أنت هنا

من "الجعفرية" إلى "المالكية": التغير الشكلي أو النمطي
27 ربيع الأول 1427

لا يملك (رئيس الوزراء العراقي المكلف) جواد المالكي من لقبه إلا المسمى, وإلا فالجميع يعلم أنه جعفري المذهب, أما السياسة فهي بعد لم تتشكل ملامحها ولا ينبغي الحكم عليها إلا من خلال ممارسته القادمة, لكنها من غير المتوقع أن تتنكر لأدبيات حزب الدعوة الشيعي الذي ينتمي إليه ـ كما سلفه الجعفري ـ أو تفارق الأطر العامة للحكومة السابقة المؤقتة برئاسة د.إبراهيم الجعفري.

كل ما في الأمر أن الحكومة الجديدة تأتي في ظل متغيرات إقليمية وحساسيات متشابكة داخلياً وخارجياً ينتظر منها أن تفضي إلى نوع من التغيير النمطي في أسلوب معالجتها, ناهيك عن أن هذه الحكومة تختلف عن سابقتها في طول المدة الممنوحة لها نسبياً؛ فهي حكومة نظامية عادية وليست حكومة مؤقتة أو "معينة" برغم ما هو معروف عن التدخل الخارجي الأمريكي والإيراني في تشكيلها, وبالتالي فالمستقر عند رئيسها المكلف أنها معنية أكثر بتسيير الأمور بشكل أقل حساسية واستفزازاً من سابقتها التي خلفت نحو 40 ألفاً من السنة صرعى مذابحها ـ بحسب د.حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق ـ وزامنت أكثر من 3000 عملية عسكرية, وأكثر من 5000 آلاف عملية اغتصاب ـ طبقاً لمعطيات مرصد حقوقي عراقي شبه مستقل ـ واستحوذت على القاسم الأكبر من ضحايا ما بعد بدء الغزو الأمريكي على العراق والبالغ عددهم نحو 200 ألف ضحية ـ وفقاً لإحصاء سني صدر في العراق مؤخراً ـ, والمستقر أيضاً أنها تأتي بعد أن مهدت لها حكومة الجعفري الكاسحة لكثير من أدوات مخالفيها في السجال السياسي, وعليه فإن كانت حكومة الجعفري ـ مجازاً ـ حكومة ثورة؛ فإننا على موعد مع حكومة دولة برئاسة المالكي وإن كانا كلاهما حكومتين طائفيتين, وبالتالي فقد تقل المجازر لحد ما في حكومة المالكي وقد يتبلور دور أكبر للسنة أكثر فاعلية, وقد تحدث بعض خطوات في اتجاه المصالحة الطائفية على أرضية رجحان كفة الطائفة الشيعية على السنية.

هناك عدة أسباب تجعل هذا السيناريو أكثر قبولاً, تتلخص في تنامي الأصوات العربية المتحفظة على تهميش دور السنة لحساب الشيعة في العراق, والتي وردت على لساني الرئيس المصري حسني مبارك ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل, بما لهاتين الدولتين من ثقل مؤثر على الصعيد العربي والإسلامي, وفي رغبة الولايات المتحدة في منح السنة هامشاً أوفر قليلاً من ذي قبل لعمل نوع من الموازنة, لاسيما بعد أن أعلنت إيران عن دخولها النادي النووي, كما وأن كثيراً من الممارسات العنيفة للميليشيات في عهدة الجعفري أتت أكلها وأدت لنوع من الانكماش في صفوف السنة, بعد عمليات اغتيال النخبة وإعمال القتل بهدف الترهيب والتهجير في مناطق معينة بغية تركيب التركيبة الديموجرافية فيها, وهناك أخيراً لزوم دمج الميليشيات الطائفية على نحو لا يعرضها للهجوم الإعلامي والانتقاد الدولي بغية توفير الحماية الكاملة لها, والحد من غلوائها من جهة أخرى.

هذه قد تكون مؤثرة على الصعيد الشكلي أو النمطي إلى حد ما, لكن من المستبعد أن تحدث تغييراً جوهرياً في سياسة المالكي إلا بقدر ما كان الجعفري ذاته سيتغير لتغير المناخ وطول عهدته, فـ"المالكية" لن تكون مخالفة كثيرة ـ في تقديرنا ـ لـ"الجعفرية" وإنما الواجب أن تبني السنة استراتيجيتها على تفاؤل محدود وغير مفرط للحكومة الجديدة.