علاقة أدب الأطفال الإسلامي بالتربية
26 صفر 1427

في بحث له حمل عنوان "علاقة أدب الأطفال الإسلامي بالتربية"، جاء ضمن ندوة "منهج الأدب الإسلامي في أدب الأطفال" لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الرياض، يلقي الدكتور محمد شاكر سعيد(*) ضوءاً مركّزاً على أهمية الاستفادة من أدب الأطفال، في تربية النشء الجديد، وفي إدخال مفردات التربية والأخلاق الإسلامية في وجدان وعقل الطفل.

ويؤكد الدكتور سعيد على أهمية التربية، كعلم تطبيقي ونظري، في حياة المجتمعات والأفراد؛ لأنها تلعب دوراً مهماً في تنشئة الأبناء وإعدادهم بما يتناسب مع تطلعات مجتمعاتهم وأهدافها، ولأنها تقوم بدور فاعل في المحافظة على "تراث الأمة" و"تقاليدها"، كما أنها أداة تقدم المجتمعات وتطويرها وإغنائها، من خلال توفير سبل التفاعل مع المعرفة المتطورة للأفراد، وتنمية شخصياتهم ليكونوا قادرين على مواجهة المشكلات بجهودهم الذاتية، ومهاراتهم المكتسبة.

ويقدم تصوره عن معنى (التربية) في الإسلام قائلاً: "إن (التربية) في التصور الإسلامي تعني: تنشئة الأطفال وإعدادهم للدنيا والآخرة، ورعاية نموهم رعاية شاملة لجميع جوانب النمو الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي والخلقي والروحي. وهدفها الأسمى هو: أن تنتج النموذج، وتنقل التراث، وتساعد الفرد على التوافق مع أفراد المجتمع وأهدافه ومتطلباته".

وينتقل الدكتور سعيد إلى أدب الأطفال، كأحد الأشكال التي تدخل سريعاً في قلب الطفل، حيث يرى أن أدب الأطفال يشكل وجدان الطفل، وينمي عواطفه، ويساعده على ضبط انفعالاته، ويسهم في نمو لغته، وتشكيل قيمه، وإمداده بالمعلومات، وتنمية مشاعر الولاء والانتماء للأمة والوطن.
ويؤكد على أهمية الاستفادة من هذا العلم في التربية بالقول: "إننا نؤكد أن "أدب الأطفال" يعد من أهم الوسائط التي تسهم في "تربية" الطفل وإعداده لمواجهة تحديات عصره ومستقبله إلى جانب الوسائط التربوية الأخرى؛ لأننا عن طريقه نستطيع أن نكرس في نفوس الأطفال مجموعة القيم الاجتماعية، والأخلاقية، والوطنية، والقومية، والجسمانية، والترويحية، وتكامل الشخصية، وقيم الحياة العامة التي إذا أُحسن بناؤها في نفوسهم فقد ضمنا جيلاً لا يشكل عبئاً على مجتمعه، ولا يكون مصدر خطر على الحياة والعالم".

التربية مسؤولية دينية:
ويجد الدكتور محمود أهمية الازدواج الحاصل بين شقي الجملة، موضحاً أنه إذا كانت "التربية" تسعى إلى تغيير ما في نفس الفرد عن طريق تنمية مواهبه، وتعديل سلوكه وميوله وإصلاح سيرته؛ فإن "الأدب" يستطيع أن يحقق للتربية ما تسعى إليه بجهد أقل وبأسلوب أيسر مما لو اتُّخذت إجراءات تربوية طويلة إذا كان ذلك الأدب خَيِّراً.
فهل يتعاون أدباؤنا وتربويونا لإدخال مفهوم "التربية الإسلامية المتكاملة" لأطفالنا؟؟؟

هذا ما تدعو إليه هذه الدراسة من خلال تعاون الأدباء والمفكرين الذين يسعون إلى إيجاد طفولة إسلامية سعيدة واعدة، وإعداد أطفالنا لمستقبل باهر واعد، وبعلاقة تكاملية تواصلية بين "أدب الأطفال" و"التربية" مع تأكيد أن كل ما ذكرنا من مواصفات الأدب الخيِّر الموجه للأطفال لا يتوافر إلا في رحاب أدب الأطفال الإسلامي.

