد الإساءة بالإساءة, فلئن شاتم أحد أو جهل, فالأصل ألا نشاركه جهله وخطأه, بل ندفع بالحسنى, قال الله – تعالى-: " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ", ولنا في رسول الله أسوة حسنة في رد الإساءة بالإحسان فيما لا يتسع مقامه ههنا. 4- لتحذري يا صاحبة الرسالة ومن يشترك معك في مثل شكواك أن تتحول شخصيتك دائما لشخصية تثير المتاعب في كل مكان تذهبين إليه أو تنتمين له أو أن يعرف عنك ذلك , وحاولي دائماً أن تردي الأمر لأهله ومسؤوليه والقادرين على حله، فإن ذلك أقوم لك وأبعد عن الألم.