مهارات العلاقات العامة للدعاة 2

دوافع وراء تحسين العلاقة بالناس:
المسلم يبحث عن رضا ربه _سبحانه_ من كل عمل يقوم به وكل فكر وكل عزم وهو يبحث عن الأجر في كل ذلك , قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فينا أخرجاه في الصحيحين: "خير الناس أنفعهم للناس" وذاك الدافع الإيماني يجعل المرء يسعى إلى تحسين علاقاته ومعاملاته بالناس سواء كان في ذلك نفع متبادل أو لا وسواء رضي الناس أو أبو وسواء كسب ودهم أو لم يكسب فالأجر ثابت عند الله وهو ضمان تلك الاستمرارية.فقد أخرج مسلم قول النبي _صلى الله عليه وسلم_ " ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها" فهو لا يصل رحمه – سواء كانت رحماً عامةً كالأخوة في الله أو رحما خاصة كالرحم القريب – بناء على وصلهم له ولكن رغبة منه أن يصل رحمه مهما قطعوها هم.. وعن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" رواه أحمد.

كذلك دافع آخر وراء تحسين العلاقة بالناس هو قوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النحل: من الآية125)، فالموعظة الحسنة هي محتوى الكلام وطريقته والحكمة هي ذاك الغلاف الذي يغلفه وتلك الوسائل التي توصله اقتداء بفعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ , ولذلك قال بعضهم الحكمة في الآية هي سبيل السنة في الدعوة إلى الله.. ولذلك وصف القرآن سلوك النبي في دعوته بقوله: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران: من الآية159).

كذلك فإن تكوين بيئة صالحة مهيأة لتقبل الناس دعوة الداعية لا يمكن أن تتحقق إلا بإحسان المعاملة والتميز في ذلك بصورة كبيرة , بل نستطيع أن نقول إن البيئة الشائكة والمليئة بالمشكلات تكون محضناً خصباً لنمو أمراض العمل الإسلامي، سواء على مستوى الفرد أو المجموع..

أهمية دراسة الداعية للناس والمجتمع من حوله في نجاح العلاقة معهم:
قال الله _سبحانه_: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" (يوسف: من الآية108).. قال الرازي: "يدل هذا على أن الدعوة إلى الله إنما تحسن وتجوز مع هذا الشرط، وهو أن يكون على بصيرة مما يقول وعلى هدى".

"وهذه البصيرة نظهر على شكل أنواع من السلوك وألوان من التصرف والتعامل , ويتقرر كل ذلك بعد معرفة المدعوين وإدراك أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والنفسية , فإن التعامل مع المجهول صعب وشاق في حين أن التعامل مع المعلوم المبصور سهل يسير ويوفر كثيراً من الجهد والتعب..

فالداعية الناجح هو الحريص على معرفة أسماء الناس من حوله وكناهم وألقابهم وأن يخاطبهم بأحب الأسماء إليهم وأن يتجنب ما يسوؤهم وأن يعرف محباتهم ومكروهاتهم , فهذا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ علم حب أبي سفيان للفخر – قبل إسلامه- فقال " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " وفي صلح الحديبية أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ بأن يعرض الهدي في وجه الحليس بن علقمة سيد الأحابيش الذي أرسلته قريش للنبي _صلى الله عليه وسلم_ , لأنه كان من قوم يتعبدون فلما رأى الحليس الهدي يسيل عليه من الوادي وعليه قلائده رجع ولم يصل للنبي _صلى الله عليه وسلم_ إعظاما لما رأى وقال يا معشر قريش والله ما على هذا عهدناكم أن نصد عن بيت الله من جاء معظما له.. "سيرة ابن هشام

والداعية الناجح يتعرف على أحوال الناس وأوضاعهم ولا يتغيب عن أمورهم الفكرية والنفسية والاجتماعية وإنما يحصل ذلك بالخلطة الصالحة في المساجد والمناسبات الشرعية والتزاور الشرعي في الله وإنشاء ميادين اللقاء الدعوى ومنتدياته الصالحة وغيرها..

احذر الخجل..
فرق كبير بين الخجل والحياء , فالحياء هو زينة الأفعال وهو ترك كل ما يشين من السلوك والأقوال وأصل الحياء هو الإيمان فالحياء والإيمان قرينان وهو داعية في داخل الإنسان يدعوه إلى أفعال المروءة وترك أفعال الدناءة والخسة.. وأما الخجل المكروه هنا والذي أقصده هو ذاك المانع للإنسان والدعاة عن القرب من الناس وتحسين العلاقة معهم وهو مذموم ولاشك...

