تبينوا.. تثبتوا
2 ذو القعدة 1426

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
إن خطورة الشائعات وموضوع الإشاعة، وما يحكى من أقوال ليس لها خطام أو زمام موضوع طويل، ولكنني أقف ههنا عندها قليلاً منبهاً لسبب رئيس، فقد كثرت الإشاعة هذه الأيام، بل في الحقيقة كثر الكذب، وبخاصة على الدعاة إلى الله -جل وعلا- يكذب علانية على بعض الدعاة، وبغير حياء! و والله قد استمعت إلى بعض الكذب نقل إليّ، وما كنت لأتصور أنه كذب، حتى التقيت بالداعية الذي كذب عليه فعندما حدثته فإذا هو يقسم لي بالله الذي لا إله إلا هو ما رأى من نقل عنه.

خذوا مثالاً -وهذا كلام سمعته من سنوات- رجل معروف عند قومه بالدعوة، أو هكذا يحسبه بعض الناس يظنون أنه داعية، أو طالب علم.
فبدأ يتكلم على داعية آخر، وكان فيما قال: لقيته في المكان الفلاني، وسمى المحل، في مدينة معينة، ثم قال لنا -أي قال لهم ذلك الداعية الآخر- : اجلس بنا نغتب ساعة، في مقابل اجلس بنا نؤمن ساعة.

آلمني هذا الكلام، ثم قدر الله فلقيت هذا الداعية المتكلم فيه، فقلت له: هل بلغك ما قاله فلان أنك لقيته، وقلت له: اجلس بنا نغتب ساعة، قال: نعم بلغني، وقلت: ماذا قلت؟
قال: والله إنني لم أره في حياتي!

فانظر إلى ذلك الداعية العجيب! لم ير هذا الرجل في حياته، فضلاً عن أن يكون تكلم معه، ثم ينسج قصة كاملة!
وقد لا يكون الرجل تعمد محض الكذب، ولكنها شائعة تنوقلت فصدقها فاعتقدها فقام داعياً لها منتصراً، فانظر إلى أي شيء أفضت به؟

ومنذ سنوات بلغني أن رجلا يقول: ذهبت إلى الشيخ فلان، وزرته في مدينته، وطرقت عليه الباب، وقال: كذا وكذا وكذا. فسألنا الشيخ فأقسم بالله إنه لم يره!

وشخص ثالث يتكلم في مجلس عام يقول: إنني ذهبت للشيخ فلان فحدثني بحديث كذا وكذا، فقال له بعضهم: هل ذكر في كتاب؟ قال: لعله في كتاب كذا، فجئنا بالكتاب الفلاني فلم نجده، يقول: فقلت له: لعله بالكتاب الفلاني، يقول: فجئنا بالكتاب الفلاني فلم نجده، ثم اتضح أنه يكذب، ثم سئل عن هذا الشيخ المذكور –وكنت في المجلس حاضراً- : هل فعلاً لقيك فلان؟ وهذه الحادثة جرت معك؟ قال: والله لم أره، بل عندي ما يثبت بخط يده أنه لم يرني إلا بعد هذه القصة التي حدث بها!

مع أنه قال آنفاً: قد طلبت العلم على يديه، وجلست عنده ثلاثة أشهر، وذهبت إليه، وقلت له: كذا وكذا. فإذا بالشيخ عنده ما يثبت بخط يده رسالة يقول فيها: إنني أحبك.. أنا أتمنى أن ألتقي معك.. وأتمنى أن أزورك، كذب صريح يا إخوة.
والآن يكذب كذباً صريحاً على بعض طلاب العالم، فانتبهوا يا إخوة لخطورة الكذب، وخطورة الإشاعة، واعلموا أن التثبت قبل رمي الناس من غير بينة واجب.

وكم من الإشاعات الآن نسمعها على بعض العلماء، وعلى بعض الدعاة، أناس يبدوا أنهم تفننوا في هذا الأمر، وهبوا أنفسهم لهذه القضية؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا أطلقوا كلمة على عالم من كبار العلماء يتناقلها الناس، فكونوا على حذر، واستجيبوا لأمر الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [الحجرات:6] .

فالله الله -أيها الإخوة- في التثبت، فإن خطورة قبول الكلام على عواهنه كبيرة، وأذى المؤمنين بغير ما اكتسبوا جريرة وأي جريرة "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً" [الأحزاب:58].