أنت هنا

مَن نحنُ ومن الآخر؟
23 ذو الحجه 1426

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد:

فإن القيام بالعبودية الحقة لله _عز وجل_ لا يتم إلا بالإخلاص له _سبحانه_ في عبادته، وان تكون العبادة على بصيرة واتباع لما جاء به الرسول _صلى الله عليه وسلم_. وإن البصيرة في الدين لا تتحقق مادام الباطل ملتبسا بالحق. وبمعنى أخر، فإن البصيرة في الدين لا تحصل إلا بوضوح الحق وتنقيته من الباطل الملتبس به قال _تعالى_: " قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" [(256) سورة البقرة]، وقال _سبحانه_: " فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ"
[(32) سورة يونس].
لذا كان لزاما على العبد أن يعرف الحق بدليله ما أمكن، وأن يزيل عنه الباطل الذي علق به، وذلك حتى يأتي بالعبادة على وجهها المقبول عند الله _عز وجل_ وإن من أعظم الفتن التي يفتن الشيطان بها العباد فتنة التزيين، ولبس الحق بالباطل واتباع الهوى في ذلك. ولقد وقع في هذا الشَّرَك العظيم كثير من الناس بعضهم عن علم وبعضهم عن جهل، وقد كثر اللبس والتضليل في عصرنا الحاضر؛ حيث ظهرت وسائل ماكرة ومضللة لبست على الناس دينهم وخلطت الحق بالباطل، بل وصل الأمر لدرجة قلب الحقائق، وإظهار الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وتعاون شياطين الجن والإنس " يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا " [(112) سورة الأنعام] ـ في وضع هذا التلبيس في قوالب من الأقوال مزخرفة وألفاظ خادعة، وتسمية للأسماء بغير مسمياتها. فضلَّ بسبب ذلك كثير من الناس.

وإننا في زماننا هذا لنرى صوراً كثيرة من لبس الحق بالباطل، وصوراً من ليِّ أعناق النصوص وصوراً كثيرة من المغالطات والخداع والحيل المحرمة المفتراة على دين الله _عز وجل_، فكان لزاما على الدعاة والعلماء أن يحذروا بأنفسهم من الوقوع في هذه المزالق وألا يسكتوا عليها، بل يجب عليهم إن يكشفوها للناس ويحذروهم منها وأن لا يدعوهم لأهل الأهواء يلبسون عليهم دينهم، ويحرّفون الكلم عن مواضعه وهذا ما أخذه الله _عز وجل_ على أهل العلم بقوله: "وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ" [(187) سورة آل عمران]. وإن كل من لبس على الناس دينهم أو كتم الحق عنهم ففيه شبه ممن زجرهم الله _عز وجل_ بقوله: "وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" [(42) سورة البقرة].

يقول الإمام ابن القيم _رحمه الله تعالى_ عند هذه الآية: "نهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس، وهو التدليس والغش الذي يكونه باطنه خلاف ظاهره؛ فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق، وتكلم بلفظ له معنيان: معنى صحيح، ومعنى باطل، فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح، ومراده الباطل، فهذا من الإجمال في اللفظ" (الصواعق المرسلة 3/926). ويقول في موطن آخر: "وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم؟ فالغبي ينظر إلي ظاهرها ويقضي بجوازه، وذو البصيرة يتفقد مقصدها وباطنها، فالأول يروج عليه زغل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زغل الدراهم. والثاني يخرج زيفها كما يخرج الناقد زيف النقود. وكم من باطل يخرجه الرجل يحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق. وكم من حق يخرجه بتهجينه، وسوء تعبيره في صورة باطل؟ ومن له أدنى فطنة وخبره لا يخفى عليه ذلك" (أعلام الموفقين 4/229).