ويركز الدكتور في محاضرته التي ألقاها ضمن ندوة (منهج الأدب الإسلامي في أدب الأطفال) ضمن فعالية لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في الرياض، عقدت في شهر صفر 1427هـ، على أن التربية هي مسؤولية دينية قبل أن تكون مسؤولية اجتماعية؛ مستنداً إلى أن هذا المفهوم هو واجب نصت عليه كثير من نصوص ديننا الإسلامي الحنيف، وقد عرفها بعضهم بأنها: "تنشئة الأطفال وإعدادهم للدنيا والآخرة، ورعاية نموهم رعاية شاملة لجميع جوانب النمو الجسدي والنفسي والعقلي والاجتماعي والخلقي والروحي".
وهدفها الأسمى (كما يراه بعض المفكرين والتربويين) هو: أن تنتج النموذج، وتنقل التراث، وتساعد الفرد على التوافق مع المجتمع.

وكشرط لنجاح يضيف بالقول: "لا يمكن أن يتحقق هذا الهدف أو غيره من أهداف التربية إلا إذا تفاعلت التربية مع المؤسسات والوسائط التربوية الأخرى التي تلعب دوراً رئيسياً في الضبط والتكامل الاجتماعي؛ وذلك لأن الأجهزة التعليمية النظامية تنوء بحمل مسؤولية تربية الأجيال المتلاحقة في عصر يتسم بالديناميكية التقنية، والتفجر السكاني، والتفجر المعرفي، وفي ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة".
لذا كان لا بد للوسائط التربوية الأخرى من أن تضطلع بدورها التربوي، وأن تكون أهدافها أكثر عمقاً وأوسع شمولاً لتنمية الفرد نمواً ذاتياً متكاملاً من خلال تشجيع التفكير الإبداعي.

أخطاء في أدب الأطفال:
يشير الدكتور محمد شاكر سعيد إلى بعض الأخطاء التي يرتكبها بعض كتاب أدب الأطفال، وإغفالهم للأخلاق الإسلامية الحميدة، أو التربية الدينية القويمة، قائلاً: "لما كان كل مجتمع مرهوناً بظهور نتوءات تشذ عن القاعدة الاجتماعية في شتى الجوانب بعامة، وفي "الأدب" بخاصة؛ لذا فلا غرابة أن ترى بعض "الأدباء" يوجهون الناشئة إلى وجهات ترضي ميولهم الشخصية، ولكنها تتنافى مع التوجيه الأخلاقي العام للمجتمع، على الرغم من أن "تهذيب الأخلاق في نظر بعض المربين هو الغرض الأسمى من التربية، فإذا عني المتعلم بتغيير ما في نفسه من بعض النواحي، وأهمل هذه الناحية المهمة، كانت تربيته وبالاً عليه ومفسدة لمجتمعه؛ إذ ليس ثمة ما يمنعه من استعمال عقله وعلمه في سبيل الشر".

مشيراً إلى إدراك الأدباء السابقين لهذه السمة والنوعية من الأدب، مع ذكر أمثلة تاريخية على ذلك قائلاً: "من أجل ذلك فقد أدرك أدباؤنا القدامى هذه الحقيقة وكان الأدب يقبل أو يرفض من خلال المنظور التربوي؛ حيث كان أدباؤنا يرون أن الغايات الأخلاقية تتحقق في أغراض الشعر الخيرية، وأن ممارسة الشعر في حدود الخير إبداعاً ورواية وحفظاً تزيد القدر ونباهة الذكر، أما الأشعار التي تتناول الشر للترغيب فيه والدعوة إلى ممارسته فهي أشعار تفسد الطبائع وتثير الفتن. لذا فلا غرابة إذا رأينا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يوصي ابنه عبد الرحمن قائلاً: "يا بني، احفظ محاسن الشعر يكثر أدبك، فمن لم يعرف الشعر لم يؤد حقّاً، ولم يقترف أدباً"، ونقل عنه – رضي الله عنه – أنه قال: "ارووا من الشعر أعفه، ومن الأحاديث أحسنها... فمحاسن الشعر تدل على مكارم الأخلاق، وتنهى عن مساويها".

