من يبلغ عني أهل الجهاد في العراق؟
6 رمضان 1426

في ديننا الوسائل لها أحكام المقاصد، فواجبٌ ما يستلزمه الواجب، وحرامٌ كل ما أفضى إلى الحرام، فنحن إذا نتعبد الله بالوسائل كما نتعبده ـ جلَّ شأنه ـ بالغايات. وكل المسلمين دعاة إلى الله، قال _تعالى_: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين  " [ يوسف: 108 ].


فمن اتبع يدعو ـ بالمعنى العام للدعوة ـ. يدخل في هذا المجاهدون وغير المجاهدين، وأنتم أهل  الجهاد في العراق  قد عنيتُ.


 


قد كانت رسائل المجاهدين الأُول تنطق صراحة: (الله ابتعثنا، والله جاء بنا، ليخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان على عدل إلى عدل الإسلام...)


ويوم اليرموك تحدثت الروم: أن ما نرى من هؤلاء فوق ما نسمع عن حواري عيسى _عليه السلام_.


ويوم هبط المسلمون على الجزيرة الخضراء في الأندلس نادى القوط ــ سكان الأندلس ـــ قومهم: أدركونا فقد جاءنا قوم لا ندري أمن أهل الأرض هم أم من أهل السماء؟



ويوم بدرٍ قَدُرَ رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ على من آذوه ورموه بكل قبيح وعذبوا صحابته الكرام،  وما كان سبٌّ  ولا تمثيل بل أُحسنت معاملتهم حتى حكم فيهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_.  


وغدرت (رعل) و (زكوان) بسبعين من صحابة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_,بعد سبعين قتلوا في أحد فكانت بليّة أيُّ بلية، وحين قتل عمرو بن أمية الضمري ـ رضي الله عنه ــ رجلين منهم ـ وهو عائد لتوِّه من غدرتهم  ـ  يريد الثأر لإخوانه, اعتذر رسول الله        ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الغدر وفدى القتيلين.


 وكشفت يهود سوءة المسلمة  في السوق، فكان الحصار والطرد، وما  كشف المسلمون عورة نسائهم.


وقطعت الفروج والآذان وبجرت البطون يوم أحد، وما فُعل شيء من هذا، بل جاء قول الحكيم الخبير: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذهم "      "... ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "


 


لذا أسلم المقاتلون..... ودخل الأعداء الألدون في دين الله أفواجاً, وبعد أن كانوا قادة الكفر ورأسه ما هي إلا سنين، بل أيام وهم على جيوش الإسلام، دعاة قبل أن يكونوا غزاة.


أريد أن أضع إصبعي على شيء... هو ما أدندن حوله:


لابد أن يكون أول قصدنا هو هداية هؤلاء إلى الإسلام.كما كان حال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فمن يتتبع هدي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في التعامل مع عدوه يتبين له أن أشد ما كان يحرص عليه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ هو هداية عدوه إلى الإسلام. كما قال ــ صلى الله عليه وسلم ــ  لعلي ــ رضي الله عنه ـــ وهو يحمل الراية للقتال.: "ادعوهم إلى الإسلام فلأن يهدي الله بك رجلاً  واحداً  خير لك من حمر النعم " وقد قيل هذا الحديث يوم خيبر بعد ستة أيام من القتال.


 


وفيما فعله رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ مع ثمامة بن آثال،  من ربطه في سارية المسجد ثلاثة أيام ليحضر الصلاة ويسمع القرآن.. يعرض عليه الإسلام بطريقته _صلى الله عليه وسلم_، وما فعله _صلى الله عليه وسلم_ مع أسارى طيء حتى أسلموا، وما فعله مع بني المصطلق من الزواج منهم والمن على أسراهم فأسلموا، وما فعله مع قريش يوم الفتح... في هذا كله دليل على أن أشد ما كان يحرص عليه _صلى الله عليه وسلم_ هو هداية عدوه إلى الإسلام.


 


والحرام ليس فقط ما حرمه الشرع ابتداءً، وإنما هناك نوع آخر من الحرام  وهو  (الحرام لغيره) كما يسميه أهل الأصول ــ أصول الفقه أعني ـــ.


يطرأ على الحلال أمر فيتغير وصفه إلى (حرام لغيره)، ويُخاف من أمر ما فيُترك الحلال من أجله ويصير حرام فعله، وهو ما يسميه أهل الأصول  سد الذرائع أو اعتبار المآلات، وقد ترك رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قتل المنافقين  حتى لا يتحدث الناس أن محمداً ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ استعان بقوم فلما ظهر استدار عليهم وقتلهم، ومثل هذا كثير... كل هذا يُفعل...  وكل هذا يُحرم من أجل غاية واحدة وهي  هداية الناس إلى صراط الله المستقيم.