وإن ما يطرح اليوم في وسائل الأعلام وبعض الحوارات والندوات من تلاعب بالمصطلحات والمسميات لا يقف خطرها على الألفاظ فحسب بل تجاوزه إلى المضامين والأصول والثوابت ومع ذلك لم يتصد لخطرها والرد عليها إلا أفراد قلائل لم تبلغ ردودهم حد الكفاية في الإعذار والإنذار مع أن الأمر من الخطورة بحيث يجب التصدي له من قبل أهل العلم والدعوة وأن يبلغوه للمسلمين في الوسائل المتاحة ليدركوا خطره وليحذروا من الوقوع في زخرف الملبسين وتضليل المضللين وبخاصة أن الأمر يتعلق بأصول هذا الدين وثوابته وليس بفروعه وجزئياته.
وإن من المصطلحات التي تطرح اليوم طرحاً انهزامياً ًينم عن الشعور بالمهانة والذلة والحرج من أصول هذا الدين ما يعمل له اليوم من حوارات ولقاءات صحفية ومؤتمرات تدور حول مصطلح (نحن والأخر).

فما هو المقصود بمصطلح (نحن والأخر)؟

إن هذا المصطلح من المصطلحات الغامضة الحمالة لمعاني مختلفة، ولعل ذلك مقصود ممن هم وراء طرحه وإثارته. ولذلك لابد من تحرير هذا المصطلح، وكشف أبعاده ليتعرى الملبسون المضللون الذين يعنون ما يقولون، وليحذر الذين غرر بهم بتبني هذا المصطلح من بعض أهل العلم والدعوة.
ولتحرير هذا المصطلح والهدف من طرحه نستعرض المعاني المستعملة التي لا يخرج عنها تفسير هذا المصطلح.

الاستعمال الأول: وهو ما ذكره المجتمعون في اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري المنعقد في أبها في الفترة من 11ـ13/11/26هـ حيث جاء في بيانهم الختامي تعريفهم لهذا المصطلح بقولهم: (وقد اتجه المجتمعون إلى التعبير بأن المقصود بـ(نحن) أي: المواطنين السعوديين الذين يجمعهم دين واحد هو الإسلام ووطن واحد هو المملكة العربية السعودية وله أراء وتوجهات متنوعة (والآخر) هو المجتمعات الإنسانية الأخرى بجميع أديانها وحضاراتها وأوطانها) ولا يخفى ما في هذا الكلام من أبعاد خطيرة تبينها المناقشات التالية.

أولاً: قولهم بأن المقصود بـ(نحن): المواطنين السعوديين... الخ، و(الآخر):هو المجتمعات الإنسانية الأخرى... الخ). إن في هذا القول مزلقاً عظيماً وتجاهلاً واضحاً لعقيدة الولاء والبراء في هذا الدين، فالله _عز وجل_ يقول: "قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ " (14 سورة الأنعام)، ويقول _سبحانه_ عن نبيه نوح _عليه السلام_ مع ابنه "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ" [(46 سورة هود). ويقول _سبحانه_: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (10 سورة الحجرات) ويقول _عز وجل_ :"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ " (71 سورة التوبة)، وفي ضوء هذه الآيات وأمثالها من القران الكريم يتبين المزلق الكبير لتعريف (نحن) و(الآخر) إذ كيف تحصر كلمة(نحن) في المواطنين السعوديين الذين يجمعهم دين واحد ووطن واحد... الخ، إذن فأين محل إخواننا المسلمين في الأوطان الأخرى ومن بينهم العلماء والعباد والمجاهدين والدعاة والمصلحين؟. وهل هؤلاء يخرجون من دائرة (نحن)؟. أين الولاء والموالاة بين المؤمنين إذا ساويناهم بالأخر الكافر أو الملحد والمنافق ممن يعيشون خارج الوطن.

