أنت هنا

اعصار كاترينا يفضح الولايات المتحدة الأمريكية
4 شعبان 1426

تابعت جميع وسائل الإعلام مسار الاعصار كاترينا الذي ضرب ولايات الساحل الجنوبي للولايات المتحدة وتداعياته طوال الفترة السابقة, لكنّ التركيز في نقل الخبر كان في مجمله على الأرقام من حيث سرعة الإعصار قوّته حجم المياه و الأمطار التي ساقها و المسافة التي قطعها من خليج المكسيك و عدد الضحايا و الخسائر الاقتصادية ...الخ.
لكنّ قليل من المحللين ركّز على الجوانب التي رافقت هذا الإعصار و التي تتعلّق بطبيعة و حقيقة المجتمع الأمريكي للدولة الأقوى في العالم صاحبة الحضارة المزعومة و الرسالة المنشورة بالقوّة.

فالحضارة ليست مجرد أبراج شاهقة و قوّة عسكرية و تكنولوجية. الحضارة هي الأخلاق, هي التكاتف و التضامن بين أبناء المجتمع الواحد. هذا الإعصار أفاد أمريكا أنّ القوّة ليست كل شيء و هي لا تنفع في معظم الأحوال.
بدايتنا ستكون مع نقطة مهمة جدا و هي تسليط الضوء على الفشل الأمريكي في إدارة الأزمات.
فشل أمريكي ذريع في ادارة الأزمات
يأتي مصطلح إدارة الأزمات (Crises Management) في الأساس ليشير الى دور الدولة في مواجهة الكوارث العامة المفاجئة و ظروف الطوارئ مثل الزلزال, الفياضانات, الاوبئة, الحرائق , الغارات الجوية, الحروب الشاملة. ثم تم تطوير هذا المفهوم فيما بعد ليشمل ادارة السياسة الخارجية في مواجهة المواقف الدولية و لكن هذا ليس مجال بحثنا.

و ما أن ضرب الاعصار المناطق المنكوبة في الولايات المتحدة و بدأت وسائل الاعلام تنقل صور الدمار و الخراب و الفوضى الحاصلة حتى تذكّرت في هذه اللحظة ما حصل في 11 سبتمبر 2001. الدولة غائبة, المؤسسات غير موجودة, الغوغاء و الفوضى عارمة, الناس تختبئ و تهرب و البعض الآخر يسرق و ينهب و لا وجود لأي مظهر من مظاهر الدولة, و الأسوأ من ذلك انّ هذه الدولة هي قائدة العالم , القوة العظمى فيه الولايات المتّحدة الأمريكية!!
و على الرغم من انّ المسؤولين الأمريكيين كان لديهم الوقت الكافي لتقدير مفاعيل الاعصار الكارثية قبل وصوله الى الولايات الامريكية, و بالتالي التحضير له و اتّخاذ الاجراءات المناسبة, الاّ انهم لم يتحركوا الاّ بعد خمس ايام و بشكل بطيء جدا ايضا. و ما ان ضرب الاعصار الولايات الأمريكية لويزيانا والميسيسيبي وألباما, حتى بدأ التخبط في معالجة الأزمة و تقدير الخسائر. ففي حين كانت التقديرات الأولية للمسؤولين الامريكيين تشير الى وقوع خسائر تقارب الـ25 مليار دولار و سقوط ضحايا بالمئات سرعان ما انكشفت الحقيقة التي ابانت حجم الخسائر التي تتعدى المئة مليار دولار و عدد الضحايا الذي يتجاوز العشرة آلاف معظمهم من السود و الفقراء. فقد توقعت شركة (ريسك مانجمنت سوليوشنز) الأميركية المتخصصة في إدارة الكوارث أن تتجاوز قيمة الأضرار التي ألحقها الإعصار كاترينا الذي اجتاح الاثنين الماضي ولايتي (لويزيانا) و(مسيسيبي) الأميركيتين مئة مليار دولار.

على شفير الانهيار الاقتصادي
لقد جاء الاعصار كاترينا ليزيد من هشاشة الوضع الاقتصادي الأمريكي الذي يمر بمرحلة عصيبة جدّا قد تكون العامل الأوّل في انهيار الولايات المتّحدة الأمريكية اذا لم يتم تدارك الأمر. و قد كشف هذا الاعصار انّ الولايات المتّحدة غير قادرة على صرف الأموال اللازمة لاغاثة مواطنيها في الوقت المناسب و لانقاذهم من الموت المحتّم. و لا شكّ ان الخسائر المالية و الاقتصادية الناجمة عن هذا الاعصار قد تساعد على كبح جماح "الغول" الأمريكي في اماكن اخرى من العالم كالعراق و أفغانستان. فبعد يوم واحد من صدور تقرير امريكي يحدّد تكلفة الحرب الامريكية على العراق بـ 5.6 مليار دولار في الشهر الواحد يدفعا دافع الضرائب الامريكي, جاءت كارثة الاعصار لتزيد الطينة بلّة كما يقال.

