في المنهج(3): من على صواب أنتم أم...؟
25 ذو القعدة 1426

الحمد لله رب العالمين، وبعد أيها الأخ الكريم..
فأسأل الله رب جبريل وميكائيل فاطر السموات والأرض أن يهديني وإياك لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ثم اعلم أنه ما منا إلاّ راد ومردود عليه، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلاّ محمداً _صلى الله عليه وسلم_، وليس شرطاً أن يكون الحق كله مع فلان والآخر ليس معه من الحق نصيب، فقد يصيب أحدنا في بعض ويخطئ في بعض وهكذا الآخر.
وحسبنا أن ما نقوله وندعو إليه هو ما نعتقد صوابه ونعرف دليله، بل نرى أننا قد عايشنا واقع بعضه، فلم يخب ظننا، وشهدنا واقع مجتمعات أخرى وعرفنا كيف كانت النتائج فيها.

ومع ذلك نقول في كل مسألة ليست من ثوابت الدين أو أموره القطعية، رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأينا غيرنا خطأ يحتمل الصواب، فمن وجد الدليل ورأى أن الصواب في طريق آخر فليتبع الدليل فالحق مبتغانا أنى كان صاحبه، وهو مقصودنا وإن أخطأنا طريقه، فمن رأى الدليل فعليه به، فالأمر كما قال الله _تعالى_: "وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ..." (الإسراء: من الآية13)، "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ" (القصص:65).

وأما المخالف فلا يسعنا إلاّ أن نبين له الحق الذي نعتقد بدليله، فإن أبى إلاّ الخصومة والجدال في الدين، فلا يسعنا إلاّ أن نتمثل قول الله _تعالى_: "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً" (الإسراء:84).. "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (سـبأ: من الآية24)، والسلام، فإن الوقت أنفس من أن يبذل لمجادل مشاكس، والبشرية ظمأى تطلب من يوصل إليها غيث الوحي، فالاشتغال بها أولى.

فمن أشكل عليه الأمر، أو دخل في حيرة ولم يستطع التبين، فوصيتنا له بأن يكثر من الدعاء بقلب حاضر عسى الله أن يهديه لما التبس عليه أو ما اختلف فيه من الحق. وقد كان من هدي نبينا –وهو المسدد المعصوم _صلى الله عليه وسلم_ سؤال الله الهداية إذا قام من الليل فيستفتح الصلاة، ويقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"[رواه مسلم]، وقد وعد الحق _سبحانه_ عباده، فقال: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (العنكبوت: من الآية69).
ومثل هذا عليه أن يجد في طلب العلم، ويحرص على ما ينفعه، ويتبع أقوال العلماء الكبار الراسخين، والأئمة المرضيين، فيما أو من أشكل عليه أمره إلى أن يتبين له الحق.

وليعلم أن الجرح والثلب، لا يقبل من كل من هب ودب، وإنما أهله هم الأئمة الأعلام، لا الصغار والأغمار، فمن ولغ في أعراض الدعاة والعلماء من هؤلاء الصغار فكلامه أقل من أن تلتفت إليه أو تنظر إلاّ مشفقاً عليه من قول الديان _سبحانه_: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً" (الأحزاب:58)، وأما من ولغ في أعراض أهل العلم والدعاة من النظراء والأمثال، فقد قرر علماؤنا أن كلام الأقران في بعضهم يطوى ولا يروى، ثم الله حسيبهم، وقد قيل:




لِأَمرٍ ما تَصَرَّفَتِ اللَيالي وَأَمرٍ ما تُوُلِّيَتِ النُجومُ
إلى الديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
سَتَعلَمُ في الحِسابِ إِذا اِلتَقَينا غَداً عِندَ الإِلَهِ مَنِ المَلومُ


فإذا قيل: إن الحق ينبغي أن يقبل ممن جاء به أياً كان، قلنا هذا صواب، ولكن فرق بين الحق الذي ظهر دليله وبان برهانه، وبين التقول والغيبة والطعن في الأشخاص بحكم، بحجة الجرح والتعديل، ولاسيما من النظراء والأغمار، فرق بين هذا وبين التخطئة أو الإرشاد في مسألة علمية بالدليل، دون إنزال حكم على المخالف فيها بتكفير أو تبديع أو معصية، فإن إنزال هذه الأحكام شأن لا يتولاه قرين فضلاً عن غر لم يطر شاربه، بل ربما جهل أبجديات الدين التي يباشرها أو سوف يسأل عنها!

وفي الختام أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يهدنا وإياكم لصالح الأقوال والأعمال والنيات، ولما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.