أنت هنا

الزحف نحو العاصمة التشادية..حرب بالوكالة عن من؟
16 ربيع الأول 1427

في خرائط العرب بعد القرون الأولى من الإسلام كان الحزام الممتد من جمهورية السودان الحالية وحتى ساحل الأطلسي تسمى السودان, وحين بزغت شمس الفتوحات الإسلامية في بلاد الشمال الإفريقي, وجدت الدعوة الإسلامية الطريق معبداً لها بين القبائل الإفريقية في الجنوب الذي استقبل الإسلام بترحاب كبير.. امتدت نفوذ الدولة الإسلامية في أحيان كثيرة إلى مناطق "السودان" القديم وعرفت أراضيه الشاسعة ممالك وسلطنات متعددة.
وسودان اليوم هو سودان يضم تركيبة ثقافية وقبلية بالغة التشعب والتعقيد, والامتداد أيضاً إلى بلدان أخرى مجاورة في الشرق والغرب والجنوب , ومفهوم أن يتمدد الأمن القومي السوداني حيث يمتد النفوذ القبلي والثقافي والسياسي والعسكري والديني في الغرب حيث جمهورية تشاد التي ظلت بعد استقلالها عن فرنسا في العام 1960 رهينة النفوذ الفرنسي أيضاً.
وفرنسا الاحتلال, تعتبر تشاد البلد الصغير الذي لا يجاوز تعداده ثمانية ملايين نسمة إحدى ضياعها المتناثرة في بلدان إفريقية عديدة والمتمركزة في تلك البقعة الرئيسية في قلب إفريقيا, وبالتالي فهي ما تزال تحتفظ بنفوذها العسكري والسياسي القوي فيه, والسودان التاريخ والأمن القومي الذي لا يطيق بقاء هذه البقعة الرخوة ثغرة سهلة يمكن نفاذ المحتلين الجدد أو القدامى من طريقها إلى دارفور حيث تتجه أنظار مجلس الأمن مراراً إليها, وبالتالي كان طبيعياً أن تصطبغ الحرب الأهلية الدائرة الآن ـ بغموض ـ في الشرق التشادي بصبغتي السودان وفرنسا.
الاتهامات توزع بسخاء الآن على قائد "التمرد" أو "التحرر" التشادي أو بائع الأجهزة الكهربائية السابق في السودان محمد نور بالانطلاق من الغرب السوداني وتلقي الدعم من حكومة البشير من أجل إطاحة رئيسها إدريس دبي الذي جاء من قبل إلى سدة الحكم استحقاقاً لتوافق بين السودان وليبيا الراغبة في طي ملف هزيمتها على يد سلف دبي, الرئيس السابق حسين حبري, بعد أن تورط العقيد الليبي معمر القذافي في حرب مع تشاد رنا منها أن يستولي على إقليم أوزو الشمالي الغني باليورانيوم.
وتبدو الأنباء تفضي تفاصيلها الآن إلى تحديد ملامح القوى التي تقاتل من وراء ستار الآن في تشاد في السودان عبر دعم "المتمردين", وفرنسا عبر دعم النظام القائم برئاسة إدريس دبي, غير أن هذا التوصيف يتجاهل الضعف السوداني الكبير مقارنة باللاعب الفرنسي, والأهم أنه يتجاهل أيضاً أبرز لاعب الآن في المسرح الإفريقي يسعى لوراثة مستعمرات فرنسا السابقة ويريد أن يفرض أجندة "الفوضى الخلاقة" الرامية إلى فك وتركيب المناطق ذات التأثير البالغ أو التي ترى صاحبة الأجندة (الولايات المتحدة) أنها قد رتبت بلوراتها الكيمائية على نحو غير صحيح يعوزه الآن إعادة النظر في مجمل الخرائط, لاسيما تلك المبتلة بالنفط/إله أمريكا التي تظل عليه عاكفة أين وجد.. النفط الذي بدت بشائره في دارفور وفي تشاد وتمتد طموحات التنقيب النفطي كذلك إلى الغرب حتى ساحل الأطلسي ولم يستغل إلى الآن, جدير بأن تنسف الولايات المتحدة الكثبان الرملية في وجوه خصومها ـ سواء السودانيين أو الفرنسيين ـ لتحصد وحدها المغانم النفطية في دارفور وتشاد, لاسيما بعد أن مد المحافظون الجدد في الولايات المتحدة نفوذهم بقوة في البنك الدولي الذي تمكنوا أن يضعوا أحد رجالاتهم المخلصين (بول ولفويتز) في سدة رئاسته, والذي يمسك بإحكام بتلابيب التشاديين في هذا الميدان الجديد لصراع نفوذهم مع فرنسا, بعد أن سددوا ضرباتهم الموجعة لنفوذ الفرنسي في زائير وإفريقيا الوسطى, ومن قبل رواندة وبورندي.. الدور الأمريكي لم تنجل ملامحه بعد, بيد أنه متوقع في إطار مشروع التغيير الأمريكي "الفوضوي" الذي لا يغيب الآن عن مجمل الأحداث في العالم.. وهو لا زال بالتأكيد فتياً وناجزاً وإن اصطدم بصخور قوية كالعراق وغيره؛ فإنه لا يعدم أراضي رخوة يغرس فيها راياته.. وليس رخواً الآن كمِثل حزام السودان القديم.

بقلم: أمير سعيد