ثانياً: وقالوا في تعريف من (نحن)؛ بأنهم (الذين ينتسبون إلى الإسلام في الوطن الواحد وإن تنوعوا مذهبياً وفكريا وثقافياً واجتماعيا، فلا يجوز استخدامه لاختراق الوحدة الوطنية). إنه لا يخفى ما في ذلك من خرق لعقيدة الولاء والبراء في هذا الدين. فكم في الوطن الواحد من العقائد الباطلة الكفرية التي يخرج صاحبها من الإسلام؛ كمن يعبد غير الله _عز وجل_ ويستغيث به ويدعي أن غير الله تعالى يعلم الغيب كغلاة الشيعة والصوفية، وكم في الوطن الواحد من يكفر أصحاب محمد _صلى الله عليه وسلم_ ويعاديهم ويقذف نساء النبي _صلى الله عليه وسلم_ العفيفات الطاهرات، وكم في الوطن الواحد من المنافقين الذين يبطنون العداء للإسلام وأهله ويوالون الغرب وأهله، فهل هؤلاء هم منا ونحن منهم لأننا وإياهم نعيش في وطن واحد؟. إننا بهذا الفهم نعود إلى صورة من صور الجاهلية الأولى التي جاء هذا الدين للقضاء عليها وجعل رابطة العقيدة والإيمان فوق كل رابطة يعادى من أجلها ويوالى من أجلها ويحب من أجلها ويبغض من أجلها.

قال _صلى الله عليه وسلم_: "من تعزى بعزاء أهل الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا" فسمع أبي بن كعب رجلاً يقول: يا لفلان! فقال: أعضض أير أبيك فقال: يا أبا المنذر! ما كنت فاحشاً. فقال بهذا أمرنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_. رواه أحمد في مسنده (20728) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (269).
ويشرح شيخ الإسلام هذا الحديث فيقول: (ومعنى قوله: من تعزى بعزاء الجاهلية) يعني يتعزى بعزواهم وهي الانتساب إليهم في الدعوة، مثل قوله: يا لقيس! يا ليمن! ويا لهلال! ويا لأسد، فمن تعصب لأهل بلدته، أو مذهبه، أو طريقته، أو قرابته، أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية، حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله _تعالى_ معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله) (مجموع الفتاوى 28/422).
والآيات في كتاب الله _عز وجل_ كثيرة تلك التي تركز على عقيدة الولاء والبراء وأنها هي الأصل في رابطة الحب والبغض والاجتماع والافتراق، وأكتفي بقوله _تعالى_: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ " [(4) سورة الممتحنة[، هذه هي الملة الإبراهيمية وهذا هوا الدين المحمدي، فهل أصبحت الوحدة الوطنية هي صاحبة السيادة العليا التي يعقد عليها الولاء والبراء. إن مما تعلمناه من كتاب ربنا _عز وجل_ وسيرة نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ وأقوال سلفنا الصالح أن الأصل الذي يقوم عليه الولاء والوحدة والإتلاف هوا التوحيد والبراءة من الشرك وأهله.
وإلا فلا وحدة ولا اجتماع، بل المفاصلة والبراءة، إذاً فكيف يقول القوم هداهم الله _عز وجل_ بأن التنوع المذهبي أو الفكري أو الثقافي لا يجوز استخدامه لاختراق الوحدة الوطنية)؟ هل يعني هذا أن الوحدة الوطنية فوق عقيدة التوحيد وعلى حساب عقيدة الولاء والبراء؟ إن مصطلح التنوع المذهبي أو الفكري أو الثقافي من المصطلحات العائمة الغامضة، لكن اللبيب يعرف ما المقصود منها؛ إنها تعني أن أي مذهب عقدي شركي أو بدعي. فما دام أنه داخل الوطن الواحد فينبغي الاعتراف به وعدم الافتراق معه ضماناً للوحدة الوطنية، وهذا مخالف لدين نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ وللملة الإبراهيمية حيث لا ولاء ولا محبة لمشرك. وعليه فإن من يعبد علياً أو الحسين رضي الله عنهما) ويسب أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ليس بأخ لنا. وإن الصوفي الخرافي الذي يطوف بالقبور ويستغيث بأهلها ليس بأخ لنا. وأن الليبرالي المنافق الذي يبطن كره الإسلام وأحكامه ويدعو إلى محاكاة الغرب الكافر وتشريعاته ليس بأخ لنا. إن الوحدة الوطنية يجب أن تخضع لعقيدة التوحيد وليس العكس الذي تكون فيه الوحدة الوطنية على حساب عقيدة التوحيد. وكما قال الله _عز وجل_ عن نوح _عليه السلام_ مع ابنه: "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكََ" [(46) سورة هود]، فنحن نقول كذلك إن أعداء التوحيد ليسوا من أهلنا ولا من قبيلتنا ولا من وطننا. فإما أن يرجعوا إلى توحيد الله ويدخلوا في السلم كافه فيكونوا إخواننا وتجمعنا بهم وحدة الدين ويزيدها قوه وحدة الوطن وإلا فلا وحدة ولا وطنية معهم.
إن الولاء والبراء مع أنه مطلب شرعي عقدي إلا أنه أيضاً مطلب فطري وعقلي فلا نجد جنساً من الأجناس يرتبطون برابطه من الروابط إلا وتظهر عليهم هذه الصفة، حيث يوالون بني جنسهم ويعادون من يعاديهم حتى في عالم الحيوان والطير. والكفار أنفسهم ينطلقون في ولائهم وبرائهم من هذا المنطلق، وقد أعلنها طاغوتهم بوش حينما قال: (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، هذا هو ولاء الكفار وبرائهم، لكن المسلمين يتميزون عن جميع الأجناس بأن عقيدة الولاء والبراء تنطلق من كلمة التوحيد فمن كان من أهلها فهو ممن يحبه الله تعالى، فنحب من يحبه الله _عز وجل_. ومن كفر بها أبغضه الله وأصبح عدواً لله فحينئذ نبغضه لأن الله يبغضه، أما بقية الأجناس الأخرى كالحيوان والكفار وأصحاب الروابط الجاهلية من بني أدم فهم يوالون ويعادون على الماء والتراب والمرعى والمصالح الدنيوية والمسلمون يوالون ويعادون في الله _تعالى_. وهذا هو ما يزعج الكفرة والمنافقين، حيث يريدونها روابط جاهليه عصبية عُمّية لا دخل للدين فيها.

