أنت هنا

الفوضى الخلاقة معبر الليبراليين الجدد للحكم.. كيف نواجهها؟
8 ربيع الثاني 1427

الفوضى البناءة هي النظرية المعتمدة لوصول الليبراليين الجدد إلى الحكم، وفق زخم شعبي مصطنع.الفوضى أبدا لم تكن بناءة، إذ هي نقيضة للنظام ونقيضة للعمل التغييري المنظم، وطوال تاريخ البشرية لم تكن الفوضى أبداً سلاحاً للتغيير، بل سلاحاً ضد التغيير على الأقل من زاوية إجهاض التغيير بالتفجر دون وجود قيادة منظمة تنظم وتوجه وتقود حركة الشعوب من أجل التغيير الحقيقي.

ومنذ بداية الثورات المنظمة في التاريخ الإنساني الحديث، ومع تراكم خبرة مؤسسات الحكم، بدأت النظم الحاكمة تدخل في أنماط استمرار سيطرتها على الحكم، استخدام آليات الرفض المجتمعي للظلم والطغيان أو استخدام آليات التغيير الشعبي في العمل ضد وصول الشعوب إلى أهدافها أو بالدقة أن النظم باتت تستخدم أسلحة الشعوب في تغييرها هي، لمنع التغيير نفسه من الحدوث، سواء كان ذلك بحرف الاحتقان الشعبي إلى مسارات لا تخدم قضايا الشعوب –من خلال التوترات العرقية أو الطائفية أو الدينية التي تندفع إلى أشكال واسعة من العنف لتفرغ طاقات الشعوب فيما لا طائل من خلفه– أو من خلال تشييد مسبق لمخرات السيول الجماهيرية المنجرفة حين التفجر، لتذهب إلى حيث يمكن حصارها والاستفادة منها لبقاء النظم واستمرارها وربما تجديد سطوتها وسيطرتها،وذلك إلى جانب استخدام آليات عمل أجهزة ومؤسسات الدولة بطبيعة الحال بمختلف أشكال المؤسسات السياسية والإعلامية والعنفية.

والجديد الآن في موضوع الفوضى الخلاقة هو إن الدول الاحتلالية باتت تستثمر أخطاء الحكومات المعادية لها أو الأقل تعاونا معها أو الأضعف تمثيلا لمصالحها الاستعمارية، باتت تستثمر طاقات الشعوب وبشكل تنظمه هي لخلع هذه الحكومات وإحلال مجموعات عميلة أو أكثر عمالة لمنع التغيير الحقيقي لمصلحة الشعوب والمجتمعات.والفوضى الخلاقة أو البناءة هو نمط من التفكير والسلوك الذي يجسده كسلوك ومثال للتوضيح، أن الجيوش المعتدية على الأمم والشعوب والتي كانت تعتمد ضخامة قوتها وأنماط تنظيمها العسكري الحديث هي وسيلة تفوقها وكسبها للحروب ضد جيوش الدول الأضعف والأقل تقدما، باتت تستخدم أساليب حرب العصابات في مواجهاتها لأعمال حرب الشعب، والفوضى البناءة من خلال تحليل مضمون المصطلح هي موقف سلبي من العمل الشعبي باعتبار العمل الشعبي فوضى، وهى استخدام للفعل الشعبي في الآن ذاته لأهداف "بناءة" من وجهة نظر مروجي المصطلح.

ومن خلال متابعة تطبيقات "نظرية الفوضى البناءة " نجد أنها لم تتخذ شكلا أو نمطا واحدا، إذ هي في العراق تجسدت في إنهاء جهاز الدولة العراقي وتفكيك المجتمع العراقي إلى مكوناته الأولى، لكي يسهل البناء "الغربي الجديد " عليها.كما نجد أنها في جورجيا كانت استخداما منظما لحركة مدفوعة الأتعاب للقيادات، عملت على تجييش الغضب الشعبي وتوجيهه باتجاه تغيير حكم غير موالى للولايات المتحدة بآخر موالى لها، كما نجدها في لبنان قد جرت باستخدام مفجر ديناميتى في البداية –اغتيال رفيق الحريري –لتفجير غضب شعبي، وتوجيهه من بعد نحو تحقيق أهداف للأجندة الأمريكية في لبنان.الخ.

غير أن الفوضى الخلاقة يمكن إن تجرى وفق تجليات أكثر تعقيدا كان يجرى تحريك الشارع لأحداث نقلات داخل أجهزة الحكم نفسها أو لتمكين مجموعة من إطاحة أخرى داخل أجهزة الحكم نفسها وليس فقط لتمكين قوى من خارج الحكم للقفز إليه.كما هو يمكن إن تجرى وفق تغيير تدريجي داخل أجهزة الحكم والأحزاب الحاكمة..الخ.

ولمواجهة الليبراليين العرب والمتصهينين منهم ومشروعهم الغربي:
تظل القضية الأصل إن تلك المواجهة هي مواجهة مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالدرجة الأولى حتى وإن جرت على الأرض العربية وفى مواجهة من يتحدثون العربية أو حتى من يرفعون شعارات تتمسح بالإسلام.
ومثل هذه المعركة هي معركة فكرية كما هي معركة سياسية وثقافية ومفاهيمية وقيمية.

وفى المواجهة الفكرية فان القضية الأصل تتمثل في التأكيد على ثوابت الأمة وإبداع كل الأشكال المجتمعية الممكنة للدفاع عن استمرار هذه الثوابت وتطورها داخل مجتمعاتنا، لمواجهة الدور التخريبى الذي تقوم به هذه المجموعات.

