أنت هنا

حين تغدو قضايا الأمة موضوعا للتصفيات الشخصية
8 جمادى الأول 1427

مع شيوع التعليم وانحسار الأمية وانتشار وسائل الإعلام وتداولها لمختلف القضايا ؛ الكبيرة منها والصغيرة ، الخاص منها والعام ، صار متاحاً لكل الناس أن يتحدثوا في كل قضية دون استثناء ، دون النظر إلى مستوياتهم العلمية والثقافية أو قدراتهم العقلية على الاستيعاب والاستنباط والفهم والتقدير .

وليست المشكلة هنا ، فما زال الناس منذ القدم يتحدثون بما شاؤوا ، ولا غضاضة في ذلك ، إذ كانت أحاديثهم تبقى حبيسة مجالس منزلية أو تجمعات شعبية على مستوى المدينة أو القرية أو ( دردشات ) ثنائية .

غير أن الأمر اختلف الآن ، ولم يعد كما كان من قبل ، بل صار الحديث يسمعه الآلاف إن لم يكن الملاييين من على شاشات الفضائيات ، وصارت المقالة يقرأها الآلاف في الصحف والمجلات .

لكن من المفارقات العجيبة أنه على قدر اتساع آفاق الناس ومعرفتهم وإدراكهم إلا أنهم لا زالوا يرون أن من ( يغتصب ) زاوية في صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية ، أو يعطاها لمعرفة شخصية أو لمحاباة حزيبة أو ( شللية ) فكرية ، فإن ذلك يعد شهادة كافية له على سعة العلم وحسن التقدير وعمق المعرفة ، ومن ثم يؤخذ كلامه كأنه حق لا يأتيه الباطل رغم أنه قد يكون أجهل من حمار أهله !

ونحن يهمنا هنا الكلام عن أحاديث الناس ومقالاتهم وتصريحاتهم في موضوعات الشأن العام والقضايا الكبرى المنهجية التي يسير عليها الناس في حياتهم ، وتؤسس عليها الدساتير والقرارات وتصبح فيما بعد نظاماً لا يسع أحداً الخروج عليه و ينبني عليها نتائج كبيرة وتحديد لمصائر طوائف وأمم .

إن قضايا الأمة الكبرى – للأسف - صارت ميداناً لصراعات سياسية ولتصفيات شخصية وترويجا لأفكار حزبية مقيتة أو توجهات فكرية تغريبية شاذة ، بعيداً عن البحث المخلص الصادق في معرفة الحق والعمل به والدعوة إليه .

إن أنصاف المثقفين وأغيلمة الصحافة والرويبضة الذين وصف نبينا _صلى الله عليه وسلم_ وأحدهم بقوله: ( الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ) ، هؤلاء أصبحوا يتكلمون و يكتبون في القضايا الكبرى ويرفعونها ، لهوى في نفوسهم ، كما رفع من قبلهم قميص عثمان ، يزعمون أنهم يطلبون ثأر الشهيد وهم أول أعدائه وأعوان قتلته !

إن مما ينبغي التنبيه عليه ولفت النظر إليه دعوة الناس إلى العودة إلى الحق والى النظر في كلام الناس ومقالاتهم وكتاباتهم في القضايا الكبرى - وغيرها - بميزان الحق والعدل ونقصد به ميزان الشرع من قول الله وقول رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وأقوال العلماء الربانيين الذي ساروا على هديه دون تبديل ولا تحريف .