ثالثاً: وهنا مسألة أخرى لا تقل خطراً عن سابقتيها ألا وهي النظر لمصطلح (نحن) والذين عبروا عنه بأبناء الوطن الواحد ممن ينتسب إلى الإسلام بنظرة التساوي والندية بين رؤوس الأطياف والمذاهب الفكرية المجتمعه وأنهم شيء واحد أي أنه في مثل هذه الحوارات الوطنية وما يطرح فيها يتساوي التوجه السني السلفي ـ الذي هو السواد الأعظم في هذا البلد وهو مرجعية أهله ـ بالتوجه الرافضي الحاقد الذي يقوم فكره على الشرك بالله _تعالى_ وسب الصحابة _رضي الله عنهم_ والذي يمثل أصحابه القلة القليلة في البلد. كذلك يتساوى مع التوجه الليبرالي التحرري الذي هم أقل القليل مع ما يحمل من أفكار تحررية تتحلل من أحكام الله _تعالى_ سواء في مجال السياسة أو المرأة أو الاقتصاد أو الدين بأسره، وهنا مكمن الخطر إذ كيف يتساوى رؤوس الضلال الذين هم قله ونكرات ونبتات غريبة في مجتمعنا مع التوجه السلفي الشرعي الذي هو طابع أهل البلد وسواده الأعظم. إنهم والله لا يستوون ولكن هذه المؤتمرات الحوارية الوطنية تسوي بينها وترفع من شأنها كماً وكيفاً سواء علم القائمون بذلك أم جهلوا. وهذا من المخاطر الجسيمة الكثيرة التي تنجم من جعل الوطن والوطنية والمواطنة هي التي يعقد عليها الولاء والبراء.
وإن مكمن الخطر في هذه المساواة تكون حينما يكون الرافضي والليبرالي اللذان لا يشكلان بعداً في المجتمع ولا قيما ًولا تأثيراً مساوياً لرأي علماء أهل السنة في سن ما يريد من مفاهيم على التربية والتعليم والحياة الاجتماعية والثقافية بحجة التسامح، وقبول الأخر والتعددية وغيرها من المفاهيم الضبابية التي يراد من خلالها إذابة هوية الأمة وفتحا لأبواب التغريب داخل المجتمع، ومن ثم جعل هذا (الآخر) واقعاً لامناص منه حتى لو كان في قمة الشطط الفكري وحتى لو كان داعية إلى الرذيلة أو الإلحاد والكفر، وهذا يصطدم مع أبجديات المفاهيم الإسلامية التي تأمر بحفظ الدين وسياسة الدنيا به والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل المرجعية الحاكمة لكل شؤون الناس منطلقة من الشريعة الربانية الخالدة. [انظر تساوي الرؤوس، موقع المختصر].