ويضيف قائلاً: "قد أدرك علماؤنا – قديماً – الأثر السلبي الذي يتركه "الأدب" في نفوس الأطفال إذا لم يقدم إليهم بطريقة صحيحة؛ حيث رأينا الجاحظ يؤكد "علاقة الأدب بالتربية" حين رأى أن ذكر السعالي والأوهام والأشباح والعوالم الخفية الأخرى التي لا وجود لها حقيقة كالسمكة التي نصفها إنساني، والنصف الآخر سمكة؛ تكون من أخطر السلبيات في تربية الأطفال فتسبب ضعفاً في إدراكهم وقصوراً في تفكيرهم".

أهمية ارتباط الأدب بالتربية الإسلامية:
وينطلق الدكتور سعيد للتركيز على أهمية ارتباط الأدب الموجه للطفل، بالتربية الإسلامية، ويقول: "من هنا فإننا نؤكد أنه لا يمكن أن نركن إلى كل نتاج أدبي يوجه للأطفال لنضمن أنه يحقق الأهداف المرجوة والأهداف التي تتوخاها "التربية" منه.
وبناء على ذلك يبرز السؤال المهم – هنا – وهو: ما المواصفات والمعايير التي يمكن أن ترشح "أدب الأطفال" ليكون قادراً على تحقيق ما نصبو إليه من الأهداف والنتائج؟

ومع تأكيد كثير من الدراسات عدم وجود ضوابط ومعايير علمية وموضوعية تضبط صناعة النص الأدبي الموجه للأطفال من حيث الشكل والمضمون ووسائط الإيصال، وتقيم قواعد ثابتة في مجال تقويم ونقد العمل الأدبي المقدم للأطفال، وأن الأمر لا يزال متروكاً للمبادرات الفردية والقناعات الشخصية والأمزجة المختلفة، إلا أن المهتمين بالأدب الإسلامي للأطفال قد وضعوا معايير ومواصفات يمكن أن ترشح "أدب الأطفال الإسلامي" ليكون قادراً على تحقيق ما نصبو إليه من الأهداف والنتائج".

ويورد أفكاراً لأحد رواد أدب الأطفال الإسلامي، قائلاً: "أوضح الدكتور نجيب الكيلاني (وهو رائد من رواد الأدب الإسلامي وأدب الأطفال الإسلامي) الأهداف التي يمكن أن يحققها أدب الأطفال ضمن عدد من المحاور التي لخصها الدكتور عبد القدوس أبو صالح في المحاور التالية:
محور الأهداف الدينية.
محور الأهداف السلوكية.
محور الأهداف الفنية.
محور الأهداف التعليمية.

كما يعرج الكاتب على المعايير التي يجب أن يتضمنها الأدب الموجه للأطفال، مشيراً إلى ما حدده محمد أديب الجاجي (وهو من المهتمين بالأطفال وأدب الأطفال والرؤية الإسلامية لأدب الأطفال) من معايير تصلح لبناء وتقويم العمل الأدبي المقدم للأطفال، والتي حصرها في المعايير التالية:
المعيار الشرعي: لمطابقة النص الأدبي المقدم للأطفال للحقائق الشرعية والقيم العقدية والإيمانية.
المعيار العلمي: لمطابقة النص للحقائق العلمية الثابتة التي استقرت عليها نظريات العلوم في أحدث تحقيقاتها.
المعيار القيمي: لتقويم ما اشتمل عليه النص من القيم والاتجاهات كهدف يبنى عليه العمل الأدبي.
المعيار المرحلي: لمراعاة إعداد النص وفقاً لمرحلة النمو اللغوي والإدراكي للجمهور المستهدف.
المعيار الفني: لمراعاة تقديم القيمة أو المعلومة وفقاً للمواصفات الفنية والإبداعية للنوع الأدبي الموجه للأطفال، بما في ذلك مواصفات الإخراج الفني من جميع نواحيه.
المعيار المهني: لمراعاة تمتع المبدع بالثقافة الشاملة والموهبة المتألقة والخلفية المهنية اللائقة بكتابة النوع الأدبي وفق المعايير والمواصفات المقبولة.
معيار السلامة: أي سلامة النص الأدبي من كل ما يتناقض أو يتنافى أو لا ينسجم مع المعايير اللازمة.
المعيار النقدي: الذي يضعه الأديب الناقد بين يديه وهو يحكم على "النص" أو يقومه في ضوء ما سبق من المعايير والمواصفات.
وهي تشكل مجموعة من المعايير وقواعد النقد يمكن الإفادة منها في مجالي الإبداع للطفل وتقويم ما يُنتج له من ألوان الأدب والثقافة.