كاترينا يكشف التفرقة العنصرية في المجتمع الديقراطي الامريكي
اثارت الصور المريعة التي بثتها شاشات التلفزيون عن الدمار الذي احدثه اعصار كاترينا نقاشا شائكا حول مسألة اللون في الولايات المتحدة بعد ان اتضح ان معظم الضحايا من الاميركيين السود. و هذا ان دلّ على شيء فانّه يدل على انّ التفرقة العنصرية لازالت حاضرة بقوّة في النظام الديمقراطي الأمريكي و انّ هكذا حوادث تساهم في ازالة ورقة التوت التي تسترها و تغطي الحقيقة التي تتضمن تاريخا مقيتا من التفرقة العنصرية البغيضة و انشاء الجمعيات المختصة في هذه العنصرية و منها "الكوكلاس كلاين" .
يبلغ سكان مدينة نيو اورلينز نحو 1.4 مليون شخص نسبة السود من بينهم 67.3 بالمئة يعيش 30 بالمئة منهم تحت خط الفقر. ويشكل السود في كافة انحاء البلاد 13 بالمئة من عدد السكان يعيش 12.7 بالمائة منهم في حالة فقر. و من تابع الصور التي نقلت عن الكارثة ليعتقد انّا صور للصومال او النيجر او دولة من دول العالم الثالث, و لكنها في الحقيقة الولايات المتّحدة الأمريكية!! نعم هذه هي.

لقد اثارت الحقائق المؤكدة بان الأميركيين من اصل إفريقي هم الاكثر تضررا بالكارثة المدمرة التي عصفت بعدد من ولايات خليج المكسيك، الشبهات بان السلطات تمارس التفرقة العنصرية في استجابتها لعملية إنقاذ ضحايا الإعصار.
وقال عضو الكونغرس عن ولاية لويزيانا وليام جفرسون " "لو لم يكن هؤلاء الأشخاص فقراء وسودا لما تُركوا يواجهون المأساة وحدهم في نيو أورليانز"، مؤكدا ان معظم الضحايا لم يتمكنوا من الفرار من وجه الاعصار لانهم لم يكونوا يملكون سيارات او اموال يدفعونها للفنادق.

وصرح جفرسون لتلفزيون "ام.اس.ان.بي.سي" انه "في نيو اورلينز، افقر الناس واكثرهم احتياجا هم السود ولا شك في ذلك. ولذلك فانني اشك في ان وقت الاستجابة وغير ذلك له علاقة في ان هؤلاء هم من السود".
وقال عضو الكونغرس الايجا كمنغز "ان ما يحدد من عاشوا ومن قتلوا في هذا الاعصار المدمر والفيضانات هو الفقر والسن ولون البشرة".
واضاف "لقد اجريت نقاشا بناء مع كبير مساعدي الرئيس للسياسة الداخلية. وقال ان الرئيس يتحرك باسرع ما يمكن وانهم (الادارة الاميركية) يبذلون ما في وسعهم. وانا لا اعتقد ان ذلك صحيح".
وقد لزمت معظم القنوات التلفزيونية الاميركية الصمت حيال الدور الذي لعبه اللون في سرعة الاستجابة للكارثة، الا ان العديد من الصحافيين اشاروا الى وجود جدل حول مسالة العرق في الولايات المتحدة.

وكتب ديفيد بروكس في صحيفة نيويورك تايمز "دائما ما نتجه الى التفكير في انه عندما تقع الاعاصير والفيضانات فان الناس يجتمعون لتقديم المساعدات والمواساة".
واضاف "ما يحدث في نيو اورلينز والمسيسيبي الان هو مأساة انسانية. ولكن عندما نلقي نظرة فاحصة على الناس الذين تراهم يهيمون على وجوههم وقد فقدوا كل شيء في نيو اورلينز ترى ان معظمهم من السود والفقراء". !!

الغوغاء و الفوضى دليل تفكك و انهيار منظومة القيم الاجتماعية
ان انتشار اعمل النهب و الفوضى و الغوغاء في الولايات الأمريكية ليست عملا استثنائيا بل هي في طبيعة هذا المجتمع الهجين, و لكن شانها شان جميع مشاكل الولايات المتّحدة تكون مسورة تحت رداء الديمقراطية و الأموال الطائلة و القوّة و التزييف الاعلامي و الفكري.
فالمجتمع الأمريكي مقموع بهيبة الدولة الأمريكية و ليس بادواتها كالأنظمة المتخلفة, بمعنى انّه عندما يغيب أي مظهر من مظاهر الدولة سواء أكان ذلك كهرباء او مياه او دوريات او كاميرات او مراقبة تدبّ الفوضى و تبدأ عمليات الغوغاء و السلب و النهب و الاغتصاب...الخ فيكفي ان تقطع الكهرباء مثلا مدّة ساعة في الولايات المتّحدة حتى تسمع العجب العجاب عمّا يحصل. و هذا هو الفرق بين هكذا مجتمعات و المجتمعات الشرقية و الاسلامية التي تلتزم بمراقبة ذاتية و اخلاقية و دينية في مجملها. فغياب الكهرباء لا يشكل فرقا عندها و لا ينشر الفوضى و النهب و السلب و كذلك الامر في جميع مظاهر الدولة و تواجدها و ليس ضروريا ان يكون هناك دورية في كل شارع و حي حتى يكون هناك أمان و التزام.