الاستعمال الثاني: وهذا الاستعمال في تعريف مصطلح (نحن) و(الآخر) هو المشهور عالمياً عند كل من يطرحه من المهزومين من المسلمين في حواراتهم وأعمدتهم الصحفية، وملتقياتهم، ويفيد هذا المصطلح عندهم بأن (نحن) تعني المسلمين و(الآخر) من سواهم من غير المسلمين من الكفار والمنافقين وفي هذا الطرح المنهزم من المؤاخذات العقدية ما يلي:

أولاً: العدول عن الأسماء والمصطلحات الشرعية التي جاءت في كتاب الله _عز وجل_ وفي سنة نبيه _صلى الله عليه وسلم_ إلى أسماء ومصطلحات بشريه غامضة ونحاتات أفكار واهية أفرزتها عقول مهزومة فاستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير وتركت ما أسماه الله _عز وجل_ من الأسماء المنطبقة على مسمياتها في كتابه _سبحانه وتعالى_ حيث قسم الناس إلى حزبين: حزب الله المؤمنين وحزب الشيطان الكافرين قال الله _عز وجل_: "اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ " [(257) سورة البقرة]، فليس هناك (نحن والآخر) وإنما هناك (المسلمون والكافرون) قال _تعالى_ :" هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ُ" [(78) سورة الحـج]، وقال _تعالى_: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } [(2) سورة التغابن]، وقال _تعالى_: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ" [(72) سورة المائدة]، والآيات في ذكر الكفر والكافرين كثيرة جداً جاء ذكرها في ما يزيد على 352 موضعاً، فلماذا التحرج من كلام الله _عز وجل_ الذي هو أحسن الحديث وأصدقه وأفصحه "ومن أصدق من الله قيلا" "ومن أصدق من الله حديثاً".
إن من يتحرج من كلام الله _عز وجل_ وتسمياته ويرتاح لكلام البشر ومصطلحاتهم ومسمياتهم يخشى عليه أن يكون تحت طائلة قوله _تعالى_: "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" [(45) سورة الزمر]، لقد نهى الله _عز وجل_ نبيه _صلى الله عليه وسلم_ وأتباعه من بعده من أن يكون في الصدور حرج من الصدع بكل ما جاء في القران من أسماء وأحكام وعقائد وقصص وأخبار بل الواجب تباعه فقال _تعالى_: "المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ *اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ" [(2) سورة الأعراف]، وعند هذه الآية يقول الإمام ابن القيم _رحمه الله تعالى_: "والله _تعالى_ رفع الحرج عن الصدور بكتابه. وكانت قبل إنزال الكتاب في أعظم الحرج والضيق، فلما أنزل كتابه؛ أرتفع به عنها ذلك الحرج، وبقي الحرج والضيق على من لم يؤمنوا به، كما قال _تعالى_: "فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا " (125 سورة الأنعام) (الصواعق المرسلة: 4/1518؟).
ويقول أيضاً في موطن آخر: "ولا تجد مبتدعاً في دينه قط إلا وفي قلبه حرج من الآيات التي تخالف بدعته كما انك لا تجد ظالماَ فاجراَ إلا وفي صدره حرج من الآيات التي تحول بينه وبين إرادته فتدبر هذا المعنى ثم ارض لنفسك بما تشاء" ا.هـ (الفوائد ص90).
فهل بعد هذه الآية وقول هذا الإمام الجليل فيها من عذر لمعتذر يجد في نفسه حرجاً أو ضيقاً أو حياءً من الصدع بالحق الذي في كتاب الله _عز وجل_ أو أن يستبدل به نحاتات الأفكار وزبالات الأذهان من كلام البشر؟.