ويضيف قائلاً: "إن هذه التحديات ستتضاعف مستقبلاً عن التحديات المعاصرة، وسيتفرع عنها كثير من التحديات والمشكلات مما يؤكد أن نجاح خطط التنمية في أمتنا مرهون بمقدرتها على إعداد أطفالها الإعداد الأمثل الذي يساعدهم على مجابهة التحديات ضمن المحاور التالية:
المحور الروحي والأخلاقي:
حيث إن أمتنا الإسلامية تمتلك تراثاً روحياً وعقدياً وخلقياً متميزاً تربت على أساسه أجيال أمتنا في عصورها المختلفة، وبدت آثاره جلية في تربية أبنائنا في مختلف العصور، ولكن الاحتكاك بالثقافات الأخرى، وانتشار وسائل الإعلام، والاتصال السريع؛ حتى عبر بعضهم عن ذلك بأن شبه العالم في هذا العصر بالقرية الصغيرة يعرض أبناءنا لبعض التيارات الفكرية والثقافية التي يُخشى أن يكون لها آثار سلبية على تربيتهم وأخلاقهم".

ويتابع بالقول: "يمكن أن نوظف "أدب الأطفال الإسلامي" في سبيل تربية أبنائنا وتحقيق متطلبات المحور الروحي والأخلاقي عن طريق: استغلال الأشكال الدرامية من قصة ومسرحية ومسلسلات وأشعار وغيرها في تقديم مواقف سلوكية إيجابية تسهم في غرس القيم الخلقية الأصيلة في نفوس وعقول الأطفال؛ لأن التربية الروحية للأطفال من أهم عوامل نجاحهم في حياتهم المستقبلية، ومن أهم عوامل نجاح الأمم وبقائها، حتى إن (دوركيم) شبهها بالزي المميز بقوله: "إن الأنظمة الأخلاقية [والروحية] للمجتمعات من أكثر الأنظمة أهمية لأنها بالنسبة للمجتمع تشبه السترة المميزة له". وبخاصة في وقت "بدأت فيه قوة الدين تضعف في أوروبا تدريجياً نتيجة لازدهار المادية ونمائها، مما أطلق العنان للأنانية والحقد واستغلال النفوذ والكراهية" مع ملاحظة أن اتصالنا مع تلك المجتمعات قد صار سهلاً وميسراً لكثير من أطفالنا في هذه الأيام بعد تعدد وسائل الاتصال وانتشارها.

الإكثار من الكتب التي تسهم في تعويد الأطفال ممارسة العبادات بطريقة سهلة مبسطة لزيادة ارتباطهم بخالقهم – عز وجل – لأن الابتعاد عن الالتزام الخلقي في مجال العبادات والمعاملات هو بداية الهلاك والانهيار للأمم والمجتمعات، إذ قال تعالى: "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً" (الإسراء:16).

الإفادة من إمكانيات وسائل الإعلام المختلفة في عرض "أدب الأطفال الإسلامي" المناسب، حتى نضمن لهم مستقبلاً فاعلاً في صنع حضارة إنسانية راقية، ونجنبهم ضراوة الصراعات المادية والأخلاقية – بإذن الله -، وحتى نرسم لهم الحدود المثلى لعلاقة الأنا بالآخر".

ويختتم هذا المحور بالقول: "إن تراثنا الديني – والحمد لله – يزخر بالمواقف والشخصيات التي يمكن الإفادة منها في هذا المحور المهم، مع تأكيدنا أن التربية الروحية للأطفال من أهم عوامل نجاحهم في حياتهم المستقبلية بطريقة تميزهم عن غيرهم من أبناء المجتمعات التي وصلت إلى ما وصلت إليه نتيجة تخليها عن الجانب الروحي في تربية أبنائها".

المحور العلمي والتكنولوجي:
وفيه يذكر الكاتب أن الصراع في العصر الحديث قائم على التفوق العلمي؛ لذا فنحن بحاجة إلى غرس القدرة على التفكير العلمي لدى أطفالنا؛ لأن "التفكير العلمي من شأنه أن يوفر أسباب الرخاء والرفاهية، وعن طريق التفكير العلمي قفز الإنسان من عصر الحجر إلى عصر المعدن، ومن عصر الدابة إلى عصر البخار، ثم عصر الكهرباء فعصر الذرة والفضاء في حقبة لا تزيد على واحد بالمئة من حياة الإنسان على الأرض" وإذا لم ينافس أطفالنا في مجال التفوق العلمي فإنهم سوف يتخلفون عن ركب الحضارة والتقدم، ويبقون عالة على من يتصدق عليهم بما يستغني عنه من المعارف والمعلومات وأسرار العلم والتكنولوجيا.

ويقول: "ويمكن أن يتم ذلك عن طريق البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وكتب الأطفال ومجلاتهم، إلى جانب تدريبهم على جمع البيانات وتصنيفها وتحديد المشكلات، وفرض الفروض والاستنباط والتجريب وغير ذلك من عمليات التفكير العلمي؛ لأن غرس التفكير العلمي في أذهان الأطفال هو أول خطوة على الطريق الصحيح نحو تربية علمية صحيحة".

المحور الاجتماعي:
يشير الكاتب هنا إلى أن علماء النفس والتربية عندما درسوا النمو العقلي والوجداني للطفل، وجدوا أن هناك بعض الخصائص النفسية التي لو أشبعها "الأدب" لعمل على استواء شخصية الطفل واستقرارها.
فإذا ما واجه طفل إحباطاً من والديه ونظرائه؛ فإنه سينشأ لديه إحساس بالحاجة إلى الرفيق المثالي الذي يرتاح إليه، ويملأ عزلته تعويضاً عما افتقده في منزله، ومن ثم فإن "قصة" تتضمن صداقة بين شخصين – بشراً كانوا أو حيوانات – بحيث يجد كل منهما في صاحبه العون والرعاية والمؤازرة والأنس، يمكن أن تشبع لدى هذا الطفل إحساسه بالحاجة إلى الرفيق المثالي أو على الأقل ترضي هذا الإحساس بما يجعل الطفل يقبل على مثل هذه القصة وما تتضمنه من قيم ومبادئ يراد غرسها في نفسه، بالإضافة إلى الرحلة والمتعة التي تنتج من إشباع هذا الاهتمام.

المحور السياسي والتاريخي:
يقول الكاتب: "إن أخطر التحديات في العصر الحديث هي التحديات السياسية، ومن مظاهر ذلك أن بعض الشعوب تدفعها أوهامها التاريخية والأسطورية وتغريها قوتها وعنجهيتها إلى مغامرات عدوانية تستهدف أمن الغير ووجودهم واستقرارهم؛ لذا فإن من أهم واجبات المجتمعات الواعية تربية الأبناء على قيم المحبة الإنسانية ووحدة الوجود الإنساني، والابتعاد عن العنف والقسوة والاعتداء على الآخرين بغير حق، والابتعاد عن صفات الغلو والتطرف والتشدد".

ويتابع الدكتور محمد شاكر سعيد قائلاً: "يرى بعضهم أن "التربية" و"أدب الأطفال" يسيران في طريق واحد، وأن "أدب الأطفال" ليس إلا جهداً إضافياً أو تكميلياً يُفرض على الأطفال ويحملهم فوق ما يستطيعون.
ولهذا نؤكد أن مسألة "أدب الأطفال" ودوره في "التربية" لا تزال دون المستوى المرغوب فيه، ولا تزال بعيدة عن مكانها الذي يجب أن تصل إليه، والذي تؤكده عملية التربية الحديثة انطلاقاً من مسلمة أن الطفل هو محور العملية التعليمية وهو كذلك بالنسبة لأدب الأطفال".
ويضيف "لذا لا غرابة إذا رأينا الدكتور شكري عياد يؤكد: "أن أدب الأطفال ليس عملاً تربوياً فحسب، ولكنه عمل فني أيضاً بل هو عمل فني أولاً، وكم نشفق على الملايين من أطفالنا لأنهم لا يجدون إلا القليل من الأعمال التربوية، ولا يكادون يجدون شيئاً على الإطلاق من الأعمال الفنية!".
وهذا يؤكد أن اهتمام الأدب بجوانب النبل والفضيلة لا يجيز له أن يتخلى عن رسالته في عالم الذوق الفني والمهارة الإبداعية؛ لأن ذلك ينقله من قائمة "الأدب" إلى جاني الوعظ والإرشاد".

________________
(*) أستاذ الأدب والنقد بجامعة القاهرة ورئيس قسم اللغة العربية بكلية دار المعلمين بأبها سابقاً.