وفى المواجهة السياسية مع نظرية الفوضى المنظمة أو البناءة أو الخلاقة يتطلب بالدرجة الأولى محاولة الفصل بين جهاز الدولة والحكم في الصراع السياسي من قبل المجموعات التغييرية المخلصة لوطنها والمعادية لأهداف مخططي الفوضى المنظمة، وذلك استفادة من تجربة العراق، وان تلح تلك المجموعات الوطنية الإسلامية والوطنية، في برامجها وشعاراتها وسياساتها على أن جهاز الدولة لا علاقة له بأحداث التغيير وانه خارج اطر الصراعات وان الفارق كبير بين تغيير أساليب الحكم نحو الشورى وبين هدم جهاز الدولة، الذي يعقبه بالتالي تفكيك المجتمع.

كما تتطلب مواجهة أسلوب الفوضى المنظمة الإسراع في تشكيل أنماط مشتركة من الجبهات المنظمة بين القوى والتيارات الإسلامية والوطنية، سواء على صعيد ما هو مشترك سياسيا أو ما هو تنظيمي على صعيد الحركة في الشارع وذلك لمواجهة التحركات المعادية أو لضبط الحركة الجماهيرية، كما يتطلب الأمر إشراك العناصر الفعالة من الفئات الاجتماعية المختلفة في كل مجتمع.

كما تتطلب مواجهة أسلوب الفوضى المنظمة، إعلان موقف معادى واضح ومحدد من قبل التيارات الوطنية والإسلامية من العناصر المتعاونة مع الخطط الأمريكية وان يجرى التشدد في كشفها وفضحها حتى لا تتمكن هذه العناصر من خداع الجماهير حينما تبدأ الولايات المتحدة إثارة الجماهير تحت قيادتها وتوجيهها إعلاميا وسياسيا.أن من المفزع أن تتعاطف بعض التيارات أو تتحاور مع مثل هذه العناصر بما يعتبر إكسابا لها لشرعية تفتقدها وسط جماهير الأمة، كما أن من المخجل أن يصبح هؤلاء الأفراد معبراً للتماس مع المخططات الأمريكية.

كما تتطلب مواجهة أسلوب الفوضى البناءة، الشرح المتعمق والدءوب للنقطة المحورية الفارقة بين المشروع الإسلامي والوطني للتغيير وبين المشروع الأمريكي للتخريب المنظم، بكشف أهداف التحرك الأمريكي والضغط عليها دوما وبتوضيح الفارق في الأهداف النهائية للحركات السياسية الوطنية والإسلامية وبين الأهداف النهائية لمشروع التغيير الأمريكي.

كما تتطلب مواجهة الفوضى البناءة، التشديد على التمسك بكل المفاهيم الإسلامية والوطنية وكل الأسس الحضارية التي تشكل عصب تماسك المجتمعات العربية الإسلامية، حيث كل هدم لقيم المجتمع إنما هو تمكين للمشروع الأمريكي في التفكيك للمجتمعات والدول.

غير إن مواجهة الفوضى البناءة تواجه عدة مشكلات:
الأولى، أن هذه النظرية والياتها تعمل على استثمار أخطاء الحكومات وأنظمة الحكم ومن ثم هي تقوم على أسس واقعية ومن ثم هي تلبى فعليا في جانبها الأول أو في الشق الأول من المعادلة، مطالب شعبية حقيقية، بإطاحة نظم ديكتاتورية أو متسلطة أو فاسدة..الخ.لتتحول من بعد إلى تحقيق الأهداف الأمريكية البغيضة.

والثانية، أن الفوضى المنظمة لا تقوم على استثمار تيارات سياسية بقدر ما تقوم على اعتماد مجموعات عرقية وطائفية مستفيدة في ذلك من أنماط متعددة من الظلم الذي يلحق بالطوائف والأقليات في المجتمعات بما يجعلها زادا وافرا لكل تفجير وبما يعطيها قوة وزخما.

والثالثة، أن مثل تلك الأعمال تجرى وفق آليات وطرق لأجهزة استخبارية لا يعلم احد توقيتها ولا خطواتها، خاصة في ظل حالات الاختراق الواسعة ومتعددة الأطراف في المجتمعات حاليا من خلال العديد من أشكال العمل النظم والممول أمريكيا.

والرابعة، أن القوى المطلوب منها مواجهة تلك الأنماط المرتبة من الفوضى المنظمة، هي جماعات مختلفة وغير متوافقة سياسيا ولا خططيا ومن ثم يسهل المرور فيما بينها والتحرك بحرية للمخططين والمنفذين للفوضى المنظمة في الفواصل بين الحركات السياسية ذاتها.

وفي الأخير فإن الليبراليين العرب الجدد هم محاولة غربية لإعادة تشكيل النخب في مجتمعاتنا بعزل التيارات الوطنية والقومية والإسلامية وكل أشكال المقاومة للمخططات الأمريكية والصهيونية، وإحلال نخب اشد تغربا وأكثر ولاء للغرب محل النخب الحاكمة مع توسيع قاعدة تأييدها.
وانه بدون وجود هذه النخب ووصولها إلى الحكم لن تنجح المخططات الأمريكية والصهيونية، وان هذه النخب هي الأشد خطرا على مجتمعاتنا في الحاضر والمستقبل.
وان المفترض إن ترى مختلف القوى الوطنية والعروبية والإسلامية هذا الخطر الماثل والمستقبلي لتعيد ترتيب أولوياتها، وفق أسس علمية.