وأسوق في هذا المقام رداً نفيساً لفضيلة الشيخ صالح الفوزان _حفظه الله تعالى_ على الذين استبدلوا مصطلح (نحن والآخر) بما في كتاب الله _عز وجل_ (المسلم والكافر). يقول _وفقه الله تعالى_: "وقد وضع الله فوارق بين المؤمنين والكفار في الدنيا والآخرة ونهى عن التسوية بين الفريقين وجعل لكل فريق جزاء وأحكاماً في الدنيا والآخرة. ووضع لكل فريق اسماً مميزاً كالمؤمن والكافر والبر والفاجر والمشرك والموحد والفاسق والمنافق والمطيع والعاصي. ونهى عن التسوية بين المختلفين في هذه الأسماء والسلوكيات، فقال _سبحانه_: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات". وقال _تعالى_: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار". يعني لا نجعلهم سواء؛ لأن ذلك لا يليق بعدل الله. وأمر المؤمنين بالبراءة من الكفار والمشركين ولو كانوا من أقاربهم. قال _تعالى_: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده" ـ وهذا أصل من أصول الإيمان والدين متقرر في الكتاب والسنة وكتب العقيدة الصحيحة لا يماري فيه مسلم ـ.
ولكننا في هذه الأيام صرنا نقرأ في بعض الصحف نقلاً عما دار في مؤتمر الحوار الوطني محاولة واقتراحاً من بعض المشاركين ـ نرجو أن تكون تلك المحاولة والاقتراح صادرين عن جهل. وذلك كما نشر في بعض الصحف أن يترك لفظ الكافر ويستبدل بلفظ مسلم وغير مسلم، أو يقال المسلم والآخر. وهل معنى ذلك أن نترك ما ورد في القرآن والسنة وكتب العقيدة الإسلامية من لفظ الكفر والشرك والكفار والمشركين فيكون هذا استدراكاً على الكتاب والسنة فيكون هذا من المحادة لله ولرسوله؟ ومن تغيير الحقائق الشرعية فنكون من الذين حرفوا كتاب ربهم وسنة نبيهم ثم ما هو الدافع لذلك؟ هل هو إرضاء الكفار، فالكفار لن يرضوا عنا حتى نترك ديننا. قال _تعالى_: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" وقال _تعالى-: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء"، ثم إنه لا يجوز لنا إرضاء الكفار والتماس مودتهم لنا وهم أعداء لله ولرسوله. قال _تعالى_: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق". وإن كان مراد هؤلاء المنادين بتغيير هذه المسميات الشرعية التلطف مع الكفار وحسن التعامل معهم فهذا لا يكون على حساب تغيير المسميات الشرعية، بل يكون ذلك بما شرعه الله نحوهم [انتهى مختصراَ].
ثانياً: لو أن الأمر في استبدال (الآخر) بالكافر توقف عند الاستبدال اللفظي لكان الأمر أهون مع مخالفته لكلام الله _عز وجل_ كما تبين. ولكن الخطورة في هذا الاستبدال يتجاوز اللفظ إلى الهزيمة النفسية أمام الأخر الكافر، وذلك بالدعوة إلى عدم الكراهية له، وإخفاء ظلمه، وعدوانه، وإرهابه وكأنه مظلوم قد سلبت حقوقه!! ويشعر السامع من الذين يطرحون مصطلح (الآخر) بأنهم يعيشون تحت ظرف سياسي داخلي أو خارجي صور لهم الأخر وكأنه مظلوم يريد من ينصره ممن ظلمه!!
واعتمدوا في ذلك على نصوص في الكتاب والسنة تدعوا إلى التسامح والبر والقسط مع الكفار وحرفوها عن معانيها وفصلوها عن مناسباتها التي نزلت فيها. ونسوا أو تناسوا الآيات التي فيها وجوب عداوة الكافر والبراءة منه وجهاده حتى يكون الدين كله لله,
فمما ورد في البيان الختامي في اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري قولهم في تفسيرهم لمعنى (البراء) بأنه (الابتعاد عما يتناقض مع الإسلام وعدم التعاون مع أهله عليه ولا يعني ذلك التعدي على حقوقهم أو عدم التعاون معهم في القضايا العادلة).