فالله الله أن تستأنسوا بكثرة  الأصوات التي تؤيد في المنتديات والبالتوك  من المتحمسين، وتنسوا أنكم دعاة إلى الله ـــ بالمعنى العام للدعوة، ويتحول الأمر إلى قتال لا جهاد.


ووالله لو رأى هؤلاء منكم ما رأى أجدادهم من الصحابة والتابعين  لأسلموا ولعادوا دعاة إلى قومهم وإن قطعهم بوش إرباً إرباً ولقالوا له ما قال السحرة لفرعون: " لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقض هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر فالله خير وأبقى".


 


أيها الكرام!


لا يوجد من يقول إنه يعصي الله أو من يقول إنه يتعمد فعل الخطأ، ولكن الكل يتأول والكل يدعي الإصلاح حتى بوش يزعم أنه (قوة الخير) التي تحمل الرسالة السماوية لــ (قوى الشر)  على وجه الأرض، وهو كذاب أشر، والعبرة ليست بحجج يستصيغها عوام الناس من المندفعين الحماسيين، وإنما العبرة أن توافق الشرع حقيقة.


 


أيها  الكرام!


ونحن المسلمين ـــ كل المسلمين ـــ  مأمورين برد الأمر إلى العلماء الربانيين العاملين قال _تعالى_:  "  وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " وأولي الأمر هم العلماء والأمراء، وعند التحقيق يتبين لك أنهم هم العلماء؛ لأنهم أهل الحل والعقد... بهم تنعقد بيعة الأمراء... ومنهم تعطى الشرعية لغيرهم للخروج عليهم. والذين يستنبطونه منا هم ــ أيضا ــ العلماء الربانيين الناصحين للأمة.


وإنا نأخذ عليكم استقلالكم برأيكم وعدم التواصل مع علماء الأمة، حتى تكونوا على بصيرة، ولا تكونوا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ـــ عياذاً بالله ـــ، والخير موجود في هذه الأمة لا ينقطع.  ولكن أين من يطلبه؟!
فهلا حاورتم العلماء، وصدرتم عن رأيهم؟


 والأمر سهل هين لمن أراد، فغرف البالتوك لا ترد أحداً، وأماكن الشات كثيرة لا يقف على بابها بواب.


وإن سكت القوم عن بعض الأمور علانية فلا أحسب أنهم في الحوار الهادئ الفردي أو شبه الفردي،  أو الرسائل الخاصة التي  تأخذ شكل الاستفتاء و لا تنشر على الملأ  يسكتون.


 


أيها الكرام!


أقول: من أسباب النصر، بل إن السبب الرئيس للنصر المبين.. المبارك الذي يؤتي أكله أضعافا مضاعفة _بإذن الله_ هو طاعة الله _عز وجل_ فيما أمر  قال _تعالى_: " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "، والمعصية من  موانع النصر  " قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ". 


فالمعصية تأخر النصر، وتصرف الملائكة من الصف وتجرئ عليكم عدوكم، فلا بد إذن من الاستمساك بهذا السبب الأكيد للنصر،وهو طاعة الله _عز وجل_ ، وهذا يستلزم  فضلاً عن التزام هدي الرسول _صلى الله عليه وسلم_ في الجهاد وتحقيق أمر الله _تعالى_ بالسير خلف العلماء الربانيين ـــ  تنقية الصف من أهل البدع من العلمانيين والوطنيين وغيرهم،  أقول هذا لأني أخشى ما أخشاه أن ينضم إلى الصفوف حين تبدوا بشائر  انتهاء المعركة ثلة من المنافقين وتصير بأيدهم الأمور كما حدث في ثورة الجزائر وفي مصر وغيرهما من قبل، فيقطفون ثمرة جهادكم، ويفتحون علينا دوامة أخرى من جديد.


 


أيها الكرام!


لا بد أن أمريكا سترحل يوماً عن العراق، وعن غير العراق، فالأيام دول، والدول تزول، ولكن ليس هذا هو غاية المقصود من الجهاد، إنما شرع الجهاد لإزالة الطواغيت الذين يصدون الناس عن الإسلام وبالتالي وضع الناس في حالة خيار حقيقي ليختاروا الدين الصحيح.


والجهاد ما شرع إلا لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وما شرع الجهاد إلا  لدرء فتنة الكفر عن العباد والبلاد      " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ". وهذا يستلزم الاستعلاء على الأغراض الدنيوية من تحرير الأرض والدفاع عن العرض. والثأر للأشخاص. وإنا نؤمل منكم أكثر من العراق، فهاهم اليهود  كادوا ينتهون من إقامة الجدر ـــ الجدار الفاصل ليس جداراً واحداً في الحقيقة وإنما هو عدة جدران ـــ وقد أقاموا القرى المحصنة ــ المستعمرات ـــ وأنتم شرقي نهر الأردن، وأراكم أنتم  أو من يأتي بعدكم المعنيون بقول الله _تعالى_: " لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ".