السنة العرب بين المقاومة والاختراق

بعد احتلال القوات الأمريكية بغداد فى 9 ابريل 2003 وحل كل مؤسسات الدولة العراقية وتفكيك المجتمع العراقى إلى مكوناته الأولية ،كان الأضعف فى المعادلة الداخلية العراقية أو فى التوازن بين الأطياف الرئيسية فى المكون الداخلى العراقى هم "السنة العرب "،الذين أصبحوا فى مواجهة مع جميع القوى الأخرى (الاحتلال والقوى الداخلية) التى عملت على إضعافهم أكثر وأكثر ،وفق آليات ووسائل متعددة حسب ظروف كل طرف أو حسب أهدافه وحدود وطبيعة قدراته ومدى اقترابه من المخطط الامريكى .وفى ذلك لم تكن الهجمات العدوانية لقوات الاحتلال وحدها هى العامل الأخطر،وكذلك لم تكن المناورات التى قامت بها أطراف أخرى لإحراز نجاحات على حساب السنة بالاستفادة من الهجمات الأمريكية ،بل كان الأخطر ما كان يجرى من عملية مخططة "لاختراق" الأوضاع فى منطقة وسط العراق من خلال مساندة الاحتلال لمجموعات سياسية باتت تتحدث باسم "السنة العرب" لتدخلهم ضمن لعبة التقسيم والانقسام التى خطط لها الاحتلال ،ولتكون هذه المجموعات عامل إضعاف لهم أو لتنشط تلك المجموعات فى مواجهة الهيئات والمجموعات التى ظهرت لتدافع عن حق المقاومة فى العراق على أسس وطنية شاملة وعربية وإسلامية.

كان ضعف السنة العرب عند بداية الاحتلال راجعا لأسباب متعددة مركبة ،منها أن لعبة التقسيم التى خطط لها الاحتلال ونفذها كانت قد فصلت وأبعدت عنهم "إخوتهم" الأكراد ،إذ جرى التقسيم فى العراق على مستويات متعددة لا على مستوى واحد .فإذا كان البعد الطائفى أو المذهبى هو ما قسم بين السنة والشيعة ،فان البعد "القومى" هو ما غلب صفة الكرد "كقومية "على صفتهم "كسنة أحناف ".وكان منها أن توزيع قوات الاحتلال قد خص مناطق السنة بقوات الجيش الامريكى دون سواها وهى الأشد عدوانية واجراما والأكثر عددا وعدة ،بينما جرى توزيع القوات الأقل عددا وتجهيزا (البريطانية وعددها 8 آلاف –واليابانية –والكورية والأسبانية والبولندية وجميع القوى الهامشية الأخرى) فى مناطق الجنوب والشمال الشرفى،بما شكل ضغطا -وفق رؤية مسبقة -على "السنة العرب" ومناطقهم لإضعافهم وهزيمة عوامل قوتهم الذاتية.و كان منها أن السنة العرب أنفسهم كانوا أصبحوا قبل الاحتلال الوحيدين ،الذين لا أشكال سياسية تعبر عنهم أو أشكال تنظيمية تنظم جهودهم وتقود حركتهم ،على خلاف الأطياف الأخرى المشكلة للشعب العراقى خاصة الشيعة والأكراد ،اللذان كان كليهما قد شكل تنظيمات سياسية وعسكرية خلال فترة الحظر الجوى الذى تواصل لأكثر من 10 سنوات على الجنوب والشمال،فاستفاد كليهما من ضعف السلطة المركزية العراقية،فيما كان وجود وقوة جهاز الدولة العراقى وسيطرته فى منطقة وسط العراق مانعا "للسنة العرب" من تشكيل تنظيمات مستقلة لاى فئة أو مجموعة، لخطورة ذلك على النظام وقاعدة تمثيله السياسى والاجتماعي.