الخجل هو المشكلة الأولى التي قد تمنعنا من الاندماج مع الناس اندماجا طبيعيا غير مفتعل ، وهو سلوك مكتسب.. فلا يوجد إنسان ولد خجولا ولكن الخجل سمة شخصية مكتسبة، وتفسيرات الخجل وأسبابه كثيرة ومتنوعة وتختلف باختلاف الأشخاص وظروف كل منهم.. ولكن كل ما يعنينا هو أن الخجل عائق بلا شك عند التعامل مع الناس.. لأن الشخص الخجول يعارض بشدة ولا يستطيع على الإطلاق أن يبدأ حوارا مع شخص آخر وبخاصة إذا كان هذا الشخص غريبا عنه.

والحقيقة إنك لا تستطيع أن تقاوم نفسك وتبادر بالضغط عليها وتحاول أن تقوم بشيء مازلت غير مقتنع بجدواه.. ولا أنصحك على الإطلاق أن تفعل ذلك ولكن أنصحك بالتغلب على الخجل بالتدريب وبالتدريج بعد أن تكون مقتنعا تماما ومن داخل أعماق نفسك بأنه يجب أن تتخلص من ذلك الذي يجعلك لا تستطيع أن تحصل على ما تريد من حب وتعاون وتفاهم مع الناس الذين تتعامل معهم وحتى أقرب المقربين إليك.. قد تعاني في البداية من بعض الاضطرابات والخوف والقلق، ولكن سيقل ذلك شيئاً فشيئاً عندما تبادر بالبدء في الحديث مع الآخرين إلى أن تتغلب تماماً على ذلك الخجل، وتصبح إنسانا اجتماعيا من الطراز الأول.

وتذكر دائما وأبدا القاعدة الذهبية للتغلب على الخجل وهي إنك بمجرد القيام بتكرار الشيء الذي كنت تخشى القيام به ستقهر الخجل قهرا.. وسيذهب عنك إلى غير رجعه، ولكي تتغلب على شعورك بالخجل عند الحديث مع الناس عليك أن تتحدث مع الناس وتكرر الشيء الذي تخشى القيام حتى تكتسب القوة، وعليك أن تكون متميزا عن الآخرين في حوارك الذي ستبدؤه للتغلب على الخجل الذي بداخلك، والأجدى لك أن توجه الحوار إلى موضوع من اختيارك أنت موضوع تلم به جيدا وتعرفه ويهم الآخرين أن يتحدثوا فيه.

مظهرك وطريقتك باب دخولك إلى القلوب..
قد أكد الإسلام على حسن المنظر والمظهر وقد أمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ بذلك في غيرما توجيه نبوي , وقد كان يحب البياض من الثياب وكان أحسن الناس مظهرا وكان يحب الطيب وله ثوب للقاء الوفود , وليس معنى التزهد في الدنيا والتقلل منها أن يبدو الإنسان رث الهيئة فينفر الناس منه ويسأمون من القرب منه , كذلك فاهتمامك بصحتك ونضرتك وحيويتك سبب مهم في قرب الناس منك , ولكي تبدو في أحسن حالاتك ينبغي أن تحس أنك في أصح حالاتك، وإذا نال منك التعب أو الإعياء أو تعكر مزاجك فليس في مقدورك أن تبدو مرحا متفائلا محبا للآخرين.. ولما كانت الشخصية وتصرفاتك وسلوكك المحسوس هو الذي يدفع الناس إلى قبولك وحبك والتعاون معك فلابد أن تتصف شخصيتك بالمرح والحيوية – ولا أقصد الابتذال الرخيص والضحك المسقط للهيبة -، أما الوجوم والاكتئاب والكسل وفقدان الحيوية فكلها صفات تجعل الناس يديرون ظهورهم في وجهك.

كذلك فإن اللياقة إحدى السمات التي تجعل هناك إنسانا مقبولا لدى الآخرين وتعني في أبسط معانيها أن تجنب الآخرين الحرج والارتباك.. ويكون ذلك بالتعود على التفكير قبل الكلام فهذه هي الطريقة المثلى لاكتساب الظهور بمظهر الحكيم..