اللهم إنا نعوذ بك من الخذلان. أهذا هوا ما يريده الله _عز وجل_ من معنى البراءة في القرآن؟ أهذا هوا الموقف الذي وقفه إمام الحنفاء إبراهيم _عليه الصلاة والسلام_ مع أبيه وقومه حينما قال: "إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني" وقوله _سبحانه_ عن خليله: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ " (4 سورة الممتحنة)، ما هذا التحريف في ثوابت الدين وأصوله. إن البراءة من الكافر في الإسلام تعني بغضه وبغض ما هو عليه من الكفر، وعداوته كما جاء ذلك في الآية السابقة. هذا إذا كان مسالماَ أما إذا كان حربياً فانه يضاف إلي المعاني السابقة جهاده وقتاله ورد عدوانه وإزاحته من طريق الحق والتوحيد ليصل الحق إلى قلوب الناس ويفرض سلطان الإسلام ودولته عليهم. إن المسلم حينما يسمع مثل هذه التعاريف والمواقف المتخاذلة ليخرج بنتيجة واحدة مفادها المطالبة بعدم كراهية الكافر، وأن نحترمه ونحافظ على حقوقه ونشفق عليه وكأنه هو المظلوم المسلوب الحقوق!! فهلا يعلم قومنا ما فعله الكافر (الآخر) وبخاصة أهل الكتاب في المسلمين في القديم والحديث ليعلموا من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه؟.
إن رفع شعار التسامح والصفح مع الكفار اليوم ليوضع في غير موضعه؛ لأن في ذلك خلط وتلبيس وتضليل حيث تسمى الموالاة والمداهنة للكفار تسامحاً ومداراة وفرق كبير بين المداراة والمداهنة التي فيها تصحيح مذاهب الكفار أو السكوت عليها، وإظهار المحبة لهم ونسيان عداوتهم وحربهم للمسلمين في القديم والحديث ((إن الذين كفروا من أهل الكتاب هم الذين ألبوا المشركين على الجماعة المسلمة في المدينة، وكانوا لهم درعاً وردءاً. وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام، وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس، وهم الذين شردوا المسلمين في فلسطين، وأحلوا اليهود محلهم متعاونين في هذا مع الإلحاد والمادية. وأهل الكتاب هؤلاء هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان.. في الحبشة والصومال وأرتيريه، ويتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية في يوغسلافيه والصين والتركستان والهند، وفي كل مكان. وهم الذين قتلوا أهلنا ونسائنا وأطفالنا في أفغانستان والعراق ثم يظهر بيننا من يظن أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر ندفع به الإلحاد والإرهاب إن هؤلاء لا يتدبرون القرآن الكريم وإلا لما اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام بدعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن.
إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية يخطئون في فهم معنى الأديان، كما يخطئون في فهم معنى التسامح، فالدين هو الدين الأخير وحده عند الله، والتسامح يكون في المعاملات الشخصية، لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي.
إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن الله لا يقبل دينا إلا الإسلام، وبأن عليه أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام، ولا يقبل دونه بديلاًَ، ولا يقبل فيه تعديلاً –ولو طفيفاً- هذا اليقين الذي ينشئه القران الكريم وهو يقرر "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ" [(19) سورة آل عمران]، "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ " [(85) سورة آل عمران]، " وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ " [(49) سورة المائدة]، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " [(51) سورة المائدة]. وفي القران كلمة الفصل.. ولا على المسلم من تميّع المتميعين وتميعيهم لهذا اليقين). (طريق الدعوة: أحمد فايز.. بتصرف يسير.)