وقد تضافر مع هذه العوامل التى تشكلت جوانبها قبل الاحتلال وما بعده ،أن تركز الهجوم السياسى الاعلامى على السنة العرب باتهامهم أنهم من ساندوا النظام العراقى –أو بأنهم كانوا مصدر قوة أنظمة الحكم المتعاقبة فى العراق منذ الاستقلال- وأنهم هم من سيطروا على قيادة العراق بدون وجه حق وأنهم هم الذين قاموا بعمليات تصفية ضد الطوائف الأخرى ،وذلك فى حملة إعلامية ظالمة مكثفة كانت تصب بقصد وبطرق بالغة الدهاء ضد السنة العرب إذ جرت الحملة عليهم باعتبارهم من كانوا فى الحكم،وهم لم يكونوا كذلك بالطبع !
وقد زاد من حالة الهجوم ومن عملية تأليب القوى العراقية المختلفة ضد السنة ،أن بدأت المقاومة فى مناطق تركزهم دون غيرهم كما كانوا هم من وفر لها كل السبل لتحقيق النصر ،فكان أن جرى تصوير المقاومة بأنها ليست إلا حالة من حالات دفاع السنة عن "مكاسبهم السابقة" وأنها ليست سوى محاولة من السنة لإعادة السيطرة على العراق مجددا .كما زاد من الهجوم ، أن السنة العرب كانوا هم من رفضوا الانخراط فى العملية السياسية التى نظمها واشرف عليها الاحتلال ،إذ جرى تصوير الأمر على انه محاولة من السنة العرب لمنع الأطياف الأخرى من الحصول على أوضاع جديدة فى حكم العراق.
وهكذا وخلال الأعوام الثلاث التى مرت على احتلال العراق كان السنة العرب هم الحلقة الأضعف سياسيا وتنظيميا –فى حالة التقسيم ونتائجها-كما كانوا هم جهة الهجوم العسكرى والسياسى الاعلامى للاحتلال وأعوانه ،كما باتوا المستبعدين من عملية تشكيل جهاز الدولة الجديد فى العراق بل هم من جرى تشكيل جهاز الدولة ضدهم وفى مواجهتهم .
الاختراق
كانت قضية التمثيل السياسى والتشكيل التنظيمى لمنطقة وسط العراق ،هى القضية المحورية عند كل من الاحتلال وأهل هذه المنطقة فى العراق .من جانب الاحتلال فهو حاول أن ياتى بتمثيلهم وفق رؤية طائفية ،ومن جانب أهل وسط العراق فقد تكثفت محاولاتهم من اجل تأسيس هيئات وتنظيمات وفق رؤية وطنية وعربية إسلامية.الاحتلال سعى سعيا حثيثا إلى تمثيل السنة العرب بعناصر تابعة له أو قابلة للتعاون معه –على أساس طائفى-تكون جزءا من لعبة العملية السياسية ويكون بذلك قد نجح فى التقسيم السياسى للعراق على مستوى التمثيل الطائفى ،بينما انشغل أهل مناطق الوسط بفكرة تشكيل تنظيمات متعددة تمثل العراق كله ،ولتكون سندا وتأييدا للمقاومة الوطنية العربية الإسلامية فى العراق كله.كان الصراع بين رؤيتين رؤية الاحتلال التى كانت تسعى إلى جعل السنة العرب حالة طائفية فى العراق لينجح مخطط التقسيم وليمكن إشعال الحرب الداخلية متى أراد الاحتلال أو لتمكين الاحتلال من تجميع القوى الأخرى معه فى حرب ضد المقاومة والسنة معا،وبين رؤية تجميعية تسعى إلى تشكيل نمط وطنى وعربى واسلامى من الأشكال والهيئات والمنظمات لتدافع عن حق المقاومة ولمواجهة التقسيم ولعزل المشاركين فى اللعبة السياسية التى شيدها الاحتلال بما فيها من أفخاخ على جميع الطرق الموصلة إليها وفى داخلها ذاتها.