و عودة الى الموضوع, حذرت حاكمة ولاية لويزيانا كاثلين بلانكو مثيري أعمال الشغب واللصوص في نيوأورليانز من أن قوات الحرس الوطني لديها أوامر بإطلاق النار والقتل لإنهاء العنف الذي تفشى في المدينة عقب الإعصار.
وقد سادت الفوضى شوارع نيوأورليانز المنكوبة مما دفع المسؤولين إلى طلب نشر آلاف الجنود في المدينة الغارقة بالمياه للحفاظ على الأمن والنظام ومكافحة أعمال النهب والسلب.
وقال شهود عيان إن اللصوص سرقوا آليات عسكرية واستخدموها لتحطيم أبواب ونوافذ صيدليات ومخازن لبيع السلع المنزلية، وشوهد بعض من شاركوا في أعمال النهب وهم يخرجون في هدوء من المتاجر حاملين المسروقات.
وطالت عمليات النهب أيضا ملاجئ لإيواء العجزة، ووسط حالة الفوضى هذه خرج مواطنون مسلحون إلى الشوارع في محاولة لإقرار النظام بالمدينة، بينما جلس أصحاب المتاجر في المناطق التي لم تغمرها المياه يحرسون أموالهم بأسلحتهم الخاصة.
وقال راي ناغين "إن أعمال النهب التي عمت المدينة منذ أن ضربها الإعصار طالت المستشفيات والفنادق ولا بد لنا من أن نتحرك لوقف هذه الأعمال".
وقالت وفونيت جريس جوردان التي لديها 5 أطفال أصغرهم عمره 6 أسابيع فقط: "إنهم يجعلوننا نعيش هنا كالحيوانات, نحصل فقط على وجبتين وليس هناك أدوية, هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية"!!.

النخوة و الكرم العربي الأصيل تجاه أمريكا!!
انهالت المساعدات الانسادية الماديّة و العينية الفنيّة و غيرها على الولاايت المتّحدة اثر هذه الكارثة و لا شيء غريب في هذا باستثناء بعض المفارقات عن تقديم ألد من اعتبرتهم امريكا خصومها و منهم فزويلا و كوبا مساعدات لها. لكن ما كان غريبا فعلا ان تقوم هذه الكارثة باثبات ازدراء الدول العربية لشعوبها و اخلاصها المتفاني بمساعدة "الصديقة أمريكا" طبعا لمن لا يزال يشكّ بعكس ذلك. و قد كان لافتا انّ الدول العربية و لاسيما الخليجية منها كانت اولى المبادرين الى نجدة "الاخوة الأمركيين" و حكومتهم طبعا من آثار الكارثة حتى قبل الحكومة الامريكية نفسها, و ان كان ذلك مفهوما الى حد معقول اذا اردنا استخدام المبرر الانساني كذريعة لكن غير المفهوم أبدا انّ هذه الدول الخليجية و التي لا تزيد مساحتها عن مساحة بعض المجمعات الرياضية في ولاية من الولايات الامريكية قامت بتقديم مساعدات بل هبات بقيمة تعادل 100 ضعف ما قدّمته مثلا دولى عظمى مثل الصين!! او 500 ضعف مل قدّمته دولة لا يوجد فيها بطالة نهائيا مثل النروج!!

لقد قدّمت دولة الكويت هبة بمبلغ نصف مليار دولار لأغنى دولة في العالم فيما قامت قطر بتقديم هبة بكلغ 100 مليون دولار دون ان نذكر الدول الخليجية الاخرى. ألم يكن من الأجدر ان تتبرع هذه الدول لشعوبها؟!! تصورا انّ دولة مثل الكويت لا يتعدى عدد سكانها الأصليين مليون و نصف كأبعد تقدير يوجد فيها بطالة و ازمات اجتماعية و درجات في المواطنة تصل الى الأربعة و مشكال مثل البدون و غيرها تقوم بالتبرع بهذه الاموال الى اغنى دولة في العالم, ماذا تقولون عن ذلك؟!! تصوروا انّ جميع المساعدات الخليجية للشعب المسلم الذي ضربه التسونامي في آتشيه لم تتعدى الـ 70 مليون دولار!! الشعب العراقي يموت جوعا و اهل الصومال يشحذون الطعام و العالم العربي و الاسلامي يعاني من بطالة شديدة هي الاعلى في العالم و من جهل و فقر و تخلف و تفكك و تسديد فوائد الديون العربية يكاد يساوي كامل الدخل و الكويت وحدها تتبرع بنصف مليار دولار دون ان نذكر غيرها , ماذا نستطيع ان نقول في ذلك؟ بل ماذا بقي لكي نقول في ذلك؟ ..