• ومما ورد في بيانهم الختامي أيضاً قولهم في تعريف الجهاد:(هو بذل الجهد في تحقيق الخير ودفع الشر علماً أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم، والحرب حالة طارئة شرعها الإسلام لدفع ورفع الظلم والعدوان).
أهذا هو تعريف الجهاد وبواعثه في الإسلام؟

إن المتدبر لكتاب الله _عز وجل_ وسيرة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ليتبين له وبوضوح أن الجهاد شعيرة عظيمة من شعائر هذا الدين وهو إنما شرع رحمة بالبشرية الضالة بعامة، وبالمسلمين بخاصة، فالجهاد غايته كما قال الله _تعالى_: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه" [39 سورة الأنفال]، إن المتأمل لهذه الآية ليدرك أن الجهاد لم يشرع لدفع ورفع الظلم والعدوان فحسب نعم هذا هو جهاد الدفع وإنما شرع أيضا لإيصال الحق والتوحيد والهداية للناس في بقاع الأرض ليكون الدين كله لله؛ لان سنن الله _عز وجل_ اقتضت أن يكون الصراع بين الحق والباطل وأن المسلمين وهم يبلغون دين الله _تعالى_ للبشرية سيواجهون من يقف أمامهم للحيلولة بين الناس من ورائهم وبين أن يصل إليهم هذا الدين، وحينئذ شرع الجهاد بالسيف لإزالة هذه الحواجز من طواغيت الأرض من طريق الحق حتى يصل الحق الواضح البين إلي قلوب الناس ويخضع الجميع لدولة الإسلام، وحينئذ لا إكراه في الدين لأنه قد تبين الرشد من الغي. وحين يكون الدين في البلاد المفتوحة من قبل المسلمين لله _عز وجل_ يختار أهل هذه البلاد إما الإسلام أو دفع الجزية والعيش بأمان في ظل الدولة المسلمة وهذا هو جهاد الطلب الذي لولاه لما وصل إلينا الإسلام في بلادنا ولما انتشر الإسلام في بقاع الأرض. وهذا ما أغفله المجتمعون في حوارهم الوطني وهم يعّرفون الجهاد.
فهلا سألوا أنفسهم ما لذي جعل المجاهدين الأوائل من الصحابة والتابعين يفتحون البلدان النائية كفارس والروم وخراسان وسمرقند والهند والسند. هل تعرض المسلمون لعدوان من أهل هذه البلاد؟ أم أن المسلمين كانوا يرون أن من واجبهم إيصال هذا الدين إلي العالمين رحمة بهم فإذا اعترض أحد يعيقهم عن نشر هذا الدين أزاحوه بالسيف إن لم يزح بغيره. حتى يكون الدين كله لله ويخضع الجميع للدولة المسلمة.

وختاماً: أدعوا الذين أقرّوا هذا البيان الختامي للحوار الوطني، أن يتقوا الله _عز وجل_ في أنفسهم وأمتهم، وأن يراجعوا ما دونوه من هذا الكلام الخطير في بيانهم، لأن فيه قدح لأصول هذا الدين وثوابته أو على الأقل فيه تلبيس وتدليس، وأخص من شارك في هذا الحوار من المنتسبين للدعوة والعلم والسنة، فإما أن يقولوا كلمة الحق ويواجهوا الباطل وأهله بها فتبرأ ذمتهم بذلك، وإما أن يفارقوا هذه المجالس ويعتزلوا أهلها وما يخوضون فيه، فهذا أعذر لهم عند الله _عز وجل_ وعند الناس. لأن الله _تبارك وتعالى_ يقول: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (68 سورة الأنعام).
أسأل الله _عز وجل_ أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه وأن يرزقنا الإخلاص له، والمتابعة لرسوله _صلى الله عليه وسلم_.

والحمد لله رب العالمين