لقد بدا الاحتلال بفكرة التقسيم داخل من حملتهم الدبابات الأمريكية ،وكان عدنان الباجاجه وممثل الملكية الدستورية هم المرشحين لتمثيل السنة العرب من قبل الاحتلال،غير انه طور تلك اللعبة بعد تأكده من عدم قدرة من جلبهم معه نيل ثقة السنة العرب -عكس الحال فى الأوساط الكردية والأحوال فى تمثيل الشيعة –فعمل على إتاحة الفرصة أمام الحزب والاسلامى للنشاط مع حصره بفكرة التمثيل للسنة العرب .كان الحزب والاسلامى قد وافق على المشاركة فى مجلس الحكم الامريكى الانتقالى وفى الانتخابات الأولى تحت حراب الاحتلال وفق رؤية تقوم فى الأغلب على عدم ترك الساحة خالية أمام الآخرين وحدهم،إلا أن أحداث الفلوجة ونمو وتصاعد المقاومة قد اضعف قدرة الحزب والاسلامى على لعب الدور الذى أراده له الاحتلال –والذى ظهر له أن للحزب أجندة خاصة تتخطى حسابات الاحتلال أيضا –بما جعل الاحتلال "يدير ظهره للحزب" ويفتح الطرق أمام أنماط متنوعة من الكيانات والتجمعات العاملة فى منطقة الوسط لاجتذاب اكبر عدد من اهالى منطقة الوسط فى لعبة التمثيل والتقسيم ،وكذا بالنظر إلى حاجه الاحتلال إلى قوى جديدة فى مواجهة التغلغل الايرانى فى العراق على حساب المصالح الأمريكية ،وهو ما ظهر خلال الانتخابات الأخيرة التى نجح الاحتلال خلالها من إبراز تمثيل "للسنة العرب" ،ومن استخدام هذا التمثيل المشوه فى ترتيبات ومناورات اللعبة السياسية الجارية لتحقيق أهدافه.
المقاومة
كانت المقاومة العراقية هى من أوقف مشروع الاحتلال الامريكى فى المنطقة كلها.وفى العراق كانت المقاومة هى القوة الفاعلة على الأرض ضد قوات الاحتلال وضد مشروعها لتقسيم العراق كذلك .ورغم أن المقاومة تركزت نشاطاتها العملياتية فى مناطق وسط العراق ،إلا أنها لم تطرح برنامجا طائفيا ،كما هى بتركيزها على مواجهة قوات الاحتلال شكلت رأيا عاما ضد التقسيم الطائفى –رغم كل محاولات الاحتلال وعملاؤه وصمها بهذه الصفة-كما هى شكلت سندا لكل المجموعات والكتل والحركات العربية والإسلامية التى وقفت ضد الاحتلال .لكن المقاومة لم تتمكن لظروف سيطرة الاحتلال وبحكم تمتع قواته بقدرات تكنولوجية (خاصة الطائرات) من إعلان هيئة محددة ناطقة باسم المقاومة نفسها على الأرض العراقية-أو فى اى مكان بالوطن العربى بحكم حالة النظم العربية- فاكتفت فى الإعلان عن نفسها ومواقفها من خلال عملياتها المسلحة ومن خلال نشاطها الاعلامى واعلامى فى شكل البيانات المكتوب منها والمصور التى يجرى توزيعها عبر الشبكة الاليكترونية .لقد تشكلت هيئة علماء المسلمين كإطار جامع منتشر فى كل أنحاء العراق وهى تمسكت بحق المقاومة دون تمثيلها،كما ظلت التنظيمات المسلحة للمقاومة على حالها لا تتدخل فى اى نزاع داخلى وتركز جهودها على قوات الاحتلال وعلى جهاز الدولة العميل الذى شكله أصحابه على أساس طائفى –دون قدرة على إعلان طائفيته وإلا انتهى مشروعهم فى السيطرة على العراق وتغيير هويته –بما هيا ظرفا أفضل للدفاع السياسى الاعلامى عن المقاومة .إلا أن الظروف التى منعت المقاومة من إعلان مواقفا جماهيريا وسط تجمعات سكانية عراقية-وهذا أمر طبيعى- أوجدت حالة من الفراغ على مستوى التمثيل السياسى للمقاومة ،بما اتاح فرصا لأدعياء يدعون قربهم من المقاومة وهى ظروف وأوضاع باتت تتطلب من المقاومة إبداع طريقها الخاص فى الإعلان عن مشروعها وبرامجها وفى القيام بنشاط سياسى جماهيرى على ارض العراق من خلال هيئات ومؤسسات ،بما ينهى كل محاولات الاحتلال لاختراق الوضع فى وسط العراق و تمثيل أهله وفق تمثيل طائفى ،وبما يعلن عن تشيل سياسى يضم مكونات تشمل كل